1. المقالات
  2. الجزء الخامس_زاد المعاد
  3. فصل في حكم رسول الله الموافق لكتاب الله أنه لا نفقة للمبتوتة ولا سكنى

فصل في حكم رسول الله الموافق لكتاب الله أنه لا نفقة للمبتوتة ولا سكنى

4497 2007/11/28 2024/04/19


فصل في حكم رسول الله الموافق لكتاب الله أنه لا نفقة للمبتوتة ولا سكنى


روى مسلم في صحيحه عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة وهو غائب إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شيء فجاءت رسول الله ذلك له وما قال فقال ليس لك عليه نفقة فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم   رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد فكرهته ثم قال انكحي أسامة بن فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت وفي صحيحه أيضا عنها أنها طلقها زوجها في عهد رسول الله وكان أنفق عليها نفقة فلما رأت ذلك قالت والله لأعلمن رسول الله

 

 

فإن كانت لي نفقة أخذت الذي وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ منه شيئا قالت فذكرت ذلك لرسول الله فقال لا لك ولا سكنى وفي صحيحه أيضا عنها أن أبا حفص بن المغيرة المخزومي طلقها ثلاثا ثم انطلق إلى فقال لها أهله ليس لك علينا نفقة فانطلق خالد بن الوليد في نفر فأتوا رسول في بيت ميمونة فقالوا إن أبا حفص طلق امرأته ثلاثا فهل لها من نفقة فقال الله ليست لها نفقة وعليها العدة وأرسل إليها أن لا تسبقيني بنفسك وأمرها أن إلى أم شريك ثم أرسل إليها أن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون فانطلقي إلى أم مكتوم الأعمى فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك فانطلقت إليه فلما انقضت عدتها رسول الله أسامة بن زيد بن حارثة

 

 


وفي صحيحه أيضا عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة مع علي بن أبي طالب إلى اليمن فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت من طلاقها وأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقة فقالا لها والله لك نفقة إلا أن تكوني حاملا فأتت النبي فذكرت له قولهما فقال لا نفقة لك في الإنتقال فأذن لها فقالت أين رسول الله قال إلى ابن أم مكتوم وكان أعمى ثيابها عنده ولا يراها فلما مضت عدتها أنكحها النبي أسامة بن زيد فأرسل مروان قبيصة بن ذؤيب يسألها عن الحديث فحدثته به فقال مروان لم نسمع هذا إلا من امرأة سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها فقالت فاطمة حين بلغها مروان بيني وبينكم القرآن قال الله عز وجل ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) (الطلاق: من الآية1) إلى قوله ( لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) 1 قالت هذا لمن كان له مراجعة فأي أمر يحدث بعد الثلاث فكيف تقولون لا نفقة إذا لم تكن حاملا فعلام تحبسونها وروى أبو داود في هذا الحديث بإسناد مسلم عقيب قول عياش بن أبي ربيعة والحارث بن لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا فاتت النبي فقال لا نفقة لك إلا أن تكوني

 

 

 وفي صحيحه أيضا عن الشعبي قال دخلت على فاطمة بنت     فسألتها عن قضاء رسول الله عليها فقالت طلقها زوجها ألبتة فخاصمته إلى رسول في السكنى والنفقة قالت فلم يجعل له سكنى ولا نفقة وأمرني أن أعتد في بيت أم مكتوم وفي صحيحه عن أبي بكر بن أبي الجهم العدوي قال سمعت فاطمة بنت قيس تقول طلقها ثلاثا فلم يجعل لها رسول الله سكنى ولا نفقة قالت قال لي رسول الله إذا فآذنيني فآذنته فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد فقال رسول الله أما فرجل ترب لا مال له وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء ولكن أسامة بن زيد فقالت هكذا أسامة أسامة فقال لها رسول الله طاعة الله وطاعة رسوله خير لك فاغتبطت

 

 

وفي صحيحه أيضا عنها قالت أرسل إلي زوجي أبو عمرو بن حفص بن المغيرة عياش بن أبي بطلاقي فأرسل معه بخمسة آصع تمر وخمسة آصع شعير فقلت أما لي نفقة إلا هذا أعتد في منزلكم قال لا فشددت علي ثيابي وأتيت رسول الله فقال كم طلقك قلت قال صدق ليس لك نفقة اعتدي في بيت ابن عمك ابن أم مكتوم فإنه ضرير البصر ثوبك عنده فإذا انقضت عدتك فآذنيني وروى النسائي في سننه هذا الحديث بطرقه وألفاظه وفي   بإسناد صحيح لا مطعن فيه فقال لها النبي إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا لزوجها عليها الرجعة ورواه الدارقطني وقال فأتت رسول الله فذكرت ذلك له قالت يجعل لي سكنى ولا نفقة وقال إنما السكنى والنفقة لمن يملك الرجعة وروى النسائي هذا اللفظ وإسنادهما صحيح

 


ذكر موافقة هذا الحكم لكتاب الله عز وجل


قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً  * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (الطلاق:2)إلى قوله (  قد جعل الله لكل شيء قدرا ) الطلاق 1 - 3 فأمر الله سبحانه الذين لهم عند بلوغ الأجل الإمساك والتسريح بأن لا يخرجوا أزواجهم من وأمر أزواجهن أن لا يخرجن فدل على جواز إخراج من ليس لزوجها إمساكها بعد فإنه سبحانه ذكر لهؤلاء المطلقات أحكاما متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض

 

 

أحدها أن الأزواج لا يخرجوهن من بيوتهن والثاني أنهن لا يخرجن من بيوت أزواجهن

والثالث أن لأزواجهن إمساكهن بالمعروف قبل انقضاء الأجل وترك الإمساك فيسرحوهن

والرابع إشهاد ذوي عدل وهو إشهاد على الرجعة إما وجوبا وإما استحبابا وأشار إلى حكمة ذلك وأنه في الرجعيات خاصة بقوله

( لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك ) والأمر الذي يرجى إحداثه هاهنا هو المراجعة هكذا قال السلف ومن بعدهم قال ابن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن داود الأودي عن الشعبي ( لا تدري لعل الله بعد ذلك أمرا ) قال لعلك تندم فيكون لك سبيل إلى الرجعة وقال الضحاك ( لعل الله  يحدث بعد ذلك أمرا ) قال لعله أن يراجعها في العدة وقاله عطاء وقتادة والحسن تقدم قول فاطمة بنت قيس أي أمر يحدث بعد الثلاث فهذا يدل على أن الطلاق هو الرجعي الذي ثبتت فيه هذه الأحكام وأن حكمة أحكم الحاكمين وأرحم اقتضته لعل الزوج أن يندم ويزول الشر الذي نزغه الشيطان بينهما فتتبعها فيراجعها كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لو أن الناس أخذوا بأمر الله الطلاق ما تتبع رجل نفسه امرأة يطلقها أبدا ثم ذكر سبحانه الأمر بإسكان هؤلاء المطلقات فقال (أسكنوهن من حيث سكنتم من ) الطلاق 6

 

فالضمائر كلها يتحد مفسرها وأحكامها كلها متلازمة وكان قول النبي إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة مشتقا من كتاب الله  وجل ومفسرا له وبيانا لمراد المتكلم به منه فقد تبين اتحاد قضاء رسول الله الله عز وجل والميزان العادل معهما أيضا لا يخالفهما فإن النفقة إنما تكون فإذا بانت منه صارت أجنبية حكمها حكم سائر الأجنبيات ولم يبق إلا مجرد منه وذلك لا يوجب لها نفقة كالموطوءة بشبهة أو زنى ولأن النفقة إنما تجب مقابلة التمكن من الإستمتاع وهذا لا يمكن استمتاعه بها بعد بينونتها ولأن لو وجبت لها عليه لأجل عدتها لوجبت للمتوفى عنها من ماله ولا فرق بينهما فإن كل واحد منهما قد بانت عنه وهي معتدة منه قد تعذر منهما الإستمتاع لو وجبت لها السكنى لوجبت لها النفقة كما يقوله من يوجبها فأما أن تجب لها دون النفقة فالنص والقياس يدفعه وهذا قول عبداله بن عباس وأصحابه وجابر بن وفاطمة بنت قيس إحدى فقهاء نساء الصحابة وكانت فاطمة تناظر عليه وبه يقول بن حنبل وأصحابه وإسحاق بن راهويه وأصحابه وداود بن علي وأصحابه وسائر أهل وللفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال وهي ثلاث روايات عن أحمد أحدها هذا أن لها النفقة والسكنى وهو قول عمر بن الخطاب وابن مسعود وفقهاء الكوفة أن لها السكنى دون النفقة وهذا مذهب أهل المدينة وبه يقول مالك والشافعي
 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day