1. المقالات
  2. الشباب والنجاح في حياة الرسول _محمد شاهين
  3. النــقد والنصيحة

النــقد والنصيحة

 

إن كنت مضطرا للنقد فافعل بأدب، في ديننا اسمه النصيحة وليس النقد، كما كان يفعل النبي فافعل، لا توجه النصيحة مباشرة، وعلى الملأ، أمام الأخرين، اجعل كلامك عاما بين الناس، فقد كان النبي يقول ما بال أقواما يفعلون كذا وكذا، هم يجلسون معه، ويعرفون انه يقصدهم، يتحدث عنهم، لكنه لا يجرح مشاعرهم، لا يفضحهم ويعرف الناس بهم، وهذا مهم، أيضا اختر كلماتك بدقة عند تقديم النصيحة، فأنت تنقد، وهذا وحده كاف كي تؤذي الآخرين، لا تستخدم الكلمات الحادة، كن لطيف في نقدك، غط يديك الحديديتين بقماش من حرير، صلبة هى، لكنها لطيفة، وصلابتها غير مرئية أيضا، تأكد عندما تنقد أحدا حتى وأنت بهذا اللطف انه مخطئ ولا مجال للشك في هذا، اسأل نفسك ألف مرة قبل توجيه اللوم: هل رأيي من هذه الزاوية صحيح! ربما كان هناك زاوية أخرى نظر بها الطرف الأخر الذي تريد أن تقدم النصح له، ربما يكون هو الصواب وأنت المخطئ! أو رأيه صواب، ورأيك أيضا، أو أن رأيه أكثر شمولية وأفضل فحصا ودقة! يقول علي ابن أبي طالب: لا تكثرن العتاب فانه يورث الضغينة و يدعوا إلى البغضاء و استعتب لمن رجوت عتابه.

 

 

علم نفسك أن النقد مشكلة، أنت في تحد مع نفسك كي تتخلص منها، النبي لم ينقد أحدا، ولم يحب أن يفعل، أنس قال انه لم ينقده ولو مرة، وقد كان خادمه، فما بالك بالآخرين، درب نفسك جيدا مرة بعد المرة، في كل مرة تريد أن تنقد فيها أحدا امنع نفسك وقل أنك سوف تتسبب في التالي:

-       أنك ستجرح الآخرين

-       أنك ستحدث مشكلة

-       انك ستفتح على نفسك النار من الآخرين فهل أنت مستعد؟

-       انك ستخسر صديقا أو زوجة أو زميلا في العمل فهل ترغب في هذا

-       هل أنا على صواب، أم أن للأمر وجوه أخرى يجب فحصها أولا

-       هل يمكنني الاستعانة بمن هو أكثر خبرة أو أرجح عقلا أناقشه في الأمر قبل أن أتقدم بنقدي

ان كانت قراراتك كلها تقول:  قم بالنقد فأنا مستعد للمعركة، مستعد أن أخسر صديقا او مقربا أو زوجة، أو لتقبل كراهية الناس، وأن رأيي سديد لا مجال للشك، فقرارك في الاتجاه الخاطئ، قم بالخطوة الثانية إذن:

-       كيف أوجه النقد: بيني وبينه أم على الملأ

-       ما هي ألطف الكلمات التي يمكنني أن أنقده بها

-       هل هناك مجال أن أجعل النقد عبارة عن مناقشة في الأمر بدلا من أن اجعله نقدا!

-       ما هو رد الفعل المتوقع؟ توقع الأسوأ وتدرب عليه

-   هل أنا بعد كل هذا حريص على كسب ود هذا الشخص! أم سأكون فاجرا في خصامي معه فلا مجال للعودة

-       هل أنا مستعد للأسف والاعتذار إن قام بهجوم مضاد! أم هل ستصبح معركة دامية

أظنك تقول في نفسك الآن: الأفضل ألا أقوم بهذا، ألا أنقد أحدا، فهذا أسوأ ما يمكنني القيام به كي أخسر الناس، ومن يخسر الناس يخسر كل شئ، فإن أشكر الناس للناس أشكرهم لله كما علمنا النبي، العكس أيضا صحيح!

إن أنت تعودت على نقد الناس فان الناس لن تتركك، هم سينقدوك أيضا، سيقومون ضدك بهجوم مضاد، يفرغون فيك قهر زمانهم، وشدة حزنهم، وجور الناس عليهم، ستكون بهذا خسرت الدنيا، والآخرة أيضا، اسمع لهذا الحديث الذي رواه أنس بن مالك: ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏قال‏ ‏مر بجنازة فأثني عليها خيرا فقال نبي الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وجبت وجبت وجبت ومر بجنازة فأثني عليها شرا فقال نبي الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وجبت وجبت وجبت قال ‏ ‏عمر فدى لك أبي وأمي مر بجنازة فأثني عليها خير فقلت وجبت وجبت وجبت ومر بجنازة فأثني عليها شر فقلت وجبت وجبت وجبت فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض! هل رأيت ماذا يمثل رأي الناس فيك! هل تريد أن تنتقدهم الآن! يقول نعم من أراد أن يخسر كل شئ في الدنيا والآخرة.

 

التقليل من شأن الآخرين ونقدهم هو أول وأهم درجة لكسب عداوتهم، الناس لا يحبون النقد، ولا يريدونه، حتى وان ادعوا غير ذلك، بل يحبون المديح، وان كانوا لا يستحقونه، هذا يفتح الباب للكبر، لعدم الالتزام في منظومة أدب رفيع يحترم المجتمع، يحترم أدمية الناس في عدم التملق عند حاجتهم، لذا فقد نهى النبي عن محاولة اشباع تلك الحاجة، فالعظمة لله، رسم الحدود للنفس البشرية كيلا تطغى واحدة على الآخرين بمنصب أو مال أو سلطة فالعظمة لله وحده، وكلنا عبيد، تعاملك بهذا المنطق يردع تلك النفس المتجبرة بين جبناتك، أنت تشبعها بالعظمة على حساب الناس فتذهب بك هى إلى النار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار، وروي بألفاظ مختلفة منها ( عذبته ) و ( وقصمته )، و ( ألقيته في جهنم )، و ( أدخلته جهنم )، و ( ألقيته في النار  .(وكان هذا أول ذنب، قام به إبليس فاستحق غضب الله عليه ولعنة الناس إلى يوم الدين عندما تكبر على أن يسجد سجود إجلال لأدم، لا تكن كإبليس فالذنب عظيم، ولا تنازع الله في العظمة على عباده فأنت عبد! احترم الآخرين، تواضع لهم، لا تطلب من أحد أن المديح، فانت تريد الأجر من الله، هل هذا صعب على نفسك! أظن أنه كذلك، درب نفسك اذن واجعل كل الأعمال في سبيل الله ما عنده لك أفضل من الدنيا وما فيها، هذا ان استطعت الحصول عليها! اجعل اخلاصك لله وحده، واطلب منه الأجر وحده فان للمخلصين تحصينا خاصا عند الله من الشرور،( إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ([1]))،(إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ([2])).

 

ثاني الأمور بعد احترام الآخرين وعدم توجيه النقد لهم هو ألا تتملقهم يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: أحثوا التراب في وجه المداحين! ادخل في حدودك فلا تهن النفس التي أكرمها الله، أنت أجل وأكرم من أن تريق ماء وجهك من أجل مال أو وظيفة، أو غرض أخر من أغراض الدنيا، تألق وابتعد عن الهبوط، ارتق بنفسك بعيدا عن التملق، هل هذا يجعل الآخرين يحبوك؟ بالطبع نعم! ليس هذا غريبا، فللإسلام منطق، الإسلام يريد مسلمين أقوياء وليسوا ضعفاء، وعندما يأمرك أن تتقرب إلى الناس لتحصل على حبهم، يريدك أيضا قويا، ذو شخصية محترمة ولها اعتبارها، فحب الضعيف مهانة له، إنهم يحبونه لكنهم لا يحترموه، أما المؤمن القوي فهو محبوب، ومحترم أيضا. المداح غير صادق، حتى وان كان محبوبا، غير محترم، حتى وان كان ثريا، الإسلام يريد مجتمعا قويا، يريد من المسلمين احترام حدودهم فلكل منا حدود، فلا يتعدى أحدا حدوده، ولا حدود غيره أيضا، ولله حدود فلا يتعداها أحد، التملق يضعف حدود صاحبه، يضعف حدوده في الاحترام فلا يملأ فراغه، وحب المديح والعظمة من الطرف أخر يجعله يتمدد خارج حدوده فيحصل على حصة من حدود الآخرين، وربما من حدود الله أيضا فالعظمة لله وحده ولا يمكن الانتساب لها من طرف مخلوق.

لم ير الرسول يتملق أحد قط، لا قبل الرسالة ولا بعدها، ومع هذا كانوا يحترمونه، ويجلونه، ويسمونه الصادق الأمين، كانوا يحفظون أموالهم عنده لعلمهم بأمانته، وان عرفوا عنه التملق لم يركنوا إليه، ولم يعتمدوا عليه، فالمال أعز ما يملك الناس في تلك البيئة،  والمتملق ضعيف، منكر، هامشي في الحياة، هش في شخصيته، ضعيف في فكره، كن مثل الرسول، لا تتملق أحد، سيمنحونك الحب، والثقة، والاحترام أيضا.

 

قدر مشاعر الناس وأرائهم، فكل منا نسيج وحده، عالم وحده، وكلنا عوالم تدور في أفلاك متلامسة ومتقاطعة، هل يمكن لك أن تثير كل تلك الأفلاك من حولك وتقطعهم فلا يقطعوك؟ كل فرد في المجتمع يحتاج إلى من يسمع منه، أن يقدر رأيه، أن يقيم له وزنا، أن يحترم فكره، من يفعل ينجح في الحياة أكثر.

 

كان الصحابة يقولون: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نعامل الناس على قدر عقولهم، وهذا احترام لفكر الآخرين ومشاعرهم. تئن الناس في المجتمعات لأنها لا تجد من يسمعها، الإنسان مخلوق اجتماعي لا يستطيع أن يعيش وحيدا، ولا مضغوطا، ولا قليل الاحترام بين الناس.

 

احترامك لمشاعر الآخرين خير لك ولهم، فأنت ترى الحياة من زاوية واحدة فقط، كل منا له زاوية ينظر بها للحياة، فان أنت استمعت للآخرين استطعت أن تطل على الحياة من خلال زواياهم، فتعرف أكثر وتستفيد أكثر، جرب فالنبي أيضا فعل هذا، كان أكثر الناس مشورة لأصحابه رغم أنه موحى إليه، رغم أن الذي علمه هو الله، وما أدراك بمن يعلمه الله سبحانه وتعالى، حاصر الكفار المسلمين في المدينة، واتفقوا مع اليهود داخل المدينة على نقض العهد مع المسلمين، فوقعوا بين فكي الكماشة، وظنوا أنهم هلكوا، الموقف كان عصيبا بالفعل، وصعبا للغاية، أشار سلمان الفارسي على الرسول بحفر الخندق، فحفره ونجا المسلمون، بفضل رأي سلمان! رأي فرد أنقذ الجماعة التي تعودت أن تحترمه، فشعر بالانتماء إليها، قدم لها أفضل ما عنده، الشعور بالحب والانتماء لا يحدث إلا بالاحترام، تعامل مع أراء الناس بجدية ولا تهزأ بهم، أو تسخر منهم، ولا تقلل من شأن أرائهم، الله سبحانه وتعالى قال: فَبِمَـا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ([3])، الآية الكريمة تغرس مواضع العلاقة والحب والاحترام، كيف تجلب حب الناس، وكيف تؤكد الحب وتنميه بالمشورة، ثم يكون في ذلك الخير كله بتطبيق الأمر، في الدنيا والحصول على حب الله للدنيا والآخرة معا، إنها أية رائعة، تقول امنح المساحة، والفرصة للآخرين كي يحبوك، كن طيبا معهم، رحيما، عطوفا، سيلتف حولك الناس، أدعو لهم واستغفر لهم ففي هذا وشائج الحب والقربى، و إذا ما التفوا حولك فخذ رأيهم في الأمر، وشاروهم، فالخير في احترام رأيهم، واستقر على الرأي ثم توكل على الله وقم بتنفيذ ما اتخذت قرارك فيه، عندها ستنجح، ويرضى الله عنك ويحبك.

الرسول أخذ برأي الصحابة في الخروج لمعركة أحد، أخذ برأيهم رغم تراجعهم عنه، وانهزموا بسبب عدم طاعة الرماة له والنزول من فوق الجبل، بل أخذ الرسول برأي زوجاته في كثير من الأمور، ولأمنا أم سلمه رضي الله عنها موقف رائع، لما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من أمر كتابة صلح الحديبية قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، لم يكونوا راضين عن الصلح، وخاصة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، مع أنه أمر من الله ووحي منه سبحانه وتعالى، واعتبره الرسول فتحا مبينا، فما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات و لم يقم أحد فكأنهم كانوا مذهولين محزونين لما حدث أو أنهم توقفوا لاحتمال أن يمـون الأمر للندب أو رجاء نزول وحي من السماء يبطل الصلح فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك دخل على أم سلمه محزونا فكأنها فهمت ما دار في أنفس الناس فقالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم: أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك و تدعو حالقك ليحلق لك ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم و لما رأوا ذلك قاموا مسرعين فنحروا و اخذوا بعضهم يحلق لبعض. فهل رأيت حكمة المرأة! لقد خلقها الله سبحانه واستعظمها، لم يستطع يوسف الوقوف في وجه كيد النساء فنادى ربه: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ([4])، وفي الأمثال يقولون: وراء كل عظيم امرأة، احد الفلاسفة اليونان كان يقول أن المرأة إما أن تصنع من الرجل عبقريا، أو مجنونا! خذ برأي الناس، احترم رأيهم وأفكارهم، فان احترامهم أول الخطوات العملية لترسيخ الثقة والحب. ثم يأتي النجاح.

 

روى ابن إسحاق عن ابن عباس: رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أُخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البَخْتَريّ بن هشام فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرهاً. فقال أبو حذيفة بن عتبة: أنقتل آبائنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس, والله لأن لقيته لألحمنه أو لألجمنه بالسيف. فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص أيضرب وجه عمِّ رسول الله بالسيف, فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف فو الله لقد نافق. فكان أبو حذيفة يقول:ما أنا بآمنٍ من تلك الكلمة التي قلت يومئذٍ ولا أزال منها خائفاً. إلا أن تكفرها عني الشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيداً، القصة تقول أن أبا حذيفة بن عتبه لم يقدر رأي رسول الله، ولم يحترم مشاعره، فكان الندم، ولم يغفرها له كما ظن إلا الشهادة فاستشهد!

 

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ساببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلي الله عليه وسلم: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم. لم يحترم أبا ذر الرجل، فعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم بما فيه من جاهلية، في حديث باق ذكره ليوم الدين! عدم الاحترام من الجاهلية، قرأت في جريدة الحياة حوارا مع أحد المتدينين الذين ذهبوا إلى أمريكا، ذكر الرجل أنه بكى، لم يتخيل هذا الفرق الشاسع في احترام الأخر، احترام رأيه، بل والأخذ به إن اقتنع انه على صواب، في احترام عقله وفكره، في الانفتاح عليه، أظننا كلنا ذلك الرجل! في عالمنا الكثيرون يعتقدون أنهم على صواب، في كل شئ تقريبا، أما الأخر فمخطئون، يردون رأيهم إلى الدين أو العلم أو الفن أو التاريخ، فينكرون الأخر، بشخصه وفكره، ربما يحتقرونهم أيضا، منهم من يكفرون الأخر أيضا! هذه كارثه في حق أمتنا، في حق تاريخنا العظيم فنحن من علم الأمم تلك المبادئ، وطبقناها في حضارة امتدت لأكثر من ألف عام زاهرة رائعة مزدهرة بالفن والفكر وتقبل الأخر ورأيه، حتى أن عائلة اشتهرت في دمشق بالترجمة من لغات أخرى إلى العربية، كانت تلك العائلة غير مسلمة، وكان خلفاء المسلمين يكافئونهم بكل كتاب وزنه ذهبا! وابن ميمون عبقرى اليهود عذبه النصارى فى الأندلس، فاستقبله صلاح الدين الأيوبي وجعله وزيرا له، هؤلاء من اختلفوا معنا في الدين، انظر كيف كنا معهم، ما بالك بالمسلمين إذن بينهم وبين بعضهم البعض! يقول الله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...([5]))، احترم الأخر ترسخ المحبة والاحترام بينكما، فكره وشخصيته حتى وان لم يوافقك الرأي.

 

كثيرا ما ننسى هذا المبدأ عند حوارنا مع الأخر، ثقافة المجتمع لا تساعدنا كثيرا، وقد تقرأ الأن وتستمتع بما قرأت ثم تنساه، والإنسان سريع النسيان، والمجتمع لا يساعدك على تطوير مهاراتك، لذا عليك أن تتدرب على ممارسة مبادئ الحوار واحترام الآخرين، فكرهم وشخصيتهم، تذكر دائما أن لك حدودا فلا تجعل أحدا يدخلها، وبلطف افعل هذا، وللآخرين حدود فلا تدخلها فتنال غضبهم، وهنا القاعدة الهامة في التعامل مع الناس: ترى لو كان الرسول مكاني ماذا كان يفعل! تخيل ماذا كان يمكن أن يفعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وافعل مثله! فهنا مصدر النجاح، لا تترك تلك القاعدة، وستلاحظ الفرق مع الوقت، الفرق سيكون في النتائج، فقد صبر النبي على الأذى حتى خرج من مكة، وصبر على الحرب حتى فتح مكة! ما أطول الصبر، وما أجمل نتائجه، فلا تتعجلها.

 

تذكر أننا لا نعرف من سير الأنبياء من قبل إلا القليل، لم نعرف من سيرة النبي موسى عليه السلام، وعيسى أيضا إلا بعض ما وصلنا من التوراة والإنجيل والقران، وهو قليل، لا تستطيع من خلاله تكوين صورة عامة ومفصلة عنهما للاقتداء بهما، لا يمكنك إلا التعرف من خلالها إلا على ملامح عامة للشخصية، وبعضا من مبادئه، أما الرسول الكريم فهو الوحيد الذي وصلنا بتفصيلاته كاملة، هى فرصة رائعة للغاية، ونادرة أيضا، ومثالية كذلك، اغتنمها وتعلم من حياته ومن أفكاره فالحياة لم تلق لنا بالكثير من تلك الفرص. اسأل نفسك لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم مكاني ترى ماذا فعل! تخيل من سيرته وافعل مثله، فقد مر الرسول بكل المواقف و متناقضاتها، ومنه يمكنك التعرف على أفضل الأساليب.

 

قال الطبيب النفسي ألفريد أولد: إن الشخص الذي لا يهتم باصدقائه هو من يملك أكبر رصيد من الصعوبات في الحياة، ويلحق أكبر الأذى بالآخرين، إنه فاشل بشكل كبير للغاية،  وتذكرت ما قاله أبو سفيان عن الرسول من توقعه له بأنه سيملك الأرض، فإنه لم يرى أحدا يحب أحد مثل حب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم له، لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فاحترمهم، شاورهم واخذ برأيهم، احترم شخصياتهم، فلم يعرف عنه أنه أهان أحدا حتى أعدائه، فجني رصيدا من الحب والنجاح لا يقارن بأي إنسان عاش على الأرض، هذه عبقرية نادرة، لقد كان يسأل عمن يغيب، يساعد من يحتاج، يصلى على من مات، يستغفر لمن أذنب، حتى أنه أراد أن يستغفر للمنافقين! فقال الله له: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ([6]) فأي رجل هذا وأي رحمة امتلكها في قلبه للناس، ومن أعجب الأحاديث التي وقفت عندها تبين حب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته هو حديثه عن يوم القيامة وأهواله، يوم تتقطع فيه الأرحام، ويغضب فيه الرب، وترى الناس سكارى من شدة العذاب، حتى الأنبياء كل منهم يقول نفسي نفسي، الموقف يومئذ رهيب وعصيب، وأجد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يبكي، يرفع يديه ويقول: اللهم أمتي أمتي، فيقول الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم، فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك. فأي رحمة تلك! وأي حب للناس هذا، الناس يشعرون بمن يحبهم، بمن يحترمهم، كلما اقتربت منهم كلما أحبوك أكثر، أقر له الله سبحانه وتعالى وشهد له بهذا، فقال: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ([7])

 

هناك استراتيجيات متعارف عليها بين المتخصصين، تقول أن لكل منا حاجة، لا يمكن لأحد أن يشبع حاجاته دون الآخرين، دون أن يساعدهم كما ساعدوه، لا يمكنك أن تمنح الاحترام للأخر ثم تقبل ألا يحترمك هو، كل منا يحتاج للأخر إذن، لا يمكنك الحصول على حاجاتك دون أن تعطي شيئا، سلسلة هي الحياة يشد بعضها بعضا، يحتاج كل حلقة فيها للحلقة الأخرى، لم يستطع أحد ربط تلك السلسلة إلا بحلقات المنفعة، أو إشباع حاجات النفس والطرف الأخر، أما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان له استراتيجية أخرى مختلفة، أنت تعتقد انك إن نجحت فإنما تنجح بفضل مجهودك وذكائك، بفضل تميزك عن الآخرين، لذا فأنت تمنع الآخرين مما حصلت عليه أنت، هذا يجعلك تتوقف عن منح الآخرين سر نجاحك، أو العناصر التي تساعدهم على النجاح مثلما نجحت، فإنهم إن نجحوا مثلك نافسوك، الرسول علمنا طريقة أخرى مختلفة، علمنا أن نجاحنا من نجاح الآخرين، ونجاح الآخرين من نجاحنا، حتى وإن كنت تعتقد أنك قد تعطي أحيانا ولا تأخذ، قد تمنح فتُمنع، علمنا أن الأجر قد يكون لا حقا، ربما في الدنيا، وربما في الآخرة، أعطى ما تقدر عليه وسيصيبك من الخير مثلما فعلت، وربما أكثر، فالدال على الخير له مثل أجر فاعله، أفعل الخير وسيصلك الأجر، ستصيب النجاح مثلما دللت أنت عليه، لا تقلق فإن هذا قانون في الطبيعة دلنا الرسول عليه، لا تمنع علما، فمن منع علما ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة، هل تعبت ودفعت من أجل ذلك العلم؟ هل تخشى من تسريب أسرار عملك؟ فتضيع فرصك في الحياة! أنت لا تعرف، الله أعلم منك، والرسول أيضا، تأكد أنك كلما أعطيت أعطاك الله. وكلنا في سلسلة واحدة نعيش إن وقفت عندك فلن تعود إليك، كن حلقة فاعلة في الدائرة، وتفاعل مع من حولك، امنحهم المال والعلم والحب الذي تستطيع، سيدور ما أعطيت ويعود إليك، بأكثر مما فعلت سوف يعود، و لك أجر كل شخص مر عليه علمك وانتفع به أو مالك فاستفاد منه، أو نصيحتك فعمل بها، لا تتوقف عن العطاء ففيها سر النجاح، وفي الحب بينك وبين المجتمع سر النهضة والحضارة.

 

الرسول يقول من يزني يزنى ولو بجدار بيته؟ إنه قانون صحيح، لا تؤذى الناس، إنك ان فعلت أتاك الأذي، سلسلة، كل منا حلقة فيه يعود عليك منها مثلما يخرج منك إليها، إن أنت مررت الخير دار فيها وعاد إليك بأكثر مما فعلت،كرة الثلج تدور فتكبر، هكذا الخير والشر في المجتمع أيضا، افعل خيرا سيعود إليك، او افعل شرا وسيرتد أيضا نحوك! تعود أن تحترم رأي الناس،لا تنتقدهم ولا تؤذيهم،احترم ممتلكاتهم وحقهم في الحياة، احترم شخصياتهم، أحبهم من القلب، تفوز بحبهم، وبالكثير معه أيضا.

 

إذا كنت تحب الناس بإخلاص فسوف يبادلوك الحب، افشي السلام والقه على من عرفت ومن لم تعرف، هذا سيزيد الحب، هكذا أخبرنا النبي، تقرب من الناس واسمعهم، انصحهم بإخلاص، لا تتملقهم ولا تكذب عليهم، كن رؤوفا بهم، رحيما عليهم، فهم أخوانك وأخوتك، ورب أخوة في الدين كانت أفضل من أخوة النسب ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، هل قرأت هذا الحديث؟ هل توقفت عنده وتفكرت فيه! الرسول يقول أن شرط الإيمان أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، فهل تفعل هذا! هل تمنيت لجارك أن يركب سيارة مثل سيارتك؟ أن يملك رصيد مثلما تملك! أن يكون لديه وظيفة مميزة مثلك أو مزرعة أو منزلا؟!  من السبعة الذين سيظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، اثنان تعارف في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه!  لا تجعل المصلحة هي ما تحركك في اتجاه الطرف الأخر، فهناك رابطة أفضل وأعمق، هي الأخوة، أخوة حقيقية جرب أن تفعّلها في حياتك وستجني الكثير من ورائها، فانه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، جرب هذا، أن تمنح الآخرين علما ومالا وحبا وانتظر المقابل من الله، ستشعر بالسعادة من داخلك، من القلب، لا يؤمن من بات شبعانا وجاره جوعان! امنح وانتظر المقابل من الله، سيكون هذا المقابل كبيرا، أكبر مما تظن، في الدنيا والآخرة. ثم لا تنتقدهم أو تمن عليهم فيضيع كل ما صنعت، الناس لا يحبون النقد، وان ادعوا عكس هذا، فقط انصح برفق ولين، نصح الأخ لأخيه وأدعو له فإن أسرع الدعاء استجابة عند الله هو دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب.

 

فكرت أن أجعل لكل فكرة في السطور الأخيرة جزء في الكتاب، فاكتب فيه بتفصيل أكبر بدلا من أن تكون مجرد إشارة في سطر، احكي فيه بعضا من القصص، لكنني لم أرغب في الإطالة، الناس تمل بسرعة، لا أحد لديه الوقت ليقرأ كثيرا، فالزمن متسارع، والمسئوليات كثيرة، لذا تمنيت فقط أن تتأمل ما كتبت في الفقرتين الأخيرتين، ولا تقرأ بالعين فتنساه، قف عند ما قلت وتذكر: هل في حياة النبي مواقف تؤيد ما قلته في الفقرات الأخيرة؟ هل يمكنك أن تفعل مثلما فعل النبي في حياتك؟ عد فاقرأ السطور وأجب السؤالين.

 

 

-----------------------------------

[1] الحجر 40

[2] الصافات 74

[3] أل عمران 159

[4] يوسف 33

[5] الفتح 29

[6] التوبة 80

<
المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day