الفصل الرابع: رحمته صلى الله عليه و سلم بعموم الأمة إن رحمة الرسول صلى الله عليه و سلم لم تكن قاصرة على من عاصره من المسلمين، بل كان صلى الله عليه و سلم مشغولاً دائمًا بأمته جميعًا، وذلك في عمق الزمان والمكان، بل وإلى يوم القيامة، ولقد تعرضنا في الفصول السابقة إلى مواقف من رحمته مع الصحابة }، ولا شك أن رحمته بأصحابه قد عادت على الأمة جميعًا بالخير، لأن أفعاله وأقواله معهم لم تكن خاصة بهم، ولكنها كانت تشريعًا ثابتًا سيظل معمولاً به إلى يوم القيامة، وفي هذا الفصل - إن شاء الله - سنتعرض لطرفٍ من رحمته صلى الله عليه و سلم بالمسلمين الذين سيأتون بعد زمانه صلى الله عليه و سلم ، فهو صلى الله عليه و سلم لم يكن كزعماء الدنيا الذين ينظرون إلى أحوال أمتهم في زمانهم فقط أما ما يأتي بعد ذلك فلا يهتمون به ولا يخططون له.. إنه كان صلى الله عليه و سلم دائم الشغل بأمته في كل الأزمان، ودائم الفكر لهم، وهو ما ظهر في كلمات كثيرة، وفي مواقف عديدة سنتناول بعضها - بإذن الله - في مبحثين هما: المبحث الأول: رحمته صلى الله عليه و سلم بالأمة إجمالاً. المبحث الثاني: رحمته صلى الله عليه و سلم بالرعية. المبحث الأول: رحمته صلى الله عليه و سلم بالأمة إجمالاً جعل محمد من مختلف القبائل المتقاتلة أمة واحدة[1] أصدر القديس كولبمان عقوبات صارمة على أتباعه منها: ستة سياط إذا سعل وهو يبدأ ترنيمة، أو إذا تبسم أثناء الصلاة، واثنا عشر سوطاً عقاب الراهب إذا نسي أن يدعو الله قبل الطعام، وخمسون عقاب المتأخر عن الصلاة، ومائة لمن يشترك في نزاع، ومائتان لمن يتحدث من غير احتشام مع امرأة[2]. هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!! لقد بلغت رحمة الرسول صلى الله عليه و سلم بأمته حدًّا لا يتخيله عقل، حتى إن الأمر وصل إلى خوفه عليهم من كثرة العبادة!! ولقد مرَّ بنا طرف من ذلك عندما كنا نتحدث عن رحمته صلى الله عليه و سلم في أمور العبادة، ومع أن التقرب إلى الله والتبتل إليه أمر محمود مرغوب، بل هو مأمور به، لكنه صلى الله عليه و سلم كان يخشى على أمته من المبالغة في الأمر فيفتقدون التوازن في حياتهم، أو يصل بهم الأمر إلى المَلل والكسل، أو يصل بهم الحد إلى الإرهاق الزائد عن طاقة الإنسان، لذلك رأيناه كثيراً ما يُعرِضُ عن عملٍ من الأعمال، مُقرَّبٍ إلى قلبه، محببٍ إلى نفسه، لا لشيء إلا لخوفه أن يُفرَض على أمته فيعنتهم ويشق عليهم.. تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : "إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ"[3]، وفي رواية: "وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و سلم يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ مِنْ الْفَرَائِضِ "[4]؛ ولذلك كان كثيرًا ما يقول كلمة: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي"، دلالة على أنه يحب الأمر، ولكنه يخشى الفتنة على الأمة، ومَرَّ بنا كيف كان لا يخرج في كل المعارك لكي لا يتحرَّج الناس في الخروج في كل مرة، وكيف كان لا يؤخر صلاة العشاء إلى منتصف الليل، وكيف رفض الخروج إلى قيام الليل جماعة في رمضان خشيةَ أن يُفرَضَ على المسلمين، وكيف تأخر في الردِّ على من سأل عن تكرار الحج في كل عام خشية فرضه بهذه الصورة على المسلمين، وهكذا..... ومن ذلك أيضًا قوله صلى الله عليه و سلم :"لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ"[5]، ومن ذلك أيضًا قوله صلى الله عليه و سلم : "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَلَأَخَّرْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"[6] . فمنهجه الواضح والمستمر هو التخفيف عن الأمة والإشفاق عليها.. ومن رحمته أيضًا صلى الله عليه و سلم بعموم الأمة أنه كان يحنو ويرفق بفقراء الأمة الذين سيأتون بعد ذلك، وإلى يوم القيامة.. لقد اهتمَّ في حياته صلى الله عليه و سلم بالفقراء الذين يعيشون حوله هنا وهناك، لكنه لم ينسَ فقراء الأمة على مَرِّ الأجيال فأوصى بهم، وحذَّر الأمة من إهمالهم.. والأحاديث في حَثِّ الأغنياء على الإنفاق على الفقراء لا حصر لها، فمنها قوله صلى الله عليه و سلم :"مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"[7]. ومنها قوله صلى الله عليه و سلم لأسماء رضي الله عنها ينصحها، وينصح المسلمين بالإنفاق على الفقراء بغير حساب: "أَنْفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ"[8]. كما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرحم معنويات الفقراء، ولا يريد أن يُشعِرَهُم بنقصهم عن غيرهم، ومن أروع دلائل رحمته في هذا المجال ما رواه أبو رافع رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم من أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا ضَحَّى اشترى كبشين سمينين قرنين أملحين، فإذا صَلَّى وخطب الناس أُتِيَ بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: "اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا مِمَّنْ شَهِدَ لَكَ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ ثُمَّ يُؤْتَى بِالْآخَرِ فَيَذْبَحُهُ بِنَفْسِهِ وَيَقُولُ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا الْمَسَاكِينَ وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا"[9]. إلى هذه الدرجة الراقية من الرحمة وَصَلَ رسول الله صلى الله عليه و سلم .. إنها رحمته بالأحاسيس والمشاعر، وليس فقط بالمادة والجسد.. ثم إنه صلى الله عليه و سلم كان يرحم المحتاج أيًا كانت صورة احتياجه، ويحثُّ المؤمنين على عون المحتاجين، وما أروع ما قاله صلى الله عليه و سلم ، وهو يوسِّع مفهوم الصدقة عند المسلمين حتى تشمل أعمالاً كثيرة ليس فيها درهم ولا دينار، إنما قصد بذلك أن تشيع الرحمة بين الناس، ولا يبقى في وسطهم معوز ولا محتاج.. يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : "تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنْ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ"[10]. ألا ما أرحم هذا التوجيه وما أروعه!! والروايات في هذا المضمار كثيرة جدًا، وتضيف من المعاني ما يعجز عن وصفه اللسان.. ففي رواية يُضيف: "يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ"[11]. وفي رواية أخرى: "تَسْلِيمُهُ عَلَى مَنْ لَقِيَ صَدَقَةٌ"[12]. ويضيف كذلك: "وَبُضْعَتُهُ أَهْلَهُ صَدَقَةٌ"[13]. بل يوسع الدائرة أكثر وأكثر ليشمل البشرَ والحيوانَ والطيرَ!! يقول صلى الله عليه و سلم : "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَتْ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ"[14]. ألا فلنتخيل العالم وقد طُبقِّ فيه هذا المنهج، وانتشرت فيه هذه الرحمة، ألن يكون ذلك سببًا في سعادة بحث عنها الكثيرون فلم يجدوها!! وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخشى على أمته من موجبات الهَلَكَة، ومن أسباب الضياع والسقوط، فكان دائم التحذير للأمة من أمور شتى.. كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحذر الأمة من الذنوب، ويوضح خطرها على كيانها وقوتها مهما كانت الذنوب بسيطة في عين المسلم.. يقول صلى الله عليه و سلم : "إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ"[15]. وكان يحذر من الرِّبا فيقول: "لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا"[16] وكان يخاف على الأمة من الرياء؛ فيقول: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً؟"[17] وكان صلى الله عليه و سلم يخاف على الأمة ويحذرها من الأئمة المضلِّين.. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "أَنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ"[18]. وكان صلى الله عليه و سلم يحذَّر أمته كثيرًا من الفُرقَةِ والتشاحن والتصارع، وتشعر في كلماته بحزن دفين، وبألم عميق، وبخوف حقيقي على الأمة، وكأنه يستقرئُ واقعًا هو حادث لا محالة.. يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم منبهًا محذرًا: "فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"[19]. وكان ينبِّه بحب ورحمة: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"[20]. إنَّ هذا كان ديدنه صلى الله عليه و سلم ، والذي يعكس عاطفة قوية نحو أمته، وشعورًا بالمسؤولية حتى بعد الموت، ورغبة حقيقية في تبصير الأمة بما قد يحدث لها مستقبلاً.. إنها الوصايا التي تنبع من قلب رحيم، أرحم بالمسلمين من آبائهم وأمهاتهم، بل أرحم بهم من أنفسهم.. لذلك وصف رسول الله صلى الله عليه و سلم للمسلمين مستقبلهم وما فيه من فتن، ليستطيعوا التغلب على الصعاب، والخروج من الفتن سالمين.. وأحيانًا يكون الوصف محددًا جدًا حتى يصف أدق الأشياء.. يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ"[21]. ويقول أيضًا صلى الله عليه و سلم : "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ"[22]. وأمثلة هذا الأحاديث التي تصف مستقبل الأمة كثيرة، فَصَّلت أحوالاً كثيرة ستمرُّ بها الأمة، وكيف يكون المخرج والنجاة، وليتحقق بذلك قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلِهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ"[23]. لقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخاف على أمته التي ستأتي بعده، ويرحمها، ويتمنى لها السلامة والأمن، حتى تمنى أن يراهم رأي العين من شدة شوقه إليهم! قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا قَالُوا أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ فَقَالُوا كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا"[24]. وما أجمل أن نختم هذا المبحث بموقف يعكس مدى انشغال رسول الله صلى الله عليه و سلم بأمته ورحمته بها، ومدى تقدير رب العالمين سبحانه وتعالى لهذه الرحمة.. يروي عبد الله بن عمرو بن العاص {أن النبي صلى الله عليه و سلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم u: "رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي"، وَقَالَ عِيسَى u: "إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي" وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟" فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ uفَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ: "يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ"[25]. هل بعد ذلك من رحمة؟! ولقد صدقتَ ربَّنا إذ وصفتَ حبيبنا بقولك: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[26]". -------------------- [1]اميل درمنغم (مستشرق فرنسي عمل مديرًا لمكتبة الجزائر): حياة محمد، تعريب عادل زعيتر، ط 2، دار العلم للملايين،صـ 183. [2]قصة الحضارة 14/ 365. [3] البخاري: أبواب التهجد، باب تحريض النبي صلى الله عليه و سلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب (1076)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب استحباب صلاة الضحى (718)، وأبو داود (1293)، وأحمد (25490)، ومالك برواية يحيى الليثي (357)، وابن حبان (313). [4]أحمد: (24603)، وابن خزيمة (2104)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري. [5]البخاري: كتاب الصوم، باب السواك الرطب واليابس للصائم، ولم يذكر له رقمًا ، وأحمد (9930). [6]رواه الترمذي في سننه (26) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (534)، وأحمد (967)، وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح. [7]البخاري: كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {فأما من أعطى واتقى. وصَدَّق بالحسنى} (1374)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك (1010)، وابن حبان (3329)، والحاكم (8679). [8]البخاري: كتاب الهبة وفضلها، باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج فهو جائز إذا لم تكن سفيهة، فإذا كانت سفيهة لم يجز (2451)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب الحث في الإنفاق وكراهة الإحصاء (1029)، والنسائي (2550)، وأحمد (26967)، وابن حبان (3209). [9]أحمد (27234)، والحاكم (3478) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه [10]الترمذي (1956) وقال: حديث حسن غريب، وابن حبان (529)، والبخاري في الأدب المفرد (891)، والطبراني في الأوسط (8342)، والبيهقي في شعب الإيمان (3377)، وقال الشيخ الألباني في صحيح الجامع: صحيح، حديث (2908). [11]البخاري: كتاب الأدب، باب كل معروف صدقة (5676)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (1008)، والنسائي (2538)، وأحمد (19549)، والدارمي (2747)، والأدب المفرد للبخاري (225). [12]أبو داود (1285)، وقال الشيخ الألباني: صحيح. [13]أبوداود (1285)، وأحمد (21588)، والنسائي في سننه الكبرى (9028)، ولفظ أحمد والنسائي: مباضعتك أهلكَ صدقة، وقال الشيخ الألباني: صحيح. [14]البخاري: كتاب المزارعة، باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه (2195)، ومسلم في المساقاة باب فضل الغرس والزرع (1553) واللفظ له، وأحمد (13413)، والدارمي (2610)، والترمذي (1382). [15]أحمد (22860) بسند حسن كما ذكر الحافظ ابن حجر، وكذلك النسائي وابن ماجة والطبراني، وصححه ابن حبان، وقال الشيخ الألباني: صحيح، انظر السلسلة الصحيحة حديث (389). [16]أحمد (5885). [17]أحمد (23686)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح، والطبراني في الكبير (4301)، والبيهقي في شعب الإيمان (4301)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وقال الشيخ الألباني في صحيح الجامع: صحيح حديث (1555). [18]أحمد (27525)، والدارمي (211)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره. [19]البخاري: كتاب الجزية، باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب (2988)، ومسلم كتاب الزهد والرقائق (2961)، والترمذي (2462)، وابن ماجة (3997)، وأحمد (17273)، والطبراني في الكبير (39). [20]البخاري: كتاب العلم، باب الإنصات للعلماء (121)، ومسلم في الإيمان باب بيان معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم لا ترجعوا بعدي كفارًا (65)، وأبو داود (4686)، والترمذي (2193)، والنسائي (4125)، وابن ماجة (3942)، وأحمد (3815)، والدارمي (1921)، وابن حبان (187). [21]البخاري: كتاب المناقب، باب علامات الأنبياء (3413)، ومسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، وباب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل (157)، وأحمد (8121)، وابن حبان (6734). [22]البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب قتال اليهود (2768)، ومسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل (2922)، وأحمد (9161). [23]سبق تخريجه. [24]مسلم: كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (249)، ومالك برواية يحيى الليثي (58)، والنسائي (150)، وابن ماجة (4306)، وأحمد (7980)، وابن خزيمة (6)، وابن حبان (7240). [25]مسلم: كتاب الإيمان، باب دعاء النبي صلى الله عليه و سلم لأمته وبكائه شفقةً عليهم (202)، والآيات إبراهيم: 36، المائدة: 118. [26](الأنبياء: 107).