المطلب السادس: ثمامة بن أثال: كان ثمامة بن أثال زعيمًا مشهورًا من زعماء بني حنيفة، وكان قد قرر أن يأتي للمدينة المنورة ليقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم [1]، فأسره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاءوا به إلى المسجد النبوي، فماذا كان رَدُّ فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من جاء ليقتله؟! إن الرجل الآن أسير، والأسير يجب إحسان معاملته، والقاعدة لا استثناء فيها، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أحسنوا إساره"[2]، وقال أيضًا: "اجمعوا ما عندكم من طعام فابعثوا به إليه"[3]، فكانوا يقدمون إليه لبن لقحة[4] الرسول صلى الله عليه وسلم . ثم انظر إلى هذا الحوار الراقي الذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجل الذي جاء ليقتله، فأصبح أسيرًا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ صلى الله عليه وسلم : ‏مَاذَا عِنْدَكَ يَا ‏ثُمَامَةُ؟‏فَقَالَ: عِنْدِي يَا‏ مُحَمَّدُ ‏خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ‏ثُمَامَةُ؟‏‏قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ . فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حَتَّى كَانَ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ: مَاذَا عِنْدَكَ يَا ‏ثُمَامَةُ؟‏فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "‏أَطْلِقُوا ‏ثُمَامَةَ".‏‏ فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ ‏مُحَمَّدًا ‏ ‏عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ يَا‏ ‏مُحَمَّدُ،‏ ‏وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا ‏‏تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ ‏ ‏مَكَّةَ ‏‏قَالَ لَهُ قَائِلٌ:‏ ‏أَصَبَوْتَ؟‏ ‏فَقَالَ: لَا وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏وَلَا وَاللَّهِ لَا‏ ‏يَأْتِيكُمْ مِنْ ‏الْيَمَامَةِ ‏حَبَّةُ ‏‏حِنْطَةٍ ‏حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ‏‏ صلى الله عليه وسلم [5].فهذه المعاملة الكريمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تركت في نفس ثمامة أثرًا طيبًا إلى درجة أنه غَيِّر دينه، وأسلم لله رب العالمين، دون ضغط أو إكراه، بل إن إسلامه وُلِدَ قويًا إلى الدرجة التي دفعته إلى مقاطعة قريش من أجل أنها تحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم مضحيًا بذلك بثروة هائلة كانت تأتيه من تجارته معها، ومضحيًا كذلك بعلاقات اجتماعية مهمة مع أشراف قريش.وسبحان الذي أَدَّب رسولَنا صلى الله عليه وسلم ؛ فأحسن تأديبه!! -----------------------[1] البيهقي: السنن الكبرى (17810)، ابن حجر: الإصابة 1/302، ابن الأثير: أسد الغابة 1/337.[2] ابن هشام: السيرة النبوية: 6/51.[3] انظر: ابن حجر: فتح الباري: 8/88.[4] لقحة: الناقة الحلوب.[5] البخاري: كتاب أبواب المساجد باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضًا في المسجد (450)، مسلم: كتاب الجهاد والسير. باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه، واللفظ له (1764)، وأبو داود (2679)، والنسائي مختصرًا (712 )، وابن خزيمة (252)، والحنطة القمح.