22ـ زينب بنت رسول الله وزوجها أبو العاص بن الربيع · عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : لما بعث أهل مكة في فداء أساراهم بعث زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بمال وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك القلادة رق لها رقة شديدة وقال : " إن رأيتم أن تطلقوا أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا" فقالوا : نعم يا رسول الله فاطلقوه وردوا عليه الذي لها. · عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أن قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة أو ابن كنانة فخرجوا في إثرها ، فأدركها هبار بن الأسود فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها ،وألقت ما في بطنها ، وأهريقت دماً ، فتحملت فاشتجر فيها بنو هاشم ، وبنو أمية ، فقالت بنو أمية : نحن أحق بها وكانت تحت أبي العاص ، وكانت عند هند بنت عتبة بن ربيعة ، وكانت تقول لها هند : هذا في سبب أبيك . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة : " ألا تنطلق فتجيئ بزينب " ؟ فقال : بلى يا رسول الله ، قال : " فخذ خاتمي فاعطها إياه " ، فانطلق زيد فلم يزل يتلطف حتى لقي راعياً ، فقال : لمن ترعى ؟ قال : لأبي العاص ،قال : فلمن هذه الغنم ؟ قال لزينب بنت محمد ، فسار معه شيئاً . ثم قال : هل لك إن أعطيتك شيئاً تعطها إياه ولا تذكره لأحد ؟ قال : نعم ، فأعطاه الخاتم وأنطلق الراعي ، فأدخل غنمه وأعطاها الخاتم فعرفته ، فقالت : من أعطاك هذا ؟ قال : رجل ، قالت : وأين تركته ؟ قال بمكان كذا وكذا ، فسكتت حتى إذا كان الليل خرجت إليه فلما جاءته قال لها : أركبي بين يدي على بعيره ، فقالت : لا ولكن أركب أنت بين يدي ، فركب وركبت وراءه ، حتى أتت المدينة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هي أفضل بناتي أصيبت في " · "ولم يزل أبو العاص مقيما على شركة حتىإذا كان قبيل فتح مكة خرج بتجارة إلىالشام بأموال من أموال قريش أبضعوها معه فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلا لقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو الذي وجه السرية للعير التي فيها أبو العاص قافلة من الشام وكانوا سبعين ومائة راكب أميرهم زيد بن حارثة وذلك في جمادي الأول في سنة ست من الهجرة فأخذوا ما في تلك العير من الأثقال وأسروا أناسا من العير فاعجزهم أبو العاص هربا فلما قدمت السرية بما أصابوا أقبل أبوالعاص من الليل في طلب ماله حتى دخل على زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستجار بها فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح فكبر وكبر الناس معه " . · عن عائشة رضي الله عنها قالت : صرخت زينب رضي الله عنها أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع قال : فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته أقبل على الناس فقال : " أيها الناس هل سمعتم ما سمعت " قالوا : نعم قال : " أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء كان حتى سمعت منه ما سمعتم أنه يجير على المسلمين أدناهم ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته زينب فقال : " أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له " . · عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص وقال لهم : " إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم وقد أصبتم له مالا فإن تحسنوا تردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك وإن أبيتم ذلك فهو فيئ الله الذي أفاءه عليكم فأنتم أحق به " قالوا : يا رسول الله بل نرده عليه قال : فردوا عليه ماله حتى أن الرجل ليأتي بالحبل ويأتي الرجل بالشنة والإداوة حتى أن أحدهم ليأتي بالشطاط حتى ردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئا ، ثم احتمل إلى مكة فأدى إلىكل ذي مال من قريش ماله ممن كان ابضع منه ، ثم قال : يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه ؟ قالوا : لا فجزاك الله خيراً فقد وجدناك وفيا كريما قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وما منعني من الإسلام عنده إلاتخوفا أن تظنوا أني إنما أردت أخذ أموالكم فلما أداها الله عز وجل إليكم وفرغت منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم . · عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال : إن وجدتم فلاناً وفلاناً فأحرقوهما بالنار ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج : إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا ، وإن النار لا يعذب بها إلا الله ، فإن وجدتموهما فاقتلوهما " . غريب القصة : ـ زينب : هي أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمها خديجة بنت خويلد تزوجها في حياة أمها ابن خالتها أبو العاص فولدت له أمامة التي تزوجها بها علي بن أبي طالب بعد فاطمة ، أسلمت زينب ، وهاجرت قبل إسلام زوجها بست سنين ،عاشت نحو ثلاثين سنة ثم توفيت سنة ثمان من الهجرة وغسلتها أم عطية رضي الله عنها [ السير 1 / 334 ـ 2 / 246] ـ أبو العاص : هو بن الربيع القرشي العبشمي ،صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمه هالة ، وقيل هند بنت خويلد أخت خديجة ، اختلف في اسمه ، وأكثر أنه لقيط ، ولد له من زينب علي وأمامة ، توفي سنة اثنتي عشرة [ أسد الغابة 6 /185] . ـ قلادة : ما يجعل في العنق من الحلي ونحوه . ـ كنانة : هو كنانة بن عدي ابن عم ابي العاص . ـ العير : بكسر العين ما جلب عليه الطعام من قوافل الإبل والبغال والحمير . ـ الشنة : الشن يقال قوس شنة عتيقة . ـ الاداوة : إناء صغير يحمل فيه الماء . ـ الشطاط : خشبة محددة الطرف تدخل في عروتي الجوالقين لتجمع بينهما عند حملهما على البعير . فلانا وفلانا : الاول هو هبار بن الأسود ، وسمي ابن السكن الثاني بأنه نافع ابن عبد قيس ، قال ابن حجر : كذلك هو في النسخ المعتمد من مسند البزار ، وكذلك أورده ابن بشكوال من مسند البزار , وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه من طريق ابن لهيعة ( الفتح 6 / 150 ) . قلت ك هبار هذا أسلم ، وعاش إلى خلافة معوية رضي الله عنه . الفوائد والعبر : 1- جواز تبادل الأسرى . 2- حب الرسول لخديجة رضي الله عنها . 3- الإعانة والهدية في العرس لها في النفوس مكانة خاصة . 4- التلطف وسيلة من وسائل إلى الهدف . 5- تقدم الرجل على المرأة في المسير أتقى وأكثر حياءا . 6- منزلة زينب في قلب النبي صلى الله عليه وسلم 7- جواز الإجارة . 8- جواز القسم لتأكد الأمر . 9- في القصة دليل على عدم علم الرسول بالغيب . 10- الإحسان والكرم وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله . 11- من مناقب أبي العاص . 12- جواز الحكم بالشيء اجتهادا ثم الرجوع عنه . 13- استحباب ذكر الدليل عند الحكم لرفع الالتباس ، والاستنابة في الحدود ونحوها . 14- طول الزمان لا يرفع العقوبة عمن يستحقها . 15- فيه كراهة قتل مثل البرغوت بالنار . 16- فيه نسخ السنة بالسنة وهو اتفاق . 17- فيه مشروعية توديع المسافر لأكابر أهل بلده ، وتوديع أصحاب له أيضا. 18- جواز نسخ الحكم قبل العمل به أو قبل التمكن من العمل به ( من 12 إلى18من الفتح 6 /150) .