الفصل الأول : تعريف الرحمة وبيان أهميتها الرحمة1 في اللغة الرقة والتعطف . ولا تقف الرحمة في الاصطلاح على الرقة والتعطف حتى تنتج القصد والعمل لذلك عرّفه الحرجاني في التعريفات2 بقوله ( هي إرادة إيصال الخير ) وهذه الإرادة أول بوادر العمل فهي إذاً ( كمال في الطبيعة يجعل المرء يرق لآلام الخلق ويسعى لإزالتها ويأسى لأخطائهم فيتمنى لهم الهداية )3 - بيان أهميتها : تنبع أهميتها من كونها صفة للمولى عز وجل فهي في [ أفقها الأعلى وامتدادها المطلق صفة للمولى تباركت أسماؤه ، فإن رحمته شملت الوجود وعمت الملكوت ، فحيثما أشرق شعاع من علمه المحيط بكل شيء أشرق معه شعاع للرحمة الغامرة ولذلك كان من صلاة الملائكة (( ربنا وسعت كل شيء رحمةً وعلما ))4 ]5 . وعلى العباد العمل للتحلي بهذه الصفة التي اختص سبحانه نبيه بها ... إذ هي الأمان الأول بعد رحمته لعباده ، لبقاء هذا الجنس البشري على وجه البسيطة . إن الرحمة خلق كريم اتصف الله به ووصف نبيه الكريم وأوصى بها الله في كتابه ليتواصوا بها المؤمنون ، (( وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ))1 وهي الصفة التي مدح الله بها أصحاب محمد في القرآن (( أشدّاء على الكفار رحماء بينهم ))2 ولذلك وصّى النبي بها في أحاديث كثيرة وشدد على من تغافل عنها ولم يهتم بأمرها فقال صلى الله عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الرحمان ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)3 وقال صلى الله عليه وسلم : ( من لم يرحم الناس لا يرحمه الله ) 4 وقال : ( لا تنـزع الرحمة إلا من شقى )5 . فهذا التشديد في التهاون في أمر الرحمة والحث على لزومها لأهميتها وعظم منـزلتها ومكانتها في حياة المسلمين .فبها يرحم الوالدان أبنائهم ، ويرحم الابن أبواه إذا كبرا ، وبها يُرحم اليتيم ، والضعيف ، والمريض ، والحيوان ، إلى غير ذلك ... وبها تظهر معاني التكاتف والتآزر بين الإنسانية جمعاء ، وبين المسلمين أجمع ... وهذا الذي يتراحم به العباد في الدنيا ماهو الا جزء من مئة جزء من رحمة الله التي تفضل على العباد فحباهم بشئ منها ... قال صلى الله عليه وسلم : ( جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزء وأنزل في الأرض جزء واحداً فمن ذلك الجزء يترحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه . )6 . 1 – لم أقصد في التعريف الإحاطة والشمول بل الإشارة والتذكير لأن الموضوع مقصود لغير ذلك . 2 – التعريفات 48 3 – خلق المسلم للغزالي 209 4 – غافر 2 5 – خلق المسلم 209 1 - البلد 17 2 – الفتح 29 3 – رواه الترمذي 1924 وأبو داود 4941 انظر صحيح الترمذي 1569 4 – انظر صحيح الترمذي 1567 5 – ترمذي 1923 انظر صحيح الترمذي 1568 6 – البخاري 6000