1. المقالات
  2. خير الناس لإهله _ أبو سعيد نجوغو مبكي صمب
  3. الدرس الخامس : أهمية الشورى في حل المشكلات الأسرية .

الدرس الخامس : أهمية الشورى في حل المشكلات الأسرية .

الدرس الخامس : أهمية الشورى في حل المشكلات الأسرية .

الشورى سنة مؤكدة وسيرة محفوظة ، كان يعمل بها رسول الله  صلى الله عليه وسلم كلما أقدم على عمل أو قول يستجوبها ، ويلجأ إليها فيما أغلق عليه من أمور الحياة ، فقد استشار النبي  صلى الله عليه وسلم أصحابه في أمور الدعوة إلى الله ، وفي مسائل الجهاد في سبيل الله ، وشاورهم في القضايا الأسرية والمشاكل الاجتماعية ، وكل ذلك من العمل بقول الله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [1]، وتعليما لأصحابه وسائر أمته من بعده بمبدأ عظيم من مبادئ إدارة الشأن العام دينيا كان أو دنيويا ، كما هو الواجب على المسلمين في كل زمان ومكان ، قال تعالى : {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [2].

وكان طريقة النبي  صلى الله عليه وسلم ومنهجه في الشورى كلما حزبه أمر أو هجم عليه شأن أن يختار من أصحابه أهل العلم والخبرة ، والألصق بموضوع الشورى و الأعرف بتفاصيله .

ولما انتشرت قصة الإفك بين الناس في المدينة ، وهلك فيها من هلك استشار النبي أصحابه ليستمع إلى آرائهم في الموضوع ، واختار لمشورتهم رجلين وامرأتين من أصحابه المقربين من بيت النبوة الكريمة .

أما الرجلان فهما : أولا : ختنه وابن عمه علي بن أبي طالب  رضي الله عنه الذي قال له :   يا رسول الله لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك )) ، وهو يشير بقوله هذا أن يفارق رسول الله  صلى الله عليه وسلم أهله ويستريح من الشكوك والقيل والقال ، ولكن بلهجة ذكية ، لم يخف كنهها على عائشة رضيَ الله عنها ، ولقد وجدت عائشة من قوله موجدة عظيمة ، ولم ينسها له .

ولأهل العلم تأويل لكلام علي  رضي الله عنه  ، حيث قالوا :   الذي قاله علي هو الصواب في حقه  صلى الله عليه وسلم لأنه رآه مصلحة ونصيحة للنبي  صلى الله عليه وسلم في اعتقاده ، ولم يكن ذلك في نفس الأمر ، لأنه رأى انزعاج النبي  صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وتقلقه ، فأراد راحة خاطره ، وكان ذلك أهم من غيره )) [3]

والرجل الثاني : حبه وابن حبه أسامة بن زيد رضيَ الله عنهما الذي قال له :   أهلك ، ولا نعلم إلا خيرا )) ، وهو بهذا ينصح رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بأن يمسك بأهله ، فإن هذه مجرد شائعة لا غير ، وما يعرفه من طهارة أهله وشرفهم أكبر من أن يتزعزع بسببها .

وأما المرأتان فهما ، الأولى : بريرة مولاة عائشة وصديقتها في البيت وكانت عارفة بها ، وقالت لرسول الله لما سألها :   والذي بعثك بالحق ، ما رأيت عليها أمرا قط أغمصه ، غير أنها جارية حديثة السن تنام على عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله )) ، فأكدت لرسول الله أن زوجها من المحصنات الغافلات البريئات مما رمين بها من الفاحشة .

والثانية هي : زينب بنت جحش رضيَ الله عنها إحدى أمهات المؤمنين ، وهي من كانت تسامي عائشة رضيَ الله عنها عند رسول الله ، وغالبا ما يحمل الحسد مثلها على الظلم والشهادة بالزور ، ولكنها رضيَ الله عنها كانت أورع وأعف لسانا من أن تفتري على أختها ما ليس لها به علم .

وبعد أن استمع النبي  صلى الله عليه وسلم إلى مستشاريه وتأمل في أقوالهم وشهاداتهم عزم أمره وتوكل على الله واتخذ موفقه الشخصي في هذا الأمر الخطير ، ألا وهو اعتقاد براءة أهله من كل ما رمي بها من الفاحشة ، إذ ليس عند الخائضين في الإفك بينة تثبت دعواهم الكاذبة ، ولا قرينة تدل على تلبث المتهمين بشيء من التهمة ، وليس في سيرتهما ما يقدح في عدالتهما ، أما عائشة فقال عنها النبي  صلى الله عليه وسلم  :   والله ما علمت على أهلي إلا خيرا )) ، وأما صفوان فشهد له بمثل ذلك فقال :    ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما يدخل على أهلي إلا معي )) .

لم تكن الشورى في حادثة الإفك من حاجة رسول الله  صلى الله عليه وسلم فقط ، بل كانت عائشة رضيَ الله عنها في أمس الحاجة إلى من تستمع إليه وتأخذ برأيه في مصيبتها ، ولم يكن ذلك غير رسول الله  صلى الله عليه وسلم لولا ما أحست به عائشة من نوع تغير عند رسول الله  صلى الله عليه وسلم في تعامله معها ، لحد الامتناع من ذكر اسمها ونداءها بقوله  صلى الله عليه و سلم تيكم ) ، ولما كان الأمر بهذه الوتيرة استأذنت رسول الله  صلى الله عليه وسلم أن تذهب إلى أبويها لتستوثق منهما وتستشيرهما فيما تأتي أو تذر ، وكان أقربهما إليها أمها التي حاولت أن تخفف عنها وتلهيها قليلا بإرجاع الأمر إلى أسبابها الطبيعية فقالت لها :   يا بنية هوني عليك ، فوالله قل ما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن عليها )) ، وهذا الكلام وإن صدر من قلب حنون لم يكن لها في نفس عائشة كبير أثر ، فاستمرت في بكائها وأرقها .

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]سورة آل عمران الآية 159

[2]سورة الشورى الآية 38

[3]شرح صحيح مسلم للنووي ( 17 / 108 )

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day