فصل في هدية في هيئة الجلوس للأكل صح عنه أنه لا آكل متكئا وقال إنما أجلس كما يجلس العبد وآكل كما يأكل العبد ،، وروى ابن ماجه في سننه أنه نهى أن يأكل الرجل وهو منبطح على وجهه ،، وقد فسر الاتكاء بالتربع وفسر بالاتكاء على الشيء وهو الاعتماد عليه وفسر بالاتكاء على الجنب والأنواع الثلاثة من الاتكاء فنوع منها يضر بالآكل وهو الاتكاء على الجنب فإنه يمنع مجرى الطعام الطبيعي عن هيئتة ويعوقه عن سرعة نفوذه إلى المعدة ويضغط المعدة فلا يستحكم فتحها للغذاء وأيضا فإنها تميل ولا تبقى منتصبة فلا يصل الغذاء إليها بسهولة وأما النوعان الآخران فمن جلوس الجبابرة المنافي للعبودية ولهذا قال آكل كما يأكل العبد وكان يأكل وهو مقع ويذكر عنه أنه كان يجلس للأكل متوركا على ركبتيه ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر قدمه اليمنى تواضعا لربه عز وجل وأدبا بين يديه واحتراما للطعام وللمؤاكل فهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي الذي خلقها الله سبحانه عليه مع ما فيها من الهيئة الأدبية وأجود ما اغتدى الإنسان إذا كانت أعضاؤه على وضعها الطبيعي ولا يكون كذلك إلا إذا كان الإنسان منتصبا الانتصاب الطبيعي وأردأ الجلسات للأكل الاتكاء على الجنب لما تقدم من أن المرىء وأعضاء الازدراد تضيق عند هذه الهيئة والمعدة لا تبقى على وضعها الطبيعي لأنها تنعصر مما يلي البطن بالأرض ومما يلي الظهر بالحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التنفس وإن كان المراد بالاتكاء الاعتماد على الوسائد والوطاء الذي تحت الجالس فيكون المعنى أني إذا أكلت لم أقعد متكئا على الأوطية والوسائد كفعل الجبابرة ومن يريد الإكثار من الطعام لكني آكل بلغة كما يأكل العبد فصل وكان يأكل بأصابعه الثلاث وهذا أنفع ما يكون من الأكلات فإن الأكل بأصبع أو أصبعين لا يستلذ به الآكل ولا يمريه ولا يشبعه إلا بعد طول ولا تفرح الآت الطعام والمعدة بما ينالها في كل أكله فتأخذها على إغماض كما يأخذ الرجل حقه حبة أو حبتين او نحو ذلك فلا يلتذ بأخذه ولا يسر به والأكل بالخمسة والراحة يوجب ازدحام الطعام على الآته وعلى المعدة وربما انسدت الآلات فمات وتغصب الآلآت على دفعه والمعدة على احتماله ولا يجد له لذة ولا استمراء فأنفع الأكل أكله وأكل من اقتدى به بالأصابع الثلاث فصل ومن تدبر أغذيته وما كان يأكله وجده لم يجمع قط بين لبن وسمك ولا بين لبن وحامض ولا بين غذاءين حارين ولا باردين ولا لزجين ولا قابضين ولا مسهلين ولا غليظين ولا مرخيين ولا مستحيلين إلى خلط واحد ولا بين مختلفين كقابض ومسهل وسريع الهضم وبطيئه ولا بين شوي وطبيخ ولا بين طري وقديد ولا بين لبن وبيض ولا بين لحم ولبن ولم يكن يأكل طعاما في وقت شدة حرارته ولا طبيخا بائتا يسخن له بالغد ولا شيئا من الأطعمة العفنة والمالحة كالكوامخ والمخللات والملوحات وكل هذه الأنواع ضار مولد لأنواع من الخروج عن الصحة والاعتدال وكان يصلح ضرر بعض الأغذية ببعض إذا وجد إليه سبيلا فيكسر حرارة هذا ببرودة هذا ويبوسه هذا برطوبة هذا كما فعل في القثاء والرطب وكما كان يأكل التمر بالسمن وهو الحيس ويشرب نقيع التمر يلطف به كيموسات الأغذية الشديدة وكان يأمر بالعشاء ولو بكف من تمر ويقول ترك العشاء مهرمة ذكره الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه وذكر أبو نعيم عنه أنه كان ينهى عن النوم على الأكل ويذكر أنه يقسي القلب ولهذا في وصايا الأطباء لمن أراد حفظ الصحة أن يمشي بعد العشاء خطوات ولو مائة خطوة ولا ينام عقبة فإنه مضر جدا وقال مسلموهم أو يصلي عقبه ليستقر الغذاء بقعر المعدة فيسهل هضمه ويجود بذلك ولم يكن من هدية أن يشرب على طعامه فيفسده ولا سيما إن كان الماء الحار أو باردا فإنه رديء جدا قال الشاعر : ( لا تكن عند أكل سخن وبرد % ودخول الحمام تشرب ماء ) ( ما اجتنبت ذلك حقا % لم تخف ما حييت في الجوف داء ) ويكره شرب الماء عقيب الرياضة والتعب وعقيب الجماع وعقيب الطعام وقبله وعقيب أكل الفاكهة وإن كان الشرب عقيب بعضها أسهل من بعض وعقب الحمام وعند الانتباه من النوم فهذا كله مناف لحفظ الصحة ولا اعتبار بالعوائد فإنها طبائع ثوان