وفي رعايته للإنسانية وحقوق الإنسان مظهر آخر من مظاهر رحمته ~ صلى الله عليه و سلم ~ .. لقد عاش النبي~ صلى الله عليه و سلم ~ حياته يخدم الإنسان، ويهذب الإنسان، ويعلم الإنسان، ويدافع عن الإنسان.. ! لقد كان إنسانًا بكل ما في الكلمة من معان. وكانت سعادة نفسه ورضاها، في كونه إنسانًا، يأكل كما يأكل العبد، ويلبس كما يلبس العبد، يسأل ربه دومًا أن يحيه مسكينًا وأن يمته مسكينًا، وأن يحشره في زمرة المساكين .. و لا يأنف أن يطمئن رجلاً دخل علي حضرته – صلوات الله وسلامه عليه - ، وقد ارتعدت أوصال الرجل، من شدة هيبة النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~، ظنًا منه أنه إنما دخل على جبار أو ملك، والنبي يهدىء من روعه قائلاً : " هون عليك ! فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد !" [1] . "لقد كان محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ أنموذجًا للحياة الإنسانية بسيرته وصدق إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة. بل مثالاً كاملاً للأمانة والاستقامة وإن تضحياته في سبيل بث رسالته الإلهية خير دليل على سموّ ذاته ونبل مقصده وعظمة شخصيته وقدسية نبوته... وما حياة الرسول ~ صلى الله عليه و سلم ~ سوى سلسلة وقائع تاريخية عظيمة الشأن نبيلة المرمى يتجلى فيها مقامه السامي من الحلقة الإنسانية " [2] .. تقول "اللادي ايفلين كوبولد": ".. لعمري، ليجدن المرء في نفسه، ما تقدم إلى قبر محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ روعة ما يستطيع لها تفسيرًا، وهي روعة تملأ النفس اضطرابًا وذهولاً ورجاء وخوفًا وأملاً، ذلك أنه أمام نبي مرسل وعبقري عظيم لم تلد مثله البطون حتى اليوم.. إن العظمة والعبقرية يهزان القلوب ويثيران الأفئدة فما بالك بالعظمة إذا انتظمت مع النبوة، وما بالك بها وقد راحت تضحي بكل شيء في الحياة في سبيل الإنسانية وخير البشرية" [3] . 4ويؤكدالقس "دافيد بنجامين كلدانى" في مؤلفه : " محمد في الكتاب المقدس ": " أقام دين الإسلام الذي وحد في أخوة حقيقية ، جميع الأمم والشعوب التي لا تشرك بالله شيئاً . إن جميع الشعوب الإسلامية تطيع رسول الله~ صلى الله عليه و سلم ~ وتحبه تحترمه! لأنه مؤسس دعائم دينها، ولكنها لا تعبده أبداً ولا ترفعه إلى مقام التقديس والتأليه" [5] .. ويقول الباحث السويسري ماكس فان برشم ( 1863 _ 1921 ) : " إن محمداً ~ صلى الله عليه و سلم ~ نبي العرب من أكبر مريدي الخير للإنسانية، وإن ظهور محمد~ صلى الله عليه و سلم ~ للعالم أجمع إنما هو أثر عقل عال ، وإن افتخرت آسية بأبنائها فيحق لها أن تفتخر بهذا الرجل العظيم .." [6] .. و تلخص الموسوعة البريطانية السيرة الكفاحية لحياة الرسول ~ صلى الله عليه و سلم ~ واجتهاده في خدمة الإنسانية عربياً وعالمياً فتقول : "إن محمداً ~ صلى الله عليه و سلم ~، اجتهد في الله .. وفي نجاة أمته ، وبالأصح : اجتهد في سبيل الإنسانية جمعاء" [7] .. و"ما أجمل ما قال المعلم العظيم ~ صلى الله عليه و سلم ~ :(الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ.).. " [8] ------------------------------------------------------------------------------------------------ [1] صحيح - رواه الحاكم عن أبي مسعود، رقم 3692، قال الألباني في السلسلة الصحيحية (1876) : صحيح . [2] أحمد سوسة : في طريقي إلى الإسلام ص 1 / 174 – 175. [3] اللادي ايفلين كوبولد: البحث عن الله ، ص52. [4] دايفد بنجامين كلداني (عبد الأحد داوود ) : محمد في الكتاب المقدس ، 82. [5] المصدر السابق. [6] ماكس فان برشم : العرب في آسية، 57 [7] الموسوعة البريطانية [8] جان ليك : العرب ، ص 43. والاستشهاد بالحديث من جان ليك. وحديث :(الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ.) هو حديث رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم 9891، وفي رواية البيقهي في شعب الإيمان، « الخلق كلهم عيال الله ، وأحب الخلق أنفعهم لعياله » برقم 7193، ولقد ضعف الألباني هذه الصيغة في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " 4 / 372، لكنه صحح الصيغة الآخرى في حديث: " الخلق كلهم عيال الله ، و تحت كنفه ، فأحب الخلق إلى الله من أحسن إلى عياله " في الصحيحة " ( 427 ). ,