2- الاختلاف في حكم الفعل بين من يأخذ بظاهر الفعل و من يأوّل الفعل : و مثال ذلك : أنَّ الصحابة رأوا النبي صلى الله عليه و سلم يرمل في الطواف ، فذهب جمهور الصحابة إلى أنَّ الرمل سنة ، و قال ابن عباس : إنَّما رمل لعارض - و هو قول المشركين حطمتهم حمى يثرب - فأراد النبي صلى الله عليه و سلم أنْ يظهر له القوة . 3-الاختلاف في علة الحكم : مثل : القيام للجنازة و هي تمر ، اختلفوا في سبب القيام ما بين تعظيم الموت أو تعظيم الملائكة ، و هناك من علل الحكم بأنَّ النبي صلى الله عليه و سلم مر بجنازة يهودي ، فقام لها كراهة أن تعلو فوق رأسه فيكون الحكم خاص بغير المسلمين فقط . 4- أن يسمع الصحابي حكما في قضية و لم يسمعه صحابي آخر ، فيجتهد الذي لم يسمع برأيه : و مثال ذلك : أنَّ عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان يفتي في دية الأصابع ، بأنَّ الدية تحدد حسب أهمية الإصبع ، فلما علم ابن عباس قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : دية الأصابع لكل واحدة عشر من الإبل . و أيضًا ثبت في صحيح البخاري ، حينما سافر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام ، و في أثناء الطريق ذُكر له أن فيها وباء و هو الطاعون ، فوقف و جعل يستشير الصحابة رضي الله عنهم ، فاستشار المهاجرين و الأنصار و اختلفوا في ذلك على رأيين ؛ و كان الأرجح القول بالرجوع ، و في أثناء هذه المداولة و المشاورة جاء عبدالرحمن بن عوف ، و كان غائباً في حاجة له ، فقال: إنَّ عندي من ذلك عِلماً ، سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلّم يقول : « إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه ، و إن وقع و أنتم فيها فلا تخرجوا فراراً منه » ، فكان هذا الحكم خافياً على كبار الصحابة من المهاجرين و الأنصار ، حتى جاء عبدالرحمن فأخبرهم بهذا الحديث . وأيضًا مثال آخر : كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه و عبدالله بن عباس رضي الله عنهما يريان أن الحامل إذا مات عنها زوجها تعتدّ بأطول الأجلين ، من أربعة أشهر وعشر أو وضع الحمل ، فإذا وضعت الحمل قبل أربعة أشهر و عشر لم تنقض العدة عندهما و بقيت حتى تنقضي أربعة أشهر و عشر ، و إذا انقضت أربعة أشهر و عشر من قبل أن تضع الحمل بقيت في عدتها حتى تضع الحمل ، لأن الله تعالى يقول : ( وَ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) الطلاق 4 ؛ و يقول : ( وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوَجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْرًا ) البقرة 234 . و بين الآيتين عموم و خصوص وجهي ، و طريق الجمع بين ما بينهما عموم و خصوص وجهي ، أن يؤخذ بالصورة التي تجمعهما ، و لا طريق إلى ذلك إلا ما سلكه علي و ابن عباس رضي الله عنهما ، و لكن السُّنَّة فوق ذلك . فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلّم في حديث سبيعة الأسلمية أنها نفست بعد موت زوجها بليال ، فأذن لها رسول الله أن تتزوج » ، و معنى ذلك أننا نأخذ بآية سورة الطلاق التي تسمَّى سورة النساء الصغرى ، و هي عموم قوله تعالى : ( وَ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ، و أنا أعلم علم اليقين أن هذا الحديث لو بلغ عليًّا و ابن عباس لأخذا به قطعاً ، و لم يذهبا إلى رأيهما .