المبحث الرابع: عدم دموية الحروب النبوية لقد منع محمد العرب من سفك الدماء ووأد البنات[1] في عام 1979م وقع الغزو السوفيتي لأفغانستان، والذي استمر عشر سنوات ترك فيها البلد في حالة من الدمار التام[2]، بعد أن قُتِل من الأفغان ما يربو على مليون قتيل، وشوَّه ضعف هذا العدد، وشرَّد إلى البلاد المجاورة أكثر من ستة ملايين شخص[3]. هذا حالهم أما الإسلام فهو شيء آخر!! تميَّزت الحروب النبوية بأنها حروب غير دموية، بمعنى أنها لم يكن فيها ما يُعرف الآن بجرائم إبادة الشعوب، حيث نجد فيما يُسمى "بحضارات" العالم الحديثة أن بعض الزعماء أخذوا قرارات نتج عنها إفناءٌ لِكَمٍّ هائلٍ من البشر في مدينة أو دولة أو أحيانًا قارة!. لكن حروب رسول الله صلى الله عليه و سلم لم تكن على هذه الصورة، ذلك أنه – كما ذكرنا – كان حريصًا على تجنب القتال ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وإذا اضطر إليه حاول أن ينهيه بسرعة، وأثناء القتال نفسه كان يحفظ دماء المدنيين، وكذلك يحفظ دماء المستكرهين على القتال، ثم بعد القتال كان يعفو إذا ملك، ويسامح ويرحم إذا غَلَب. فجاءت حروبه على مستوى من الرقي لا تعرفه – بل لا تفهمه – "الحضارات" الحديثة! ولغة الأرقام لا تكذب! لذلك فقد قمت بإحصاء عدد الذين ماتوا في كل الحروب النبوية، سواء من شهداء المسلمين، أو من قتلى الأعداء، ثم قمت بتحليل لهذه الأعداد، وربطها بما يحدث في عالمنا المعاصر، فوجدت عجبًا!! لقد بلغ عدد شهداء المسلمين في كل معاركهم أيام رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وذلك على مدار عشر سنوات كاملة، 262 شهيدًا، وبلغ عدد قتلى أعدائه صلى الله عليه و سلم 1022 قتيلاً، وقد حرصت في هذه الإحصائية على جمع كل من قُتل من الطرفين حتى ما تم في حوادث فردية، وليس في حروب مواجهة، كما أنني حرصت على الجمع من الروايات الموثَّقة بصرف النظر عن الأعداد المذكورة، وذلك كي أتجنب المبالغات التي يقع فيها بعض المحققين بإيراد الروايات الضعيفة التي تحمل أرقامًا أقل[4]، وذلك لتجميل نتائج الحروب النبوية![5] وبذلك بلغ العدد الإجمالي لقتلى الفريقين 1284 قتيلاً فقط!! ولكي لا يتعلل أحدٌ بأن أعداد الجيوش آنذاك كانت قليلة ولذلك جاء عدد القتلى على هذا النحو، فإنني قمت بإحصاء عدد الجيوش المشتركة في المعارك، ثم قمت بحساب نسبة القتلى بالنسبة إلى عدد الجيوش، فوجدت ما أذهلني!! إن نسبة الشهداء من المسلمين إلى الجيوش المسلمة تبلغ 1% فقط، بينما تبلغ نسبة القتلى من أعداء المسلمين بالنسبة إلى أعداد جيوشهم 2%! ، وبذلك تكون النسبة المتوسطة لقتلى الفريقين هي 1.5% فقط! إن هذه النسب الضئيلة في معارك كثيرة بلغت 25 أو 27 غزوة[6]، و38 سرية[7]، أي أكثر من 63 معركة، لمن أصدق الأدلة على عدم دموية الحروب في عهده صلى الله عليه و سلم . ولكي تتضح الصورة بشكل أكبر وأظهر فقد قمت بإحصاء عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية – كمثال لحروب "الحضارات" الحديثة - ثم قمت بحساب نسبة القتلى بالقياس إلى أعداد الجيوش المشاركة في القتال، فصُدِمْتُ بمفاجأة مذهلة!!! إن نسبة القتلى في هذه الحرب الحضارية بلغت 351% !!! ومن جديد.. إن الأرقام لا تكذب!!! لقد شارك في الحرب العالمية الثانية 15.600.000 جندي، ومع ذلك فعدد القتلى بلغ 54.800.000 قتيل!!! أي أكثر من ثلاثة أضعاف الجيوش المشاركة! وتفسير هذه الزيادة هو أن الجيوش المشاركة جميعًا – وبلا استثناء – كانت تقوم بحروب إبادة على المدنيين، وكانت تسقط الآلاف من الأطنان من المتفجرات على المدن والقرى الآمنة، فتبيد البشر، وتُفني النوع الإنساني، فضلاً عن تدمير البنى التحتية، وتخريب الاقتصاد، وتشريد الشعوب!! لقد كانت كارثة إنسانية بكل المقاييس! وليس خافيًا على أحد أن المشاركين في هذه المجازر كانت الدول التي تعرف آنذاك – والآن – بالدول المتحضرة الراقية! كبريطانيا وفرنسا وأمريكا وألمانيا وإيطاليا واليابان! أي تحضر هذا؟! وعن أي رقىًّ يتكلمون؟! ثم أين أولئك الذين يصفون رسولنا صلى الله عليه و سلم بالعنف والإرهاب؟! قارن هذه النسب المفجعة بما كان على عهد رسول الرحمة صلى الله عليه و سلم. وسوف نذكر في آخر البحث – إن شاء الله – بعض الأرقام الأخرى التي قد تنير الطريق لمن أراد الهداية! إن العودة للأرقام سترد كل مُنصفٍ إلى جادَّة الطريق، أما من اختار العمى على الهدى فلا يلومنَّ إلا نفسه!! -------------------------------------------------- [1]آرلونوف ( باحث روسي): مقال بعنوان: النبي محمد، مجلة الثقافة الروسية، ج 7، عدد 9 [2]هيثم هلال: موسوعة الحروب،476. [3]د.احمد كنعان: ذاكرة القرن العشرين ص104. [4]اعتمدت في حصر الأرقام على ما ورد أولاً في كتب الصحاح والسنن والمسانيد، ثم على روايات كتب السيرة بعد توثيقها، كسيرة ابن هشام، وعيون الأثر، وزاد المعاد، والسيرة النبوية لابن كثير، والطبري، وغيرهم. [5]كما يذكر بعضهم أن شهداء حادثة بئر معونة هم سبعة وعشرون شهيدًا بينما الصواب سبعون شهيدًا، أو كما يُسقط بعضهم قتلى بني قريظة من الحساب بحجة أنهم لاقوا ما يستحقون نتيجة خيانتهم، بينما الصواب أن نثبتهم لأنها كانت معركة حقيقية بصرف النظر عن أسبابها! وهكذا. [6]ابن القيم الجوزية: زاد المعاد 1/125، ابن حزم: جوامع السيرة 1/16. [7]ابن كثير: السيرة النبوية 4/432.