1. المقالات
  2. الرسول في الدراسات الاستشراقية _محمد شريف الشيباني
  3. الإسراء والمعراج

الإسراء والمعراج

الإسراء و المعراج

في خضم النضال البطولي الذي خاضه الرسول صلى الله عليه وسلم لنشر الدعوة الإسلامية ، وفي تلك الظروف الصعبة من محاربة كفار قريش إياه ، والحصار المفروض على المسلمين كان الحدث العظيم : الإسراء والمعراج الذي أوقع بلبلة فكرية في صفوف المسلمين وزاد في تعنت المشركين ،  أي إسراء الرسول صلى الله عليه وسلم  إلى بيت المقدس ،  وعروجه إلى السماوات السبع وبلوغه سدرة المنتهى ...

هذا و قد ساهمت الدراسات الاستشراقية في بحث مسألة الإسراء والمعراج من زاويتهما الإيمانية والعلمية وإعادة طرح مسألة طالما أثارها المسلمون أنفسهم من قبل - أي كيفية الإسراء وهل أسري به صلى الله عليه وسلم   بالروح والجسد معاً أم بالروح وحده .

وتقترب نظرة المستشرقين من موقف عقلانيي المسلمين الذين يعتقدون بأن الإسراء والمعراج كانا بالروح فقط ، اعتماداً على حديث عائشة التي ترى أن الإسراء كان ضربا من الرؤيا الصادقة .يقول المستشرق الفرنسي آتيين دينيه في كتابه : "محمد رسول الله " :(( أثار الإسراء والمعراج كثيراً من المناقشات بين علماء الإسلام ، فبعضهم يرى أن ذلك معجزة حصلت فعلاً بالروح والجسد في اليقظة ، بينما يعتمد الآخرون على أصح الآثار ، من بينها حديث عائشة زوج الرسول المفضلة وبنت أبي بكر ، ويرون أن الروح وحدها هي التي أسري بها وعرج إلى السماء ، وليس ذلك إلا رؤيا صادقة ، كما كان يحصل كثيرا للرسول أثناء نومه ))  1 .

هذا ، ولقد أدلى الباحث الروماني ك . جيورجيو برأيه بهذه المسألة ، فهو رغم اعتقاده أن إسراء الرسول ومعراجه قد تما بالروح فقط ، وهذا ليس بغريب على أصحاب الرؤى العظيمة الصادقة ، لكنه يؤكد احترامه للعقيدة الإسلامية حتى وإن ذهب بعض مفكريها  إلى القول بالإسراء بالروح والجسد معاً في تلك الرحلة الإعجازية ، التي تفوق كل خيال ، وتتجاوز موضوعية العلوم الفيزيائية ، فيقول :(( وعلم الفيزياء  ، وإن لم يقبل هذا الموضوع ، فإنني أحترم العقيدة الإسلامية ، وأقبل كل ما جاءت به من الناحية الدينية . ولدينا نحن المسيحيين اعتقادات دينية لا يقبل بها علم الفيزياء كذلك ، مع  ذلك فنحن نقبل بها ، ونعتبرها من صلب معتقداتنا ))  2.

وكان لمسألة الإسراء والمعراج وقعها الخطير في مسار الدعوة الإسلامية إذ قوبلت بسخرية قريش وهزئها ،بينما أحدثت بلبلة في الصف الإسلامي الذي كاد أن ينشق على نفسه بين مصدق و مشكك لولا وقفة أل بكر الحازمة التي صدت تيار البلبلة الفكرية التي كادت أن تحدث شرخاً وردة في الصف الإسلامي .

اتصال الرسول بقبائل العرب وخروجه إلى الطائف

كان للحصار الذي فرضته قريش على المسلمين وفقدان الرسول صلى الله عليه وسلم  حماية بنى هاشم إياه ،  أن جعلته يسارع إلى التفكير في ضرورة نشر الرسالة الإسلامية خارج حدود مكة .إذ أن رسالة الإسلام لم تكن البتة مقصورة على قبيلة قريش المكية ، بل كانت رسالة لللانسانية عامة .وإذا كانت الظروف الموضوعية فرضت على الرسول حين انتقال الرسالة من السرية إلى العلنية أن يبدأ بالأقرب فالأقرب ، ويحصر جل نشاطه في مكة لتكون قاعدة ينطلق الإسلام منها إلى باقي مناطق جزيرة العرب . فقد رأى الرسول الآن مع الحصار الجديد أن ينشط لكسب القبائل العربية .

و تأكيداً على هوية الرسالة الشمولية ، تابع الرسول نشر الدعوة بين قبائل العرب في مواسم الحج ، كما خرج إلى الطائف عارضاً الإسلام على سادات ثقيف لكنه لم يلق في محاولاته لجميعاً إلا الإعراض والسخرية والإيذاء...لكن ،  رغم كل هذا وذاك تابع الاتصال بالقبائل العربية في مواسم الحج إيماناً منه بأن الله جاعل له مخرجاً وأنه لا بد مظهر دين الحق وناصر نبيه.

بيعة العقبة :

وفي العام العاشر للهجرة ( 620 م ) حدث تحول في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم  وفي مسرة الدعوة الإسلامية معاً ، حين التقى صلوات الله عليه برهط من الخزرج قادمين من يثرب (المدينة) فبايعوه على الإسلام عند العقبة - موقع بين مكة والمدينة - أثناء قدومهم لأداء فريضة الحج ،  وفي العام التالي بايعه اثنا عشر رجلاً من الأوس والخزرج « الذين نشطوا في نشر الرسالة الإسلامية في يثرب ... ولما كان العام الثالث حدثت بيعة العقبة الثانية التي عرفت باسم بيعة الحرب حين بايعه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان من الأوس والخزرج (الأنصار) .

وحين أدركت قريش نبأً الحلف الجديد المعقود بين محمد صلى الله عليه وسلم  وأنصار المدينة ، خشيت ازدياد نفوذه واستشراء خط الدعوة الإسلامية ، إذ غدا ذا منعة من قبيلتي الأوس والخزرج ، لذا شرعوا يضيقون الخناق على مسلمي مكة ، ومكروا تآمراً لإحكام خطة يغتالون بها الرسول و بالتالي القضاء على الإسلام قبل أن يفلت من أيديهم زمام المبادرة .

طلائع الهجرة الإسلامية

ومع اشتداد الحملة القرشية المسعورة أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأتباعه بالهجرة إلى يثوب على شكل جماعات صغيرة وبسرية متناهية ،  وحين لاحظ القرشيون حركة الهجرة السرية عمدوا إلى إيقافها ،  ولكن أشد ما كان يقض مضاجعهم ويتوجسون منه الشر المستطير هو إفلات الرسول من قبضتم ،  لأن معنى ذلك الخطر الداهم على الزعامة القرشية خاصة ،  إذا ما فكر عليه الصلاة و الإسلام بتشكيل جيش هدفه الكر على مكة و انتزاعها من أيديهم .

ويحلل الباحث الإنكليزي غلوب باشا الوضع العام الناشيء عن الهجرة الإسلامية من مكة إلى يثرب لتلك الفئة التي غالبيتها من الفقراء والمسحوقين والتي اضطرت أن تقطع 250 ميلاً ميلا على الأقدام في ظروف قاسية جداً ،  ومن ثم يخلص إلى القول : (( ولم تنقض سبعة أسابيع أو ثمانية حتى كان جميع المسلمين قد هاجروا من مكة باستثناء النبي نفسه وابن عمه علي بن أبى طالب وولده بالتبني زيد بن حارثة ورفيقه الأمين أبو بكر الصديق . وارتد عن الإسلام نفر خوفاً من أهلهم بينما حال هؤلاء دون هجرة نفر آخر ،وجدير بنا أن نعترف هنا بأن محمداً أبدى جرأة منقطعة النظير ببقائه في مكة حيث لم يعد يحظى بحماية عمه أبو طالب كبير بني هاشم .

وأدركت قريش خطورة ما وقع من تطور وهالهم أن المسلمين أخذوا يقيمون الآن في يثرب مجتمعاً متلاحم الوشائج خارجاً على نفوذهم وبعيداً عن متناول أيديهم ،وأنهم شرعوا يكسبون أنصاراً إلى جانبهم من أبناء القبائل الأخرى الذين قد يتحولون إلى معاداة قريش . واجتمع كبار القوم في دار الندوة يتشاورون في أمر محمد ورأى بعضهم أن محمداً هو سبب كل ما يواجهونه من متاعب ،  وان من الخير لهم لو تخلصوا منه في أسرع وقت ممكن قبل أن يتمكن من اللحاق بأصحابه في يثرب ))  3.

خطة قريش لهدر دم الرسول

وإزاء ذلك ،اتخذ زعماء قريش قراراً خطيراً إثر اجتماعهم في دار الندوة ، ويقض بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم  بشكل جماعي على أن تشرك بذلك البطون العشرة المنتمية إلى قبيلة قريش ، وهدر دمه بين هذه القبائل نزولاً عند رأي أبي جهل ،  يتحدث المستشرق الفرنسي آتيين دينيه عن إقرار زعماء فريش تلك الخطةً الغادرة بقوله :(( أقرت الجماعة الغادرة هذا الرأي ، واعتقد المشركون - منذ إقراره - أنهم قد تخلصوا من عدوهم ،غير أن المشيئة الإلهية أخلفت ظنهم ، فقد أرسل الله جبريل إلى رسوله يعرفه بمؤامرة دار الندوة ،  ويأمره بالهجرة ويطلب إليه أن لا يبيت على فراشه الذي كان يبيت عليه.

كان بمنزل الرسول أمانات وضعها عنده المشركون لثقتهم في طهارته ، فأبت نفسه الهجرة قبل رد الأمانات إلى أهلها ،  لذلك أتى بعلي المخلص الوفي ، وكلفه بردها ، بعد أن أخبره بنبأ دار الندوة ،وقال له : « نم على فراشي، و تسج ببردى هذا الخضرمي الأخضر، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم »)) 4 .

وبحث المستشرق الفرنسي سيديو في كتابه : " خلاصة تاريخ العرب " مسألة خلاص النبي محاطاً بالعناية الإلهية ، من مكيدة القرشيين ، بقوله :((فدفع الله شرهم ، وهو أولى أن يحفظ نبيه القائم بالدعوة له ، وأحق أن يجعل كيدهم في نحورهم وما زال آخذاً بيمينه ، حتى غني له الزمن ، وصفق له الدهر ))  5

وكانت الهجرة الإسلامية إيذاناً بعهد جديد ،ومرحلة عتيدة في مسيرة الدعوة الإسلامية وجاءت تأكيداً على الهوية الشمولية لدعوة التي لم تكن قاصرة على قريش وإنما جاءت لتغير واقع المجتمع العربي في شبه الجزيرة العربية ، و صهرها في بوتقة الإسلام ، ومن ثم لتؤكد أنها رسالة عالمية للناس كافة .
 



1_اتيين دينه : محمد رسول الله ، ص 156-157.
2_ آتيين دينيه : محمد رسول الله ، ص156-157.
3_جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى ، ص80-81.
4_ آتيين دينه : محمد رسول الله ، ص 169.
5_سيديو : خلاصة تاريخ العرب ص 54.


المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day