إدامة ذِكْرِ الجَنَّة كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم, يديمون ذكر الجنة, والشوق إليها, وتخيل ما فيهاوتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد ، ودرر الفرائد. (حديث حنظلة بن الربيع الأُسيدي الثابت في صحيح مسلم ) قال لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قال قلت نافق حنظلة قال سبحان الله ما تقول قال قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عينفإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا قال أبو بكر فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نافق حنظلة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك ؟ قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات . من أعظم الغبن أن تبيع الجنة بالدنيا الفانية : [*]×قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه حادي الأرواح : ولما علم الموفقون ما خلقوا له وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤوسهم فإذا علم الجنة قد رفع لهم فشمروا ، إليه وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه ، ورأوا من أعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في أبد لا يزول ولا ينفذ بصبابة عيش إنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوب بالنغص ممزوج بالغصص إن أضحك قليلا أبكى كثيرا وإن سر يوما أحزن شهورا ألآمه تزيد على لذاته وأحزانه أضعاف مسراته أوله مخاوف وآخره متآلف ، فيا عجبا من سفيه في صورة حليم ومعتوه في مسلاخ عاقل آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس وباع جنة عرضها السموات والأرض بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار وأبكارا عُرُبا أترابا كأنهن الياقوت والمرجان بقذراتٍ دنسات سيآت الأخلاق مسالخات أو متخذات أخذان وحورا مقصورات في الخيام بخبيثات مسيبات بين الأنام وأنهارا من خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين ولذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم وسماع الخطاب من الرحمن بسماع المعازف والغناء والألحان والجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، ويوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد ، ونداء المنادي يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا وتحيوا فلا تموتوا وتقيموا فلا تظعنوا وتشبوا فلا تهرموا بغناء المغنين ، وإنما يظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة، وإنما يتبين سفه بائعه يوم الحسر والندامة ، إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفدا وسيق المجرمون إلى جهنم وردا ، ونادى المنادي على رؤوس الأشهاد ليعلمن أهل الموقف من أولي بالكرم من بين العباد ، فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما أعد الله لهم من الإكرام وادخر لهم من الفضل والإنعام وما أخفى لهم من قرة أعين لم يقع على مثلها بصر ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر «لَعَلِمَ أي بضاعة أضاع وأنه لا خير له في حياته وهو معدود من سقط المتاع » وعلمأن القوم قد توسطوا ملكا كبيرا لا تعترية الآفات ولا يلحقه الزوال وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال فهم في روضاتِ الجنة يتقلبون ، وعلى أسرتها تحت الحجال يجلسون ، وعلى الفرش التي بطائنها من إستبرق يتكئون وبالحور العين يتنعمون وبأنواع الثمار يتفكهون ، يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون ، وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعلمون ، يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ، تالله لقد نودي عليها في سوق الكساد فما قلب ولا أسنام ! إلا أفراد من العباد فوا عجبا لها كيف نام طالبها وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها ، وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها وكيف قَرَّ للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها، وكيف قرت دونها أعين المشتاقين وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين ، وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين ، وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين . ثم ذكر الإمام ابن القيم أروع قصيدةٍ في وصف الجنة : وما ذاك إلا غيـــــرة أن ينالها سوى كفئها والرب بالخلق أعلم وإن حجبت عنـــــا بكل كريهة وحفت بمــا يؤذي النفوس ويؤلم فلله ما في حشـــوها من مسرة وأصـناف لذات بهـــــا يتنعم ولله برد العيش بين خيـــــامها وروضاتها والثغر في الروض يبسم ولله واديـــــها الذي هو موعد أل مزيد لوفد الحب لو كنت منـــهم بذيالك الوادى يهيم صبـــــابة محب يرى أن الصبــــابة مغنم ولله أفراح المحبين عنـــــدما يخاطبهم من فـوقهم ويســــلم ولله أبصـــــار تري الله جهرة فلا الضيم يغشاها ولا هي تســأم فيا نظرة أهدت إلى الوجــه نضرة أمن بعدها يســـلو المحب المتيم ولله كم من خيــــرة إن تبسمت أضـــاء لها نور من الفجر أعظم فيا لذة الأبصــــار إن هي أقبلت ويا لذة الأســــماع حيـن تكلم ويا خجلة الغصن الرطيب إذا انثنت ويا خجلة الفجرين حيـن تبســم فإن كنت ذا قلب عليــــل بحبها فلم يبق إلا وصــــلها لك مرهم ولا سيما في لثمها عند ضمـــها وقد صـار منها تحت جيدك معصم تراه إذا أبدت له حســـن وجهها يلذ به قبـل الوصــــال وينعم تفكه منها العين عند اجتـــلائها فواكه شتى طلعها ليس يعــــدم عناقيد من كرم وتفاح جنـــــة ورمان أغصـــان به القلب مغرم وللورد ما قد ألبسته خــــدودها وللخمر ما قد ضمــه الريق والفم تقسم منها الحسن في جمع واحــد فيا عجبـــــا من واحد يتقسم لها فرق شتى من الحسن أجمـعت بجملتها إن الســــــلو محرم تذكر بالرحمن من هــــو ناظر فينطق بالتسبيح لا يتلعثـــــم إذا قابلت جيش الهمــوم بوجهها تولى على أعقــابه الجيش يهزم فيا خاطب الحسناء إن كنت راغبـا فهذا زمان المهــــر فهو المقدم ولما جرى مــاء الشباب بغصنها تيقن حقــــــاً أنه ليس يهرم وكن مبغضــــا للخائنات لحبها فتحظى بهـــا من دونهن وتنعم وكن أيما ممن ســـــواها فإنها لمثلك في جنـــــات عدن تايم وصم يومك الأدنى لعلك في غـــد تفوز بعيـــد الفطر والناس صوم وأقدم ولا تقنــــع بعيش منغص فمـــا فاز باللذات من ليس يقدم وإن ضاقت الدنيا عليك بأســـرها ولم يك فيها منـــــزل لك يعلم فحي على جنـــــات عدن فإنها منــــازلنا الأولى وفيها المخيم ولكننـا سبى العـدو فهل تــرى نعــــــود إلى أوطاننا ونسلم وقد زعمــــوا أن العدو إذا نأى وشطت به أوطانـــه فهو مغرم وأي اغتــراب فـوق غربتنا التي لها أضحت الأعداء فينـــا تحكم وحي على السوق الذي فيه يلتقي ال محبون ذاك الســـوق للقوم يعلم فما شئت خذ منــــه بلا ثمن له فقد أسلف التجـــار فيه وأسلموا وحي على يـــوم المزيد الذي به زيارة رب العرش فاليــوم موسم وحي على واد هنـــالك أفيــح وتربته من إذفر المسك أعظـــم منابر من نـــور هناك وفضــة ومن خالص القيــــان لا تتقصم وكثبان مســك قد جعلن مقـاعدا لمن دون أصحاب المنـــابر يعلم فبينا همو في عيشهم وســرورهم وأرزاقهم تجرى عليهـــم وتقسم إذا هم بنـــورٍ ساطع أشرقت له بأقطارها الجنـــــات لا يتوهم تجلى لهم رب السماوات جهـــرة فيضحك فــــوق العرش ثم يكلم سلام عليكم يســمعون جميعـهم بآذانهم تسليمــه إذ يســــلم يقول سـلوني ما اشـتهيتم فكل ما تريدون عنــــدي أنني أنا أرحم فقالوا جميـعا نحن نسألك الرضـا فأنت الذي تولى الجميــل وترحم فيعطيهمو هذا ويشــهد جمعـهم عليه تعـالى الله فالله أكــــرم فيا بائعـــــا هذا ببخس معجل كأنك لا تــدرى ؛ بلى سوف تعلم فإن كنت لا تــدرى فتلك مصـيبة وإن كنت تــدرى فالمصيبة أعظم