غالباً مايكون التوريخ له أثر في نفس الموبخ ، ويعظم هذا الأثر إن كان التوبيخ بحضور جماعة من اناس ، فإنه حينئذ يتضاعف . والنبي صلى الله عليه وسلم كانت له طريقة فريدة من نوعها في معالجة الأخطاء الظاهرة التي تحدث من صحابته ، إذا كان يشهر بالخطأ ويذمه ، ولا يشهر بصاحب الخطأ ، إذا إن الغاية من تشهيره عليه الصلاة والسلام بالخطأ ليس التشفي من المخطئ ، بل هو تحذير من الوقوع في الخطأ ، وذم للخطأ نفسه . وقصة الثلاثة الذين تقالوا عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم مشهورة . 1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( إن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر ؟ فقال بعضهم : لا أتزوج النساء . وقال بعضهم : لا أنام على فراش . فحمد الله وأثنى عليه فقال : " ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟لكني أصلي وأنام .وأصوم وأفطر . وأتزوج النساء . فمن رغب عن سنتي فليس مني) . تأمل قوله صلى الله عليه وسلم :ما بال أقوام ، فهو لم يصرح بأسمائهم وإن كان بعض الصحابة يعرفونهم ومع ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يصرح بأسمائهم ، لأن الغرض ـ كما قلنا سابقاً ـ ليس هو التشهير بالمخطئ أ بصحاب الفعل المذموم ، وإنما هو بيان ذلك الفعل المذموم أو القبول المذموم والتحذير منه . قال النووي عند قوله ) أن النبي صلى الله عليه وسلم حمد الله تعالى وأثنى عليه فقال : "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا " ) هو موافق للمعروف من خطبه صلى الله عليه وسلم في مثل هذا أنه إذا كره شيئاً فخطب له ذكر كراهيته ولا يعين فاعله ، وهذا من عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم فإن المقصود من ذلك الشخص وجميع الحاضرين وغيرهم ممن يبلغه ذلك ولا يحصل توبيخ صاحبه على الملاء وإليك قصة أخرى يرويها أبو الحميد الساعدي: 1- قال : استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني أسد يقال له أبن اللتبية على صدقة فلما قدم قال : هذا لكم وهذا أهدي لي . فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول : هذا لك لي ، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدي إليه أم لا ؟ .. ) الحديث وفي هذه الواقعة ، قوله صلى الله عليه وسلم : ما بال العامل نبعثه ، حيث لم يفصح الرسول صلى الله عليه وسلم عن اسمه مع إن كثيراً من الصحابة يعلمون هذا الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ما بال العامل نبعثه ، ولكن لما كان القصد هو التحذير من الفعل المذمون وبيان ضرره وسوء عاقبته حتى لا يقع فيه الآخرون ، شهر بالفعل . وحول هذا الحديث وهذا المعنى يشير ابن حجر بقوله : وفيه أن من رأى متأولاً اخطأ في تأويل يضر من أخذ به أن يشهر القول للناس وبيبن خطأه ليحذر من الاغترار به . والمعلمون كذلك يجب أن تكون طرقتهم في علاج الأخطاء التي تقع من الطلاب ، عن طريق التشهير بالخطأ وذمة وبيان سوء عاقبنه ، والتحذير منه ، مع عدم التصريح باسم المخطئ خصوصاً إذا كان الخطأ عن غير تعميد من الطالب نفسه ، لكي لا يستغلها ضعاف النفوس في تحقيره ورميه بالنقائص ، ولكي لا يوجد حالة من الكراهية فهذا حالة يقدرها المعلم ، هل يشهر به أمام الآخرين لردعه عما هو فيه ـ مع ملاحظة تجرد النفس من قصد التشفي والانتصار لها ـ ؟ أم يستعمل أساليب أخرى لعلاج هذه الحالة ؟ وهذه كما قلت سابقاً . راجعة إلى تقدير المعلم . وعموماً فإن طريقة التعريض بالخطأ دون التصريح باسم صاحبه مهمة ليست بيسيرة ، إذا فيها تكمن براعة المعلم في علاج الخطأ دون التعرض لكرامة الطالب . وهي من دقائق صناعة التعليم أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريقة التعريض ما أمكن ولا يصرح . وبطريق الرحمة لا بطريقة التوبيخ فإن التصريح يهتك حجاب الهيئة وبروث الجرأة على الهجوم بالخلاق ويهيج الحرص على الإصرار . أ هـ . الخلاصة : 1) ليس القصد من إعلان الخطأ التشهير بالمخطئ ، بل هو تحذير وبيان لسوء الفعل أو القول ، لكي لا يغتر به . 2) عدم التصريح بالاسم أثناء الخطأ ، وإن كان المخطئ معلوماً عند البعض . 3) إذا كان المخطئ عامداً ، فلمعلم أن يجتهد في إيجاد السبيل الأقوم في معالجة وتأديب المخطئ . براعة المعلم تكمن في كيفية علاج الخطأ ، دون التصريح باسم المخطئ .