لا يمكن لأحدٍ طالع بعضًا من الشمائل الكريمة للرسول صلى الله عليه وسلم، وعرف بعض أخلاقه العظيمة، وخصاله الشريفة؛ ثم لا يُظهر إعجابَه وانبهارَه بشخصيته صلى الله عليه وسلم، فلا عجب إذن أن نجد مثل هذا الثناءَ العطرَ وتلك الشهادات المنصفة من كثير من هؤلاء ممن لم يعتنقوا الإسلام، والتي سطَّرها التاريخ على ألسنتهم وفي كتبهم وتراثهم؛ لتكون دليلاً دامغًا وحجة بالغة على عِظَمِ أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم. ولقد اعترف بذلك المنصفون من غير المسلمين:  فاعترف بذلك المستشرقون؛ ومن هؤلاء: ☼ المستشرق الأمريكي (واشنجتون إيرفنج) ؛ حيث يقول: «كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأعظمَ الرسل الذين بعثهم الله تعالى؛ ليدعوا الناس إلى عبادة الله» (قالوا عن الإسلام، للدكتور عماد الدين خليل) . ☼ ويقول المستشرق الإسباني (جان ليك) في كتابه (العرب): «لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" [الأنبياء: 107]، كان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق» " (كتاب العرب، لجان ليك) . ☼ وتقول المستشرقة الإيطالية (لورافيشيا فاغليري): «كان محمد المتمسك دائمًا بالمبادئ الإلهية شديد التسامح، وبخاصة نحو أتباع الأديان الموحدة، لقد عرف كيف يتذرع بالصبر مع الوثنيين، مصطنعًا الأناة دائمًا...» (دفاع عن الإسلام، لورافيشيا فاغليري، ترجمه منير البعلبكى). ☼ ويقول المستشرق الفرنسي (جوستاف لوبون): «كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يقابل ضروب الأذى والتعذيب بالصبر وسعة الصدر... فعامل محمد [صلى الله عليه وسلم] قريشًا - الذين ظلوا أعداءً له عشرين سنة - بلطف وحِلم» (حضارة العرب، جوستاف لوبون ).  كما اعترف بذلك الفلاسفة؛ ومن هؤلاء: ☼ الفيلسوف والكاتب المسرحي الإنجليزي المشهور (جورج برناردشو) ؛ حيث يقول: «قرأت حياة رسول الإسلام جيدًا، مرات ومرات، فلم أجد فيها إلا الخُلُق كما ينبغي أن يكون، وكم ذا تمنيت أن يكون الإسلام هو سبيل العالم» (الرسول صلى الله عليه وسلم) في عيون غربية منصفة، الحسيني معدّي) . ☼ ويقول الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل الذي قبل عنه أنه أكبر عقل ولدته الأمة الإنجليزية بعد شكسبير: «لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير العظيم النفس المملوء رحمة وخيرًا وحنانًا وبرًا وحكمة وحجىً ونُهىً ـ أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه» (الرسول صلى الله عليه وسلم في عيون غربية منصفة). كما اعترف بذلك المؤرخون؛ ومن هؤلاء: ☼ المؤرخ الإنجليزي (وليام موير) ؛ فيقول في كتابه (حياة محمد): «لقد امتاز محمد عليه السلام بوضوح كلامه، ويسر دينه، وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول، ولم يعهد التاريخ مصلحًا أيقظ النفوس، وأحيى الأخلاق، ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير، كما فعل نبيُّ الإسلام محمد» (الرسول صلى الله عليه وسلم في عيون غربية منصفة). ويقول أيضـًا، وهو يصف حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وخلقه، قائلاً: «كانت السهولة صورة من حياته كلِّها، وكان الذوقُ والأدبُ من أظهرِ صفاتِه في معاملتِه لأقلِّ تابعيه؛ فالتواضعُ، والشفقةُ، والصبرُ، والإيثارُ، والجُودُ؛ صفاتٌ ملازمةٌ لشخصه، وجالبةٌ لمحبَّةِ جميعِ من حوله، فلم يُعرف عنه أنه رفض دعوة أقلِّ الناس شأنًا، ولا هديةً مهما صغرت، وما كان يتعالى ويبرز في مجلسه، ولا شعر أحدٌ عنده أنه لا يختصُّه بإقبالٍ وإن كان حقيرًا. وكان إذا لقي مَنْ يفرحُ بنجاحٍ أصابه أمسك يدَه وشاركَه سرورَه، وكان مع المصابِ والحزينِ شريكًا شديدَ العطفِ، حَسَنَ المواساة، وكان في أوقاتِ العُسْرِ يقتسم قُوتَهُ مع النَّاس، وهو دائمُ الاشتغالِ والتفكيرِ في راحةِ مَنْ حولَه وهناءتِهم» < حياة محمد، لوليم موير >. (الرسول صلى الله عليه وسلم، لسعيد حوى) كما اعترف بذلك الشعراء؛ وأرباب اللغة؛ ومن هؤلاء: ☼ الشاعر الفرنسي الشهير (لامارتين) ؛ حيث يقول: «أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود» (السفر إلى الشرق). ☼ ويقول الشاعر والأديب الألماني المشهور (جوته): «بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم» (شمس الدين تسطع على الغرب، ألغريد هونكه). ☼ ويقول الكاتب الفرنسي الجنسية (مونتيه) أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف، في كتابه (محمد والقرآن): «كان محمد صلى الله عليه وسلم كريم الأخلاق حسن العشرة، عذب الحديث، صحيح الحكم، صادق اللفظ، وقد كانت الصفات الغالبة عليه هي صحة الحكم، وصراحة اللفظ، والاقتناع التام بما يعمله ويقوله» (محمد والقرآن). هذه مقتطفات من مواقف وأقوال مستشرقين وفلاسفة، ومؤرخين، وشعراء؛ أوروبيين وغربيين في حق المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم النبي الخاتم، أردنا منها إثبات أن أبناء الحضارة الغربية يُقِرُّون بنبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم وصفاته الحميدة وفضله المتصل إلى يوم القيامة على البشرية في جميع أقطار المعمورة. ذلك أن التعصب الأوروبي النصراني؛ على الرغم من كونه خطًا صاعدًا باستمرار، إلا أنه وُجِد هناك منصفون، أكَّدوا الحقيقة بلا لف أو دوران. ولكن الثقافة الغربية السائدة، والمتشبعة بقيم التعصب والعناد والتمركز حول الذات، سعت إلى حجب هذه الحقائق، وإخفاء هذه الأصوات؛ حتى لا يتمكن الشخص الأوروبي العادي، من الاطلاع على ما أثبته أبناء جلدته، من الكبار في حق الإسلام ونبيه ورسالته العالمية الخالدة، وذلك كله بهدف تحقيق غرضين: ☼ الأول: إبعاد الأوروبيين النصارى عن الإسلام؛ الذي دلل على قدرته على التغلغل في النفوس وملامسة صوت الفطرة في الإنسان؛ فهو يخيف الغرب المتوجس من تراجع عدد معتنقي النصرانية في العالم برغم ما ينفقه من الأموال والوقت لتنصير الشعوب. يقول المُنصِّر المعروف لورانس براون: «وجدنا أن الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع وفي حيويته المدهشة». ويقول: «إن خطر المسلمين هو الخطر العالمي الوحيد في هذا العصر، الذي يجب أن تجتمع له القوى، ويُجَيَّش له الجيوش، وتلتفت إليه الأنظار». ويقول أيضًا: «إن القضية الإسلامية تختلف عن القضية اليهودية، إن المسلمين يختلفون عن اليهود في دينهم، إنه دين دعوة، إن الإسلام ينتشر بين النصارى أنفسهم، وبين غير النصارى، ثم إن المسلمين كان لهم كفاح طويل في أوروبا ـ كما يراه المبشرون ـ وهو أن المسلمين لم يكونوا يومًا ما أقلية موطوءة بالأقدام». ثم يقول: «إننا من أجل ذلك نرى المبشرين، يَنْصُرون اليهود على المسلمين في فلسطين، لقد كنا نُخَوَّف من قبل بالخطر اليهودي، والخطر الأصفر (باليابان وتزعمها على الصين) وبالخطر البلشفي، إلا أن هذا التخويف كله لم يتفق (لم نجده ولم يتحقق) كما تخيلناه، إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا، وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا الألد، ثم رأينا البلاشفة حلفاء لنا، أما الشعوب الصفر، فإن هناك دولاً ديمقراطية كبيرة، تتكفل بمقاومتها، ولكن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام» (التبشير والاستعمار، د/ مصطفى الخالدي، و د/ عمر فروخ، نقلاً عن مجلة البيان عدد (174) ص92، والرسول صلى الله عليه و سلم في عيون غربية منصفة). ☼ والغرض الثاني: ضمان استمرار الصراع بين الغرب والإسلام والقطيعة بينهما لمصلحة الصهيونية والماسونية، التي تعتبر نفسها المتضرر الأول والرئيس من أي تقاربٍ أو حوارٍ جادٍ بين الإسلام والغرب. وفي هذه الورقات اليسيرات نكشف جانبًا من جوانب عظمته صلى الله عليه وسلم وأخلاقه الكريمة وخصـاله الشريفة؛ حـرصت فيها على الاقتصـار على الصحيح الثابت مـن قوله أو فعله صلى الله عليه وسلم؛ ليتعرف أبناء الإسلام جانبًا مهمًا من جوانب عظمة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وعظيم أخلاقه صلى الله عليه وسلم، التي تجعل حبَّه صلى الله عليه وسلم يتمكَّن في قلوبهم؛ فيقوموا بمقتضى هذا الحبِّ؛ من البلاغ والدعوة لدينه وسنته صلى الله عليه وسلم والنصرة له ولشريعته. ولعلَّها تبلغ أقوامًا عُلِم منهم الإنصاف؛ فتكون سببًا لهدايتهم، وآخرين ممن تبع عن جهلٍ وتعصبٍ أعمى تلك الحملة الظالمة، والتشويه الكاذب لسيرة أعظم إنسان عرفته البشرية صلى الله عليه وسلم؛ فيرعووا. وسوف نتناول في هذه الورقات؛ الإشارة المجملة إلى اتصافه صلى الله عليه وسلم بالأخلاق العظيمة، وشهادة الأمم السابقة له بذلك، ومعرفتها له بها، ثم نتناول بيان هذه الصفات بشيء من التفصيل والبيان؛ نبدأ فيها بصفاته الذاتية؛ من الصدق والأمانة والتواضع والحياء والزهد والصبر. ثم نعرج إلى شيء من صفاته المتعدية؛ من الرحمة، والحلم والعفو والصفح، والعدل، والوفاء، والكرم والجود والسخاء، والشجاعة والقوة. ثم نتعرف هديه صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص مع طائفة من الذين عايشهم وكان له بهم مزيد اعتناء وحفاوة واهتمام؛ من الأهل، والأطفال والصبيان، والخدم والضعفاء والمساكين. ونختم بسؤال: كيف ننصر هذا النبيَّ الكريم صلى الله عليه وسلم، والإجابة عليه؛ من خلال ذكر كيفية تحقيق حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم، وبعض ما يجب على المحبِّ الصادق تجاه حبيبه صلى الله عليه وسلم، وما يوجبه هذا الحبُّ من أعمال لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم.