أكل عثمان الليَّن من الطعام عن عمرو بن أمية الضُمري، قال‏:‏ إن قريشًا كان من أسن منهم مولعًا بأكل الخزيرة ‏[‏الخزيرة‏:‏ اللحم البائت يقطَّع صغارًا في القدر، ثم يطبخ بالماء الكثير، والملح فإذا أميت طبخًا ذُرَّ عليه الدقيق فعصد به‏.‏ ‏[‏القاموس المحيط، مادة‏:‏ خزر‏]‏، وإني كنت أتعشى مع عثمان خزيرًا من طِبْخ من أجود ما رأيت قط، فيها بطون الغنم وأدمها اللبن والسمن، فقال عثمان‏:‏ كيف ترى الطعام‏؟‏ فقلت‏:‏ هذا أطيب ما أكلت قط، فقال‏:‏ يرحم اللَّه ابن الخطاب، أكلتَ معه هذه الخزيرة قط ‏؟‏ قلت‏:‏ نعم، فكادت اللقمة تفرث ‏[‏تفرث‏:‏ أي تتفتت‏.‏ ‏[‏القاموس المحيط، مادة‏:‏ فرث‏]‏ بين يدي حين أهوي بها إلى فمي وليس فيها لحم، وكان أدمها السمن، ولا لبن فيها، فقال عثمان‏:‏ صدقت، إن عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ أتعب واللَّه من تبع أثره، وأنه كان يطلب بثنيه عن هذه الأمور ظَلفًَا ‏[‏الظلف‏:‏ الشدة والغلظ في المعيشة‏.‏ ‏[‏القاموس المحيط، مادة‏:‏ ظلف‏]‏‏.‏ أما واللَّه ما أكله من مال المسلمين ولكني أكله من مالي، أنت تعلم أني كنت أكثر قريش مالًا وأجدَّهم في التجارة، ولم أزل آكل من الطعام ما لان منه وقد بلغت سنًَّا، فأحب الطعام إليًّ ألينه ولا أعلم لأحد عليَّ في ذلك تبعة‏.‏ وعن عبد اللَّه بن عامر قال‏:‏ كنت أفطر مع عثمان في شهر رمضان، فكان يأتينا بطعام هو ألين من طعام عمر، قد رأيت على مائدة عثمان الدَّرَمك ‏[‏الدَّرَمَك‏:‏ هو دقيق الحواري، وهو تحريف الدرمق‏]‏ وصغار الضأن كل ليلة وما رأيت عمر قط أكل من الدقيق منخولًا، ولا أكل من الغنم إلا مسانَّها‏.‏ فقلت لعثمان في ذلك، فقال‏:‏ يرحم اللَّه عمر ومن يطيق ما كان عمر يطيق‏!‏‏.‏ كرمه ـ رضي اللَّه عنه ـ كان لعثمان على طلحة خمسون ألفًا، فخرج عثمان يومًا إلى المسجد فقال له طلحة‏:‏ قد تهيأ مالك فاقبضه‏.‏ قال‏:‏ هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروءتك‏.‏ بعض أحكامه استخف رجل بالعباس بن عبد المطلب، فضربه عثمان، فاستحسن منه ذلك وقال‏:‏ أيفخم رسول اللَّه عمه وأرخص في الاستخفاف به، لقد خالف رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ من فعل ذلك ورضي به‏.‏ وحدث بين الناس النشو ‏[‏النشو‏:‏ السُكر‏]‏، فأرسل عثمان يطوف عليهم فمنعهم من ذلك، ثم اشتد ذلك فأفشى الحدود ونبّأ ذلك عثمان، وشكاه إلى الناس، فاجتمعوا على أن يجلدوا في التنفيذ فأخذ نفر منهم وجلدوا‏.‏ وبلغ عثمان أن ابن ذي الحبكة النهدي يعالج نيْرنجًا ‏[‏النيرج‏:‏ نوع من السحر‏]‏ قال محمد بن سلمة‏:‏ إنما هو نيرنج، فأرسل إلى الوليد بن عقبة ليسأله عن ذلك فإن أقرَّ به أوجعه، فدعا به، فسأله، فقال‏:‏ إنما هو رفق وأمر يعجب منه، فأمر، فعُزِّرَ، وأخبر الناس خبره وقرأ عليهم كتاب عثمان‏:‏ ‏(‏إنه قد جُدّ بكم فعليكم بالجدّ وإياكم والهزّال‏)‏‏.‏ فكان الناس عليه وتعجبوا من عثمان على وقوف مثل خبره فغضب، فنفر في الذين نفروا‏.‏ فراسته دخل رجل على عثمان فقال له عثمان‏:‏ يدخل عليّ أحدكم والزنا في عينيه، فقال الرجل‏:‏ أَوَحْيٌ بعد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏؟‏‏!‏ فقال‏:‏ لا، ولكن فراسة صادقة‏.‏ أوليات عثمان هو أول من رزق المؤذنين، وأول من ارتج عليه في الخطبة، وأول من قدَّم الخطبة في العيد على الصلاة، وأول من فوَّض إلى الناس إخراج زكاتهم، وأول من ولي الخلافة في حياة أمه، وأول من اتخذ صاحب شرطة، وأول من هاجر بأهله من هذه الأمة، وأول من جمع الناس على حرف واحد في القراءة، وأول من زاد النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء، وأول من نخل له الدقيق، وأول من أقطع القطائع، وأول من حمى الحمى لنعم الصدقة‏.‏ حَجَّه ـ رضي اللَّه عنه ـ حجَّ عثمان بالناس سنوات خلافته كلها إلا آخر حجة، وحجَّ بأزواج النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ كما كان يصنع عمر‏.‏