الإسلام في البرازيل.. عبء الماضي وتحديات المستقبل تعتبر البرازيل من أكثر القوى الصاعدة في العالم استعدادا للتقارب مع العالم الإسلامي. فقد نَعِم هذا البلد بموقع جغرافي منعزل نسبيا قدم له مزية الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع الدول الإسلامية، كما أنها ترفض الصورة النمطية السلبية عن المسلمين، وتقدم لهم بيئة متسامحة من التعايش والاندماج والمشاركة الفاعلة، بل إن بعضًا من معالم قوة البرازيل الناعمة تعبر عن عمق تأثرها بالإسلام والحضارة الإسلامية. يعيش في البرازيل اليوم نحو مليون ونصف المليون مسلم، وهو حجم صغير لا يصل إلى نسبة 1 % من الوزن الديموغرافي لسكان البرازيل البالغ عددهم نحو 200 مليون نسمة، لكن مكانة ودور المسلمين في البرازيل تتجاوز هذا الحجم عند المستويين التاريخي والمستقبلي. والمعالجة التي بين أيدينا تسعى إلى تقديم قراءة في أهم المصادر التي اعتنت بدراسة المسلمين في البرازيل، من حيث تاريخ وصولهم إلى هذه الدولة القارة، ووزنهم الديموغرافي، وسماتهم الاجتماعية، وتنظيمهم المؤسسي، فضلا عن التحديات التي ستقابلهم في المستقبل. الجذور والتكوين يمكن تتبع علاقة البرازيل بالإسلام ضمن ثلاث مراحل. تبدأ المرحلة الأولى في نهاية القرن الخامس عشر مع حركة الكشوف الجغرافية لنصف الكرة الغربي، الذي من المحتمل أنه شهد دورا فاعلا لعدد من البحارة والمكتشفين المسلمين.وهناك من الأدلة ما يشير إلى وصول الإسلام مع السنوات الأولى لكشف الأميركتين أو حتى قبل وصول الأوربيين لها، خاصة مع ما يذهب إليه بعض الباحثين من أن البحرية العثمانية تمكنت من الوصول إلى الأميركتين قبل البرتغاليين والإسبان. "مستقبل الإسلام في البرازيل رهين باتحاد مسلمي البرازيل وتنسيق جهودهم؛ فضعف التنسيق بين المؤسسات الإسلامية، وعدم التخطيط، وتولي رئاسة بعض هذه الجمعيات شخصيات غير مؤهلة شرعيا أو إداريا يُعد أكبر عائق نحو انتشار هذا الدين وقوة تأثيره" وفي هذا الصدد، يشير بعض الباحثين إلى الدقة الكبيرة التي توفرت لدى الكشوف البحرية الإسلامية في عهد الدولة العثمانية والمتجلية في خرائط "الريس بيري" التي تعود إلى نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، ويبدو عليها النصف الشرقي لما يُعرَف اليوم بالبرازيل على درجة عالية من الدقة في التمثيل الكارتوغرافي (الخرائطي). لكن هذه الفترة لا تحمل أي سجل لحضور إسلامي "على الأرض" من حيث السيطرة أو ضم ممالك وأقاليم، وإنما تسجل وجودا رمزيا يتمثل في عدد من البحارة والمكتشفين. ومن بين الوثائق الحديثة التي بدأ الكشف عنها في الولايات المتحدة دور الرحالة والمترجم الذي عرفه التاريخ باسم "ستيفان" من المسلمين الأفارقة الذين عاشوا في أزمور بالمغرب وخطفتهم الحملات الإسبانية كعبيد للعمل معها في استكشاف أميركا الشمالية في عام 1527، وكان ستيفان أول من وطأت قدماه المدن الأسطورية السبع فيما يعرف اليوم بنيو ميكسيكو ونيفادا، قبل أن تعدمه قبائل الهنود الحمر في عام 1537. وبينما ليس لدينا في هذه المرحلة أدلة "دامغة" على علاقات المسلمين بالبرازيل قبل الكشوف الجغرافية الأوربية، تتجلى المرحلة الثانية من تاريخ معرفة البرازيل بالإسلام مع احتراف الاستعمار البرتغالي لتجارة الرقيق؛ فقد جلب البرتغاليون رقيقا من إفريقيا للعمل في الأنشطة الزراعية والتعدينية بالبرازيل. وتمتد هذه المرحلة من منتصف القرن السابع عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر. في تلك المرحلة كانت البرازيل بلد تجارة الرق بامتياز؛ حيث استقبلت أكثر من 40 % من العبيد الذين تم نقلهم من أفريقيا إلى العالم الجديد، والذين بلغ عددهم نحو 20 مليون إفريقي. ومنذ منتصف القرن السادس عشر وحتى أغلب فترات القرن السابع عشر كانت الأعداد المتزايدة من الأفارقة توجَّه لتلبية التوسع الكبير في مزارع قصب السكر في شمال شرق البلاد خاصة في منطقتي باهيا وبيرنامبوكو. ومع اكتشاف الذهب في نهايات القرن السابع عشر في جنوب ووسط البلاد توجهت موجات التهجير الإفريقي إلى مناطق مثل ميناس جيرايس وماتو غروسو وغواياس. وفي نهاية القرن الثامن عشر تدهورت اكتشافات الذهب والماس واستعادت المناطق الساحلية استقطابها للعبيد في مزارع قصب السكر. وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر ومع تنويع المحاصيل الزراعية وخاصة زراعة البن انتعشت عمليات التهجير إلى المناطق الشرقية من جديد. كان أغلب الأفارقة الذين جُلِبوا إلى البرازيل من الذكور ( 68 %) والنسبة الباقية كانت للفتيات والشابات اللائي تم استعبادهن ليصبحن جواري وزوجات للرجال البيض الأوربيين؛ ومن ثم فإن العرق الإفريقي لم يترك آثاره الثقافية فقط في حياة المجتمع البرازيلي بل وترك أيضا "بصماته الجينية". وتتفاوت التقديرات في تقدير حجم المسلمين بين العبيد الأفارقة؛ فأقل التقديرات تجعلهم دون 10 %، وأكثر التقديرات تصل بهم إلى 30 % من إجمالي الرقيق الذين جلبوا إلى أرض البرازيل. كان نحو 73 % من الرقيق الأفارقة قد تم جلبهم من غرب ووسط أفريقيا وبصفة خاصة من الكونغو وأنغولا. وفي هذه المناطق كانت نسبة المسلمين جد قليلة. وكانت النسبة البارزة للمسلمين من غرب إفريقيا خاصة من تلك القبائل العريقة التي اعتنقت الإسلام مثل اليوروبا والإيو والفون والأكان، فضلا عن الهوسا والفولبي والنوبي. وإضافة إلى التعطش الاستعماري لأيد عاملة لتعمير نصف الكرة الغربي، كانت هناك أسباب دينية دفعت الكنيسة إلى الثأر من المسلمين الذين استعمروا إسبانيا والبرتغال ثمانية قرون. وفيما وراء الستار كان هناك وسطاء عرب ومسلمون وأفارقة من كبار رجال القبائل والأمراء وحتى الملوك ممن أسهموا في بيع أبناء جلدتهم مقابل سلع وبضائع وأموال وفيرة. وكان من بين المسلمين المستعبدين من جاء من طوائف ومراتب اجتماعية مرموقة، ومن بينهم أمراء وجنود ومعلمون وعلماء، تم أسرهم و ترحيلهم كعبيد إلى بلاد مسيحية غريبة. وقد كتب عدد من الرحالة الذين زاروا البرازيل زمن العبودية أن كثيرا من الرقيق الأفارقة وخاصة المسلمين كانوا أكثر ذكاء وثقافة من أسيادهم البيض الكاثوليك. وذهبت بعض الدراسات ذات المزاج الاستشراقي إلى أن الأسباب التي وقفت وراء تجارة الرقيق تعود إلى خبرة البرتغاليين مع المسلمين الموريسكيين، ومن بينها الدوافع الجنسية التي وجدت في المرأة الموريسكية ذات البشرة البنية نموذجا للأنوثة والإثارة، ووجدت في الرجل الإفريقي المسلم الجلد والقوة، وطول القامة، والقدرة على تحمل العمل الشاق. واحتفظ المسلمون الأفارقة بعنصرين أساسيين في العالم الجديد: المساواة التي نادى بها الإسلام، وجهاد المقاومة رغبة في التحرر من نير العبودية. وقد دفع هذا بالمسلمين الأفارقة في العالم الجديد إلى الانتفاض عدة مرات في مركز الرق في منطقة باهيا ومدينتها الكبيرة سلفادرو عام 1835. "ثمة عدم اهتمام بنشر الدعوة الإسلامية بشكل جاد بين سكان البرازيل؛ مما أعطى إيحاء بأن الإسلام "دين عرقي" أو "دين للعرب فقط"، بينما هو دين عالمي لكل البشر" كانت المقاومة في باهيا وغيرها من مناطق أميركا اللاتينة موجهة ضد الأوضاع الاستبدادية والقمعية فضلا عن محاولات تحويل المسلمين قسرا إلى المسيحية، وكانت دوافع الرفض واضحة: كيف يمكن اعتناق دين أصحابه استعبدوا غيرهم، وطبقوا العنصرية في مقابل التخلي عن دين يعلم المساواة والحرية. كان المسلمون في باهيا وبقية مناطق البرازيل يقاومون الرق والعبودية من خلال تطوير مفهوم جديد للجهاد اعتبروا فيه الكتابة بالعربية، والحفاظ على الصلاة والصوم، وارتداء الأزياء العربية-الإفريقية نوعا جديدا من الجهاد يحافظ عل الهوية من مغبة التنصير والابتلاع. لكن رغم ذلك لم تتطور الجالية الإفريقية المسلمة في البرازيل بشكل طردي مستفيدة من كثافة عددها منذ مطلع القرن التاسع عشر. ولا نجد في البرازيل اليوم حضورا إسلاميا إفريقيا يعبر عن ذلك التاريخ. وتتباين التفسيرات بحثا عن ذلك، وإن كان يقف في طريق الوصول إلى تفسير موثوق أن الحكومة البرازيلية قامت في عام 1891 بإضرام النيران في الأرشيف الخاص بتجارة العبيد، وهو ما يحُول دون الحصول على إحصاءات وحقائق على درجة عالية من الثقة. لكن مع ذلك يمكن تلمس سببين رئيسيين: الأول ديموغرافي سياسي، والثاني ثقافي. التفسير الديموغرافي السياسي يرى أن تزعم المسلمين لسلسلة من حركات الثورة والتمرد كان سببا في تناقص عددهم؛ ففي أعقاب كل حركة من حركات التمرد كانت السلطات تمارس كافة أنواع الاعتقال والإعدام ضد عدد كبير من زعماء الثورة من المسلمين والأفارقة فضلا عن طرد عدد كبير آخر إلى إفريقيا من جديد. ففي مايو/أيار 1807 خطط الأئمة المسلمون للثورة اعتراضا على الظلم بعد أن حولوا بيوتهم إلى مساجد لشحن الثوار وكدسوا فيها السلاح، وكان للثورة ثلاثة أهداف: قتل "السادة" البيض المستعبدين للأفارقة، وتسميم مصادر مياه الشرب العامة، والهروب في السفن عبر ميناء سلفادرو والعودة إلى الأوطان في غرب إفريقيا. لكن حاكم باهيا كان قد دس عملاء من الأفارقة بين الثوار تمكنوا من تسريب المعلومات المطلوبة قبل إشعال الثورة؛ فتم اعتقال قادة الثورة، وصدرت أحكام بالإعدام والجلد والسجن على المسلمين المشاركين في التمرد، ثم طبقت قوانين حظر التجول ليلا في كافة مناطق وجود المسلمين والأفارقة في باهيا. وفي يناير/كانون الثاني 1809 تكرر التمرد وكان ناجحا هذه المرة، وأوقع عشرات القتلى والجرحى من الجنود البيض بعد أن استولى المتمردون على مستودع للسلاح في منطقة ريفية من باهيا. وتتبعت السلطات المتمردين وقتلت وأسرت منهم المئات. ثم تكررت عشرات حوادث التمرد التي انخرط فيها مئات الأفارقة وتزعمهم قادة مسلمون من قبائل اليوروبا والهوسا في أعوام 1814 و1816 و1822 و 1826. ثم اندلعت عدة تمردات على مدى أربعة أعوام متتالية (من 1827 وحتى 1830)، لكن أكثر التمردات شهرة في تاريخ البرازيل ذلك الذي وقع في عام 1835، وعُرف باسم تمرد ماليmale (أي تمرد المسلمين الأفارقة)، واندلع في شهر رمضان، وطال أجزاء واسعة من باهيا، وكانت الآثار التي تركها من فوضى وخوف وتدمير ودماء نقطة التحول التي ستؤدي إلى إلغاء تجارة الرقيق فيما بعد. ومن المفارقات أن إلغاء الرق في البرازيل عام 1888 قطع مصدر التغذية والإمداد من ثقافة وديانة الوطن الأم، بدرجة دعت بعض الدارسين إلى التحدث عن "انقراض تدريجي للإسلام الأسود" منذ نهاية القرن التاسع عشر. على الجانب الآخر يرى التفسير الثقافي أن الإسلام "الأسود" في البرازيل شهد "انقراضا" سهلا؛ لأن المسلمين الأفارقة هم ممن اعتنق الإسلام "سلبا" نتيجة التبشير الإسلامي، أو الإخضاع السياسي متحولين عن ديانات وثنية محلية. فضلا عن ذلك، كان المسلمون في مجتمع الرقيق بالبرازيل يفضلون العيش في مجتمعات منعزلة حتى يتمكنوا من الحفاظ على دينهم، وهو ما سهَّل فيما بعد إقصاءهم أو اعتقالهم أو نفيهم. تعتمد هذه الأطروحة على بعض الأمثلة الفردية؛ فحين حدث تنافس بين الإسلام والمسيحية في مستعمرات قصب السكر في القدرة على التأثير على غير المسلمين من العبيد ربحت المسيحية، نتيجة صرامة التعاليم التي يتطلبها الإسلام من معتنقيه؛ ففي مستعمرات قصب السكر كان العبيد الأفارقة يعانون الكثير، وكانت دياناتهم الوثنية لا تمنع شرب الكحول للهروب من تلك الضغوط، وقد اخترع الرقيق مشروبا كحوليا في تلك المستعمرات (عرف باسم "كاتشاتسا cachaça ") حرَّمه الإسلام وتساهلت معه الكاثوليكية. وفي بعض المراجعات التاريخية يبدو الأفارقة وكأنهم قد وجدوا نوعا من حلول الوسط بين الدياناتين؛ فقد أظهروا اقتناعا بالكاثوليكية التي لم تطلب منهم سوى حفظ وترديد بعض العبارات، ولم تطلب أية تكاليف في ظروف العبودية الشاقة (لا صلاة ولا صوما ولا تحريما للخمر)، بينما مالوا إلى الإسلام في أبعاده الثورية الجهادية حين كانوا يشاركون في التمردات التي اشتعلت رفضا للظلم والعنصرية. ويبدو أن السبب الأول (الديموغرافي السياسي) قد مهّد للثاني (الثقافي)؛ فبعد "إبادة" الزعماء والبارزين في أعقاب سلسلة التمردات والثورات أصبح المسلمون الأفارقة بلا قادة من المتعلمين والحافظين للقرآن والسيرة أو إتقان العربية، ففقدوا بوصلتهم، وتعرضوا بسهولة لخطرين متوازيين: جهود التنصير الكاثوليكية التي لم يفتر حماسها، والاندماج مع إخوانهم الأفارقة الذين كانوا يمارسون طقوس العبادات الوثنية. ويبدو أن في ذلك مفارقة جغرافية؛ ففي ذات الفترة الزمنية التي نجح فيها الإسلام في الوطن الأم في غرب إفريقيا في التغلب على الوثنية ومقاومة التنصير صارت الغلبة في البرازيل للوثنية الإفريقية وعمليات التنصير الكاثوليكية. "عرف عن الشعب البرازيلي سماحته وانفتاحه على كافة الأديان، ونظام الدولة يسمح بالدعوة والتبشير لكافة الملل، ويكفل لها الحق القانوني في الدفاع عن نفسها قضائيا إذا ما لقيت إساءة " تنتهي المرحلة الثانية من قصة الإسلام في البرازيل مع عام 1888 حين تم إلغاء الرق رسميا. وبينما كان المدد الإفريقي يجف، كان مدد آخر من العرب المهاجرين -طواعية هذه المرة- يرفد البرازيل بأعداد من المسلمين. بدأت هذه الأعداد متواضعة في نهاية القرن التاسع لكنها أخذت في الازدياد في القرن العشرين لأسباب اقتصادية وسياسية في بلاد المشرق العربي لتبدأ معهم المرحلة الثالثة المعاصرة من تاريخ الإسلام في البرازيل، والتي تبدأ من نهاية القرن التاسع عشر وتستمر إلى اليوم، والتي يتلمس معالمها الجزء التالي من هذه الدراسة. التوزيع الجغرافي والديموغرافي مثل أي مجتمع مسلم خارج العالم الإسلامي، تتفاوت التقديرات بشأن أعداد المسلمين ونسبهم لإجمالي السكان؛ فأقل التقديرات تقف بأعداد المسلمين في البرازيل عند حدود 200 ألف نسمة، بينما ترفع تقديرات أخرى الرقم إلى 2 مليون، والمرجَّح أن عددهم مليون ونصف المليون نسمة؛ ومن ثم فإن نسبة المسلمين في البرازيل تتفاوت بين أقل من 0.01 % وأقل من 1 % من إجمالي سكان البرازيل البالغ عددهم نحو 200 مليون نسمة، وهو ما يتفق بشكل عام مع نسبة المسلمين في دول أميركا اللاتينية التي يشكل المسلمون في كثير منها نسبة 1 % من إجمالي السكان. ويتفق التوزيع المذهبي للمسلمين في البرازيل مع نظيره في العالم الإسلامي ككل؛ حيث 90 % من مسلمي البرازيل على المذهب السني، والنسبة الباقية للشيعة. وينتشر المسلمون جغرافيا في أغلب الولايات البرازيلية وخاصة في ولايات بيرنامباكو، وباهيا، وسانتا كاترينا، وماتو غروسو، وغواياس، وريو غراندي دي سول، وميناس جيرايس، وبرازيليا، وساو باولو، وبارانا، وريو دي جانيرو. وتُعتبر منطقة جنوب شرق البرازيل مركزا رئيسيا لتركز المسلمين. كما توجد في المثلث الحدودي بين البرازيل وباراغواي والأرجنتين مجتمعات مسلمة خاصة في المنطقة التي تضم ثلاث مدن، هي: فوز دو إغوازو في البرازيل، وسويداد ديل إيست في باراغواي، وبورتو إغوازو في الأرجنتين. وبين المدينتين الأوليين تجرى حركة يومية بين السكان الذين لا يفصل بينهم سوى جسر بري. ويعتبر الشيعة أكثر الجماعات الدينية حضورا في هذا المثلث الحدودي ويشكلون نحو نصف عدد المسلمين في مدينة فوز دو إغوازو البالغ عددهم نحو 12.000 مسلم. وهناك بعض الاختلافات في التوجه والمنهج على المستوى الجغرافي من إقليم لآخر؛ فالمؤسسات الإسلامية والجالية المسلمة في ساو باولو على سبيل المثال تحافظ على البعد العربي من خلال مطبوعاتها ومواقعها على الإنترنت، في المقابل يمكن تلمس نزوع "برازيلي" لدى الجالية المسلمة في ريو دي جانيرو. كما تعيش المساجد في انفصال عن بعضها، وليس هناك نظام "مركزي" يجمع هذه المساجد تحت إشرافه. ولعل ذلك يعيق ظهور قيادة إسلامية برازيلية تتحدث باسم المسلمين في البرازيل، وتجمع كلمتهم، وتحقق مطالبهم، وتحمي حقوقهم. وفي بعض المدن والبلدات البرازيلية يشكل "المهتدون" الجدد الذين اعتنقوا الإسلام مؤخرا نسبة كبيرة تصل في بعض المناطق إلى 40 أو 50 % من عدد المسلمين في هذه البلدة أو تلك (غالبا ما يكون عدد المسلمين في هذه البلدات ما بين 80- 150 فردا). وتشير التقديرات إلى أن الفرصة سانحة أمام نشر الإسلام في المجتمع البرازيلي خاصة أن كثيرا من المهتدين الجدد انتقلوا عبر أديان ومذاهب عدة قبل أن يصلوا إلى الإسلام مثل الكاثوليكية والبروتستانتية والبوذية أو الكندومبلية (مزيج من ديانات إفريقية-برازيلية للسكان الأصليين). أما المجتمعات الإسلامية الكبرى كمجتمع ساو باولو الذي يضم قرابة 400.000 مسلم فيهتم في الأساس بقضايا المسلمين أكثر من اهتمامه بنشر الإسلام أو اكتساب مهتدين جدد. وهناك أكثر من 100 مؤسسة ومركز وجمعية إسلامية في البرازيل، الكثير منها يتركز في ساو باولو، ويُعنَى جميعها بالبرامج الدعوية، فضلا عن الإشراف على الذبح الشرعي، ومنح "شهادات الذبح الحلال" للشركات العاملة في هذا المجال والتي تصدِّر إنتاجها من الدجاج واللحوم إلى دول العالم الإسلامي والدول الأوربية؛ حيث تعيش جاليات مسلمة تعتمد على هذه الصادرات بشكل أساسي في استهلاكها من اللحوم(*). السمات الاجتماعية والدينية تعتبر دراسة دي أوليفيرا (vitoria peres de oliveira) والتي نُشرت في دورية علم الاجتماع الديني عام 2006 واحدة من أهم الدراسات التي تناولت تفاصيل المجتمع المسلم البرازيلي المعاصر من خلال مراجعتها للدراسات السابقة، وعمل استبيانات ميدانية، ولقاءات حوارية، وزيارات لعديد من المساجد في أهم مناطق تركز المسلمين في الولايات البرازيلية. وخرجت دراستها بالملاحظات والنتائج التالية: أولا: تُعد لغة التواصل الدعوي واحدة من أهم المشكلات التي تواجهها الجالية الإسلامية في البرازيل؛ إذ تعتمد الجالية الإسلامية في البرازيل على أئمة يفدون إليها من دول المشرق العربي والسودان والمغرب وموزمبيق. ويتميز الدعاة والمشايخ الوافدون من موزمبيق بإتقانهم اللغة البرتغالية (بحكم تأثير الاستعمار البرتغالي سابقا) وهو ما يجعل تواصلهم مع الأجيال الحديثة من مسلمي البرازيل أكثر إيجابية من الدعاة الذين لا يتقنون البرتغالية ويحتاجون إلى مترجمين ووسطاء. وعادة ما تتكفل الجالية المسلمة بجمع التبرعات لتوفير نفقات انتقال وإقامة الدعاة والأئمة الوافدين. ولعل اعتماد الدعاة والأئمة الوافدين من العالم العربي على اللغة العربية فقط يقلل من درجة استفادة الأجيال المسلمة البرازيلية التي لا تتقن العربية. والأهم من اللغة العربية الثقافة ومنهج التفكير والخطاب وهي موروثات تبدو مختلفة نوعا ما بين البيئتين شرق الأوسطية والبرازيلية. ولعل هذا ما دفع الجالية المسلمة في ساو باولو لإرسال بعض أبنائها من المسلمين الذين يجيدون لغة وثقافة بلدهم (البرازيل) إلى بعض الدول الإسلامية لإتقان العلوم الشرعية؛ وذلك لتكوين دعاة وأئمة يفهمون "الإسلام البرازيلي" وليس "الإسلام في البرازيل". وبصفة عامة يشعر المسلم البرازيلي بمشكلة عائق اللغة العربية خاصة في الصلاة وقراءة القرآن وحفظ عدد من سوره. كما أن اللغة عائق آخر في الاستماع إلى خطب الجمعة؛ فبعض الأئمة يخطب باللغة العربية ثم يعطي ملخصا في النهاية بالبرتغالية؛ وذلك إذا كان المسجد يخدم جالية إسلامية ذات أصول عربية، أو أن يخطب الإمام بالبرتغالية (وهو ما لا يتمكن منه سوى 20 % من الأئمة) مع إعطاء ملخص بالعربية حين يكون المسجد في منطقة تخدم جالية إسلامية تعرف قليلا من العربية. وهناك مساجد تعتمد طريقة الترجمة الفورية بين اللغتين أثناء الخطبة مستخدمة في ذلك سماعات يضعها المصلون على آذانهم. وللتغلب على مشكلة قلة عدد الأئمة المؤهلين بادرت بعض الجاليات المسلمة في المدن البرازيلية بإرسال بعض أبنائها إلى السعودية للدراسة في الجامعة الإسلامية، لكن أغلبهم عاد دون أن يكمل دراسته نتيجة صعوبة المناهج الدراسية وصرامة المناخ الدراسي، وإن كان نفر قليل منهم قد أكمل المسيرة وفي مقدمتهم بعض شيوخ منطقة سان برناردو دو كامبو في ولاية ساو باولو. قد ترك ذلك آثاره على ضعف ارتباط المسلم البرازيلي بمؤسساته الدينية؛ ففي أغلب مناطق وجود المسلمين في البرازيل كان عدد الذين يتوجهون لأداء صلاة الجمعة لا يزيدون عن 25 – 30 % من إجمالي المسلمين المقيمين في المنطقة التي يخدمها المسجد. ثانيا: بلغ عدد من اعتنق الإسلام في السنوات الأخيرة نحو 10.000 شخص، وهو رقم محدود إذا قورن بمعتنقي المسيحية نتيجة النشاط الإنجيلي في دولة عُدَّت أكبر معاقل الكاثوليكية في العالم. وبحسب الاستبيانات التي أُجريت مع المهتدين الجدد تبين أن مصادر ثقافية عابرة كانت السبب وراء اعتناقهم للإسلام، مثل قراءة مقال في صحيفة، أو مشاهدة فيلم من نوعية "مالكوم إكس"، أو التأثر بموسيقى الراب الإفريقية التي يعزفها بعض المسلمين الأميركيين، أو رغبة في التعمق في الممارسات الصوفية. بعض المهتديات الجديدات اعتنقن الإسلام بعد الزواج بمسلم، وبعض ممن أُجريت معهن مقابلات لاستبيان كيفية اعتناقهن الإسلام ذكرن أن البداية كانت تعاطفا مع المسلمين الذين يلاقون الحصار والحرب من الرأسمالية الغربية. وكان الإنترنت وسيلة للتعرف على الإسلام واعتناقه من بين عدد من الملحدين أو المسيحيين. وفي دولة شاسعة مترامية الأطراف يعد الإنترنت في البرازيل أهم وسيلة للتعرف على الإسلام ونشر تعاليمه، كما كان مصدرا لإشهار بعض البرازيليين إسلامهم. لكن المهتدين الجدد يجلبون أحيانا بعض المشكلات للمسلمين البرازيليين عموما؛ فشريحة منهم من ذوي التوجهات اليسارية وجدت في الإسلام دعوة للثورة والتغيير، وقامت بتشكيل مجموعات ذات توجه "ثوري مقاوم" ضد قوميات أخرى في البلاد، كما قام مهتدون جدد آخرون يتبنون الخط الجهادي السلفي بتدشين موقعا "جهاديا" على الإنترنت يدعو البرازيليين لاعتناق الإسلام "لجهاد الإمبريالية العالمية". ولعل ذلك ما دفع بعض مراكز الأبحاث الأمنية الأميركية إلى اعتبار أن "الإرهاب الإسلامي" الذي يمكن أن يهدد الولايات المتحدة من جبهة أميركا اللاتينية لن يأتي من عرب أميركا اللاتينية الذين يتمتعون بمستويات معيشية مرتفعة، وأوضاع اقتصادية جيدة, بل سيأتي على الأرجح من المعتنقين الجدد للإسلام الذين يشكلون الآن أكبر مصدر لزيادة عدد المسلمين في أميركا اللاتينية. وعلى الرغم من هذه المشكلات التي يمكن أن تنجم عن سلوكيات بعض المهتدين الجدد فإن من بين المزايا التي يقدمها هؤلاء للإسلام في البرازيل إتقانهم للغة البرتغالية والثقافة البرازيلية، ويُعد مسجد ساو برناردو واحدا من المراكز الإسلامية التي تعتمد على هؤلاء المهتدين الجدد في نشر الدعوة الإسلامية بلغة وطريقة ناجحة بين السكان المحليين. ويتمتع "المهتدون" الجدد بحماسة بالغة في ممارسة شعائر الدين الإسلامي، و"أخذ الدين بقوة"، والسعي لنشره بين آخرين في المجتمع البرازيلي مقابل حالة من "الاسترخاء" في الدعوة بين المسلمين "العرب" أو المسلمين بـ"شهادة الميلاد". "رغم وفرة المطبوعات الإسلامية، والمواقع الإليكترونية، وثلاث ترجمات برتغالية للقرآن الكريم (أحدثها عام 2005) ما يزال المسلم البرازيلي المعاصر يجهل الكثير عن دينه " ثالثا: رغم وفرة المطبوعات الإسلامية، والمواقع الإليكترونية، وثلاث ترجمات برتغالية للقرآن الكريم (أحدثها عام 2005) ما يزال المسلم البرازيلي المعاصر يجهل الكثير عن دينه، وهو ما دفع الجالية المسلمة في ريو دي جانيرو -على سبيل المثال- لفتح أبواب المركز الإسلامي قبل خطبة الجمعة للمناقشة، وتلقي الاستفسارات باللغتين البرتغالية والعربية، وتقديم تفاسير لآيات قرآنية أو أحاديث نبوية قبل الشروع في الخطبة والصلاة(**). رابعًا: تشهد المجتمعات الإسلامية في البرازيل اهتماما متزايدا بالحجاب والذي يمكن القول: إنه ظاهرة بدأت في الانتشار مع مطلع تسعينيات القرن العشرين، حين أكد الحجاب نفسه كرمز إسلامي عالمي، وعامةً يتخذ المجتمع البرازيلي موقفا متسامحا من الحجاب(***). تحديات المستقبل كثير من الأقليات الإسلامية في العالم يعيش في صراع وتوتر، بعضها يكافح مع السلطات المركزية ذات النفس الإمبريالي (النموذج الروسي)، أو التوجه القمعي الساعي إلى ابتلاع المناطق ذات الشخصية الإسلامية (النموذج الصيني)، أو تحت إرهاب وفاشية جماعات قومية متطرفة (نموذج القومية الهندوسية في الهند)، أو قد تعاني هذه الأقليات المسلمة من الدونية والتمييز والتصنيف كمواطنين من الدرجة الثانية (نموذج دول غرب أوربا). في المقابل ينعم مسلمو البرازيل بمزايا لا تتوفر لأقرانهم في معظم دول العالم؛ فالشعب البرازيلي عُرف عنه سماحته وانفتاحه على كافة الأديان، ونظام الدولة يسمح بالدعوة والتبشير لكافة الملل، ويكفل لها الحق القانوني في الدفاع عن نفسها قضائيا إذا ما لقيت إساءة أو تشويها من أي طرف آخر. ويحفظ التاريخ الإفريقي والعربي للإسلام في البرازيل مكانة متميزة، ويمهد له السبيل لعيش آمن ومتناغم مع بقية الأعراق والديانات. وإذا كانت الأقليات الإسلامية في روسيا والقوقاز وآسيا الوسطى والصين والهند وجنوب شرق آسيا قد عانت من الإقصاء الذي خلق لديها "ردة فعل انتفاضية" تمثلت في المقاومة والتمسك بالهوية، ودفعت بعضا منها إلى العيش في "غيتوهات" دينية وديموغرافية من أجل الحفاظ على دينها، فإن عدم معاناة مسلمي البرازيل من الإقصاء أو التهميش أو التمييز (بل تميزهم اقتصاديا عن المتوسط العام للمواطن البرازيلي) قد خلق لديهم "ردة فعل استرخائية" سهَّلت ذوبانا تدريجيا في ظل تحرر مسلمي البرازيل من الانشغال بالدفاع الدائم عن النفس ضد "الزينوفوبيا والإسلاموفوبيا" وغيرها من أشكال التحفز ضد الأقليات المسلمة حول العالم(****). وإذا كنا نستحضر من التاريخ عبرا ودروسا، يمكننا أن نعود إلى ما عاشته الشعوب الإسلامية زمن التضييق عليها في العهد الشيوعي في آسيا الوسطى حين كان تهريب نسخ القرآن الكريم يتم مثل تهريب المخدرات والسلع الممنوعة، وكان المسلمون في تلك المناطق يختبئون في سراديب تحت الأرض لتدارسه وقراءته هربا من أعين الشيوعيين. وفي ظل ما تظهره الدراسات اليوم من ضعف الاهتمام بالقرآن الكريم واللغة العربية لدى مسلمي البرازيل نستدعي من المصادر التاريخية سلوك المسلمين الأفارقة وقت الاستعباد والرق؛ إذ تشير مصادر الرحالة والمستشرق الفرنسي الكونت دي غوبينو -والذي عمل سفيرا لبلاده في البرازيل في النصف الأول من القرن 19- أن أحد منافذ بيع الكتب في ريو دي جانيرو في تلك الفترة كانت تبيع نسخا من القرآن الكريم (باللغة العربية) بسعر يعادل 40 فرنك فرنسي للنسخة، وهو سعر كان يكلف المسلم الإفريقي مدخرات عمل سنة كاملة في مستعمرات الرق. وكان معدل بيع نسخ القرآن يبلغ نحو مائة نسخة سنويا. يمضي دي غوبينو ليعطي لنا صورة تجربة سابقة لما سيحدث لاحقا في زمن الشيوعية في روسيا وآسيا الوسطى حين يذكر كيف أن المسلمين في البرازيل قد تحولوا إلى المسيحية اتقاء لسخط الكنيسة وفتك أسيادهم البيض، لكنهم كانوا مسلمين يمارسون عبادتهم سرا، أما أسماؤهم الأصلية (العربية والإفريقية) فقد تم استبدالها بأسماء مسيحية؛ وذلك حين تم تعميدهم قسرا. ويبدو أن ما ذكره دي غوبينو يعود إلى ما تعلمه المسلمون الأفارقة على يد زعماء الدعوة والجهاد في غرب إفريقيا، وفي مقدمتهم إمام الصوفية المجاهدة الشيخ عثمان بن فوديو، خاصة ما كان يقدمه من إمكانية اتباع المسلم نهج "التقية" اتقاء لخطر الأعداء من الوثنيين وغير المسلمين في دعوته التي امتدت من تشاد في وسط إفريقيا إلى نيجيريا في غربها وذلك في نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر. لكن في القرن الحادي والعشرين لا يواجه مسلمو البرازيل اليوم "نقمة" الاضطهاد والتمييز، بل يواجهون "نعمة" التعايش والسلام التي قد تتحول إلى نقمة "ذوبان هويتهم" في المجتمع البرازيلي الأكبر وهو نوع من الذوبان يسميه بعض الدعاة والأئمة في البرازيل بـ "الذوبان الاختياري" نتيجة انقطاع أبناء وأحفاد المسلمين عن ثقافتهم الأم من ناحية وضعف الدعوة الإسلامية من ناحية أخرى، الأمر الذي خلق نوعا من الارتباط "الثقافي" بالإسلام يقترن بطقوس الزواج والموت والدفن أكثر مما يرتبط بتعاليم الإسلام الشرعية، وهي حالة وصلت إليها كنائس مسيحية مختلفة في العصر الحديث. بل إن الأمر قد تطور في بعض الحالات إلى انقطاع مسلمي البرازيل عن تعاليم دينهم مما مهد لارتداد نفر منهم واعتناقهم المسيحية، بل إن بعض المرتدين عن الإسلام أصبحوا قساوسة. "من العقبات التي تواجه المؤسسات الإسلامية البرازيلية أن كل جالية مسلمة تسعى إلى البحث عن تمويل لمساجدها، وإرسال دعاتها للدراسة في الخارج دون التنسيق مع بقية الجاليات في المدن والولايات الأخرى" ومن العقبات التي تواجه المؤسسات الإسلامية البرازيلية أن كل جالية مسلمة تسعى إلى البحث عن تمويل لمساجدها، وإرسال دعاتها للدراسة في الخارج دون التنسيق مع بقية الجاليات في المدن والولايات الأخرى. ويمكن تصنيف طبيعة عمل ونشاط الجاليات المسلمة في البرازيل إلى جاليات ذات توجه داخلي تعتمد في ميزانيتها على أموال التبرعات الداخلية وتستهدف المسلمين ذوي الأصول العربية، والنوع الثاني جاليات تهدف إلى تلقي دعم خارجي لضعف مواردها وقلة عددها. ويوجد النوع الثاني عادة في بلدات ومدن صغيرة بها أفراد من المسلمين المهاجرين للدراسة أو العمل وبعض المتحولين حديثا إلى الإسلام من ذوي الديانات الأخرى في البرازيل. ونخلص من مراجعة المصادر البرازيلية والإسلامية إلى أن مستقبل الإسلام في البرازيل رهين باتحاد مسلمي البرازيل وتنسيق جهودهم؛ فضعف التنسيق بين المؤسسات الإسلامية، وعدم التخطيط، وتولي رئاسة بعض هذه الجمعيات شخصيات غير مؤهلة شرعيا أو إداريا يُعد أكبر عائق نحو انتشار هذا الدين وقوة تأثيره. كما أن ثمة عدم اهتمام بنشر الدعوة الإسلامية بشكل جاد بين سكان البرازيل؛ مما أعطى إيحاء بأن الإسلام "دين عرقي" أو "دين للعرب فقط"، بينما هو دين عالمي لكل البشر._____________عاطف معتمد عبد الحميد، أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة القاهرة. حصل على درجة الدكتوراه من روسيا، حائز على جائزة الدولة التشجيعية في مصر عام 2009. له العديد من الدراسات والأبحاث المنشورة في دوريات محكمة، كما له العديد من الكتب المتعلقة بروسيا وآسيا الوسطى والقوقاز، والشيعة في المنطقة العربية، فضلا عن اهتمامه الخاص بالأقليات المسلمة حول العالم حيث زار العديد من البلدان التي تتواجد فيها هذه الأقليات وكتب عنها، وكانت آخر إصداراته في هذا المجال كتاب "الأقلية المسلمة في الهند". معتمد معروف أيضا كمترجم حيث نقل إلى العربية العديد من الكتب أهمها ترجمته لكتاب "النظام العالمي القديم والجديد" للمفكر الأميركي نعوم تشومسكي، والصادر عن دار نهضة مصر، القاهرة. المقالة منشورة بتصرف بسيط من المحرر حيث قام بنقل بعض الفقرات من المتن إلى الهامش. الهوامش: (*) تأسست أول جمعية إسلامية في البرازيل عام 1929 في ساو باولو، وتمكنت الجمعية من وضع حجر الأساس لبناء أول مسجد في البرازيل عام 1940 الذي اكتمل إنشاؤه وفتح للعبادة في عام 1956 ليكون أول مسجد في قارة أميركا الجنوبية (إذا استثنينا المساجد السرية زمن الرق في القرن التاسع عشر). وكان هذا المسجد المحفز الأكبر لصياغة وعي المسلمين في بقية المدن البرازيلية وفي مقدمتها ريو دي جانيرو التي شهدت تأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية في عام 1951. ثم تبع ذلك جمعية بيلو هوريزونتي في عام 1962، وتلا ذلك تأسيس جمعيات خيرية إسلامية في سائر المدن البرازيلية. وفي مقدمة المؤسسات الإسلامية في البرازيل "اتحاد المؤسسات البرازيلية" والذي تم تأسيسه عام 1979، ويعمل على رعاية شؤون الجالية المسلمة في البرازيل، والسعي لإنشاء مراكز ومساجد ومدارس إسلامية، وبناء علاقات بين المسلمين داخليا وخارجيا. وقد أسهم هذا الاتحاد في إنشاء أكثر من 10 مساجد خلال ربع القرن الماضي في كل من مدن سان ميغيل ومارنغا وساو باولو وغيرها. وهناك أيضا "الاتحاد الوطني للمؤسسات الإسلامية" ويضم 22 مؤسسة إسلامية. ولديه هيئة إعلامية تعمل على التعريف بالإسلام، وهيئة قضائية تتابع أية إساءة للإسلام والمسلمين وتلاحقها قضائيا. وإلى جانب المؤسسات توجد المراكز الإسلامية، مثل "مركز الدعوة الإسلامية لأميركا اللاتينية" في مدينة سان برناردو دو كامبو بولاية ساو باولو والمعروف اختصارا باسم مركز سديالcdial ، وقد أُنشيء سنة 1987 ويهتم بإقامة المخيمات وطباعة الكتب الإسلامية باللغة البرتغالية، ويقيم مؤتمرا سنويا للمسلمين، ويُشرف على الذبح الشرعي ويعطي شهادات بذلك. وهناك بالمِثل "المركز الثقافي الإسلامي الخيري" لمدينة فوز دو إغوازو الواقعة على الحدود مع دولتي باراغواي والأرجنتين، وقد تم إنشاء المركز عام 1983. ويضم المركز مدرسة إسلامية فضلا عن مسجد عمر بن الخطاب، الذي يُعد من أجمل مساجد البرازيل. وفي مدينة سان برناردو دو كامبو بولاية ساو باولو يوجد فرع "للندوة العالمية لشباب العالم الإسلامي بأميركا الجنوبية" والتي تعمل على إقامة مخيمات للشباب، وطباعة كتب بالبرتغالية، وعقد ندوات ومحاضرات في قضايا الفكر الإسلامي المعاصر، كما تضم مدرسة لتعليم اللغة العربية. وإضافة إلى المؤسسات هناك جمعيات خيرية عديدة، مثل "الجمعية الخيرية الإسلامية" في ريو دي جانيرو، والجمعية الخيرية الإسلامية في ساو باولو والتي من بين أهم أنشطتها إقامة المقبرة الإسلامية في غواروليوس وهي المقبرة الإسلامية الوحيدة حتى الآن للمسلمين في ساو باولو فضلا عن إقامة مدرسة إسلامية تابعة للجمعية، ويدرس في المدرسة الأخيرة نحو 400 طالب، وتعتمد المدرسة اللغة العربية والدين الإسلامي كمواد أساسية معترف بها من وزارة التعليم البرازيلية. وهناك أيضا "رابطة الشباب المسلم البرازيلي" والتي تأسست عام 1995، ومقرها مدينة ساو باولو. ومن المؤسسات الإسلامية الجديدة والواعدة "المعهد اللاتيني الأميركي للدراسات الإسلامية" في مدينة مارنغا بولاية بارانا. (المؤلف) (**) كثير من الأسئلة التي يطرحها المهتدون الجدد تتعلق بعلاقاتهم بأسرهم المعتنقة لأديان أخرى. وبصفة خاصة حين يكون المسلم/المسلمة قد اعتنق الإسلام بينما أفراد أسرته على المذهب الكاثوليكي أو البروتستانتي، هنا تثار نقاشات وجدالات كبيرة تُظهر احتياج المسلم الجديد إلى فهم أعمق لدينه حتى يتمكن من التكيف مع أسرته وتبرير قراره باعتناق الإسلام. ويرتبط بذلك ضعف معرفة الجيل المعاصر من مسلمي البرازيل في بعض المناطق بهوية ثقافته الإسلامية وتعاليم دينه. (المؤلف) (***) يحاول بعض الدارسين ربط انتشار الحجاب في البرازيل وقبول المجتمع البرازيلي له بعد عام 2001/2002 بعرض المسلسل التلفزيوني الشهير "الاستنساخ o clone " الذي كانت إحدى شخصياته الرئي