ورغم جهود محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ في تحرير العبيد إلا أن بعض الحاقدين زعموا أن محمداً ~ صلى الله عليه و سلم ~ سن الاسترقاق! ونحن نترك العلامة" لايتنر" يرد على هذه الفرية، فيقول: ".. إنا نرى الأغبياء من النصارى يؤاخذون دين الإسلام كأنه هو الذي قد سنّ الاسترقاق، مع أن محمدًا ~ صلى الله عليه و سلم ~ قد حضّ على عتق الرقاب، وهذه أسمى واسطة لإبطاله حقيقة" [1] .. كذلك يتحدث الكاتب الفرنسي "فانسان مونتييه" [2]، مستنكراً هذه الشبيهة على أصحابها، فيقول: " إنهم يتهمون الإسلام بظاهرة الرَقّ التي وُجِدَتْ قبل الإسلام وليس بعده، بل حين انتشر الإسلام وطُبقت تعاليمه كان يسعى لإلغاء الرّق، بل إن كثيراً من الكفَّارات للذنوب التي يقدم عليها المرء هو تحرير الرقاب الذي عَدَّه الإسلام تقرباً وطاعة لله" [3] .. ويتحدث كويليام [4] عن هذه الرويات التي اختلقها الحاقدون، وزعموا أن محمداً ~ صلى الله عليه و سلم ~ ، سن الإسترقاق والخناسة .. فيقول : "إن روايات كهذه مجردة بالمرة عن الحقيقة، لا يمكن تصديقها وتصور وقوعها" [5] .. ويدلل على حقيقة أن محمداً ~ صلى الله عليه و سلم ~ له الفضل في القضاء على النخاسة في الجزيرة العربية، فيضرب مثالاً بمناطق شرق ووسط أفريقيا، التي تفشت فيها مظاهر النخاسة والاسترقاق، ويبين أن السبب في تفشي هذه المظاهر في هذه المناطق هو "لأن الإسلام لم يدخل فيها ! ! وبرهان ذلك أن الإسلام من خصائصه إبطال النخاسة إبطالاً دائمًاً" [6] .. رغم أن تجار النخاسة والرق – كما يقول ادوار بروي – كانوا "من الأوربيين" [7] .. ومن ثم.. "توقفت حركة التطور في البلدان [الأفريقية] على أثر العبث الذريع الذي أحدثه في تلك الأرجاء تجار النخاسة والرق من الأوربيين " [8] . وإذا قيل: إن الإسلام لم يلغِ الرق والاتجار بالبشر إلغاءً كاملاً رغم عظم مجهودات نبي الإنسانية ~ صلى الله عليه و سلم ~ في مكافحة الاسترقاق.. فجواب ذلك أن الدولة الإسلامية وحدها لا تستطيع أن تقضي تمامًا على عادة الاسترقاق والاتجار بالبشر، وذلك لعدة أساب وجيهة ومنطقية.. السبب الأول: أن مظاهر الاسترقاق والاتجار بالبشر كانت متأصلة ومنتشرة في المجتمعات الإنسانية، العربية وغير العربية، منذ قديم الزمن، فكان على الشرع الإسلامي -كعادته- أن يستخدم التدرج في القضاء على المنكرات والأعراف الفاسدة، فضيّق منافذ الاسترقاق ووسع أبواب العتق. السبب الثاني: أن هذه العادات كانت قبل ظهور الإسلام بمثابة الأعراف الدولية، فقد كانت جميع الدول والإمبراطوريات -دون استثناء- تمارس الاسترقاق والاتجار بالبشر، ومن ثَم فإن القضاء على الرق يحتاج إلى اتفاق دولي عام، يلزم الجميع بمنع الاسترقاق أو الاتجار بالبشر.. ومعلوم أن الدولة الإسلامية أيام النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ لم تكن من القوة والانتشار بالقدر الذي يسمح لها بمنع هذه العادات. السبب الثالث: أن الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام، وإذا أصدرت الدولة قرارًا بمنع الرق؛ فسوف يقع حرج شديد على هؤلاء الناس الذين أصبحت تجاراتهم وأعمالهم تقوم على كاهل هؤلاء العبيد.. فكان على النظام الإسلامي أن يأخذ بمبدأ التدرج في منع الاسترقاق والاتجار بالبشر. السبب الرابع: أن الدولة الإسلامية لم تكن تمتلك من الإمكانيات الاقتصادية والمالية بحيث تتمكن من كفالة هؤلاء العبيد بعد تحريرهم، أو حتى توفير فرص عمل لهم جميعًا، فمن المعروف أن العبيد كانوا في كفالة أسيادهم، يطعمون من مال السادة، ويحترفون لهم في مهنهم.. ------------------------------------------------------------------------------------------------ [1] لايتنر :دين الإسلام ، ص 7 . [2] شغل منصب أستاذ اللغة العربية والتاريخ الإسلامي بجامعة باريس، وشغل منصب رئيس "مؤسسة الدراسات الإسلامية في "داكار"، وله عدة دراسات منها: كتاب "الإرهاب الصهيوني"، "والمسلمون في الاتحاد السوفيتي"، وكتاب "الإسلام في إفريقيا السوداء"، كما قد قام بترجمة ابن خلدون إلى الفرنسية. [3] انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا، 231 [4] مفكر إنكليزي، ولد سنة 1856، وأسلم سنة 1887 ، وتلقب باسم : (الشيخ عبدالله كويليام، ومن آثاره : (العقيدة الإسلامية ) (1889) ، و (أحسن الأجوبة). [5] عبد الله كويليام : العقيدة الإسلامية ، ص26 [6] عبد الله كويليام العقيدة الإسلامية ، ص26 [7] ادوار بروي :تاريخ الحضارات العام 3 / 564 [8] ادوار بروي :تاريخ الحضارات العام 3 / 564