قبل الحديث عن أخلاقه صلوات الله وسلامه عليه ، ينبغي - بادىء ذي بدء - التعريف بهذه الشخصية الفريدة الفذَّة . من هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ؟ هو "محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصَيّ، بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي ، بن غالب بن فِهر بن مالك بن النَّضر بن كنانة بن خُزيمة بن مُدرِكة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن مَعَدَ بن عدنان...هو رجل "من قبيلة و بيت وأبوين أصلح ما يكونون لإنجاب نبي "[1] ، "فأسرته هي الأسرة الهاشمية نسبة إلى جده الأكبر هاشم بن عبد مناف الذي تولى سقاية ورفادة الحجيج من بني عبد مناف؛ و لقد كان هاشم كريما وقوراً موسرا ًذا شرف كبير ، وهو أول من أطعم الثريد للحجاج بمكة ،وكان اسمه عمرو ؛ فما سُمِّي هاشماً إلا لهشمه الخبز ،ولعل من بعض نوادره ، أنه في إحدى مواسم الحج أسند ظهره إلى الكعبة وألقى في قريش خطبته التي جاء فيها :(معشر قريش إنكم سادة العرب وأعظمها أحلاماً وأشرفها أنساباً، معشر قريش إنكم جيران بيت الله ، أكرمكم بولايته وخصَّكم بجواره ، فأكرِموا ضيفه وزوار بيته ، فورب هذا البيت لو كان لي مال يحتمل ذلك لكفيتكم إياه ، وأنا مُخرج من طيب مالي وحلاله ما لم يُقطع فيه رحم ، ولم يؤخذ بظلم ولم يدخل فيه حرام ، فمن شاء منكم أن يفعل ذلك فعل )؛ فكانت قريش تجتهد في إكرام الضيوف وتُخرج من أموالها جزءاً ، فتضعه في دار الندوة ... وكان هاشم هو أول من سن الرحلتين لقريش : رحلتي الشتاء والصيف. ولقد تزوج هاشم من سلمى بنت عمرو أحد بني عدي بن النجار، قدم المدينة ، وأقام عندها، فحملت بعبد المطلب بن عبد مناف ، جد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان عبد المطلب شريفا ًمطاعاً ذا فضل في قومه ،وكانت قريش تسميه الفيَّاض لسخائه ، وأبوه-صلى الله عليه وسلم - عبد الله كان أحسن أولاد عبد المطلب وأعفهم وأحبهم إليه ، وهو الذبيح الذي افتداه أبوه بمائة من الإبل . أما أمه –صلى الله عليه وسلم- فهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ، وهي يومئذ تعد أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا ، وأبوها سيد بني زهرة نسبا ًوشرفاً "[2]،[3] أما هو-صلى الله عليه وسلم - " فرجل لا يشاركه رجل آخر في صفاته ومقدماته ولا يدانيه رجل آخر في مناقبه الفضلى التي هيأته لتلك الرسالة الروحية المأمولة في المدينة ، وفي الجزيرة العربية ، وفي العالم بأسره ...نبيل عريق النسب وليس بالوضيع الخامل ،فيصغر قدْره في أمَّة الأنساب و الأحساب، فقير وليس بالغني المترف فيُطغيه بأس النبلاء والأغنياء ويغلق قلبه ما يغلق القلوب من جشع القوة واليسار، يتيم بين رحماء فليس هو بالمُدلََل الذي يقتل فيه التدليل ملكة الجد والإرادة والاستقلال ،وليس هو بالمهجور المنبوذ الذي تقتل فيه القسوة روح الأمل وعزة النفس وسليقة الطموح وفضيلة العطف على الآخرين ، خبير بكل ما يختبره العرب من ضروب العيش في البادية والحاضرة ، تربى في الصحراء وألف المدينة ورعى القطعان واشتغل بالتجارة وشهد الحروب والأحلاف واقترب من السُّراة[4] ولم يبتعد عن الفقراء...فهو خلاصة الكفاية العربية في خير ما تكون عليه الكفاية العربية وهو على صلة بالدنيا التي أحاطت بقومه،فلا هو يجهلها فيغفل عنها ، ولا هو يغامسها كل المغامسة فيغرق في لُجَّتها ...فكان أصلح رجل من أصلح بيت في أصلح زمان لرسالة النجاة المرقوبة ، على غير علم من الدنيا التي ترقبها "[5] ذلك محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام" أنموذج الإنسان الكامل ، صاحب الرسالة التي تعد مثالاً رفيعاً في الخير والجمال والحق للدنيا جميعا ؛ منذ بزوغ فجر هذه الرسالة وأمره صلى الله عليه وسلم وأمرها متصل بكل أحداث الدنيا وتقلباتها في الشرق والغرب . لقد كانت البشرية قبل أن ُيبعث صلى الله عليه وسلم تمضي في طريق قد طال والتوى وأغلس ، فما أن أرسله الحق بالحق حتى اعتدل هذا الطريق و استوى وأضاء ؛ وارتقت البشرية به وبدعوته مرتبة أخرى إلى الإنسانية . ومن ذلك اليوم إلى اليوم ، وإلى الغد البعيد ستظل الإنسانية كلما التوى بها الطريق أو دجى ،أو أصابتها الحيرة تلتمس في تاريخه وهديه ورسالته النور والخير والحق ، كما تلتمس الأمم والشعوب تجارب أمة تكونت في ربع قرن وسيطرت على الدنيا في أقل من قرن! بل ويلتمس الزعماء تجارب القائد الذي ساس القبائل فصرف عنها وحشية الجاهلية، وأمدها بالإيمان والعدل،كما يلتمس طلاب الرجولة و العزة و تكامل الشخصية الإنسانية كل صفات الحب و الوفاء و الصدق و القوة في شمائله و تصرفاته صلى الله عليه وسلم. هذه الحياة القصيرة في عدد سنيها. و التي لم تتجاوز منذ البعث أربعا وعشرين عاماً من أعوام الناس، قد غيرت وجه العالم تغييراً لا يزال له جدته، تزيده القرون المتوالية قوة وامتدادا وتزداد به الدنيا اقتناعا وإيمانا. نعم، لقد غيرت حياة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته مقاييس الحياة، وعدَّلت اتجاه التاريخ، وأمدت البشرية بفيضها الإنساني الضخم الذي ما يزال يدفعها إلى اليوم، والى الأجيال الطويلة المدى من بَعد، نحو الحق و الخير"[6] فهو النبي الوحيد الذي استطاع بفضل الله تعالى" في سنوات قليلة ليس لها نظائر في أعمار البشر ولا أشباه في تواريخ الأمم – أن يربي الأمَّة التي تستحق أن تحمل القرآن العظيم للعالمين ، ألم يلبث نوح عليه السلام تسعة قرون ونصف القرن ليصلح قومه دون جدوى؟!! ألم يخلُف موسى عليه السلام في قومه نحو ثلاثمائة نبي ظلوا كذلك ألف عام ليُصلحوا بني إسرائيل ، فلما تعذَّر إصلاحهم تحولت رسالات السماء عنهم إلى الأبد؟! ثم ألم يستطع محمد صلى الله عليه وسلم بعناية ربه أن يغير الجزيرة العربية تغييراً َحاسماً ، ثم خلال ربع قرن أو أقل تبدلت الأرض غير الأرض، فإذا الأرض التي غبرت دهرا ًعطشى إلى أثارَةٍ من عِلم تفيض حضارة موَّارةً بالحياة والعطاء والعدل والرحمة ، وإذا أبناء البوادي يعلِّمون أبناء روما وأثينا والمدائن حقوق الإنسان ومعالم الحضارة وضوابط المعرفة ؟!!!"[7] لقد امتاز محمد عليه السلام –كما قال البروفيسور الأمريكي ليك- بوضوح كلامه ويسر دينه و قد أتم في الأعمال ما يُدهش العقول و لم يعهد التاريخ مُصلحا أيقظ النفوس، و أحيا الأخلاق و رفع شأن الفضيلة في زمن قصير كما فعل نبي الإسلام محمد[8] -------------------------------------------------------------------------------- عباس محمود العقاد . مجموعة العبقريات الإسلامية .- بيروت : المكتبة العصرية ،2004 ، ص20- 21[1] محمد مهدي عامر . قصة كبيرة في تاريخ السيرة ، ص18.[2] صفي الدين المباركفوري . الرحيق المختوم : بحث في السيرة النبوية ص 64-68[3] عِلية القوم وسادتهم [4] عباس محمود العقاد . مجموعة العبقريات الإسلامية ، نفس المصدر السابق .[5] أنور الجندي .أقباس من السيرة العطرة ، ص8-9، بتصرف يسير . [6] محمد الغزالي . عِلل وأدوية ، ج2 ، ص3-4. [7] محمد فهمي عبد ا لوهاب. محمد رسول الإسلام في نظر فلاسفة الغرب مشاهير علمائه وكتابه .-ص45.[8]