الحديث الثاني عشر: تبسمك في وجه أخيك لك صدقة وعن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن حبان. أخرجه البخاري في الأدب المفرد، الأدب المفرد كتاب للإمام البخاري يختلف عن الصحيح، فإذا أطلق البخاري رواه البخاري فينصرف إلى ماذا؟ إلى الصحيح، وإذا أرادوا غيره قيدوه، كرواه البخاري في الأدب المفرد، رواه البخاري في التاريخ الكبير، التاريخ الصغير، التاريخ الأوسط، في جزء القراءة خلف الإمام، وهلم جرا. قد ذكر ابن حجر فروقا ثلاثة، أو خصائص ثلاث للأدب المفرد، أن فيه أحاديث كثيرة ليست في الصحيح، وذكر أيضا قلة معلقاته فيه، ولا أذكر الأمر الثالث، شاهد القول: في الحديث كثرة أبواب الخير، كثرة أبواب الخير، التبسم صدقة، وتهدي الرجل الكفيف إلى مقصده صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة، وتأمر بالمعروف صدقة، وتفرغ من دلوك في دلو أخيك صدقة، الشاهد كثرة أبواب الخير، وفي الحديث أيضا أن النية تجعل العادة عبادة، فأنت إذا أزلت هذا الأذى بقصد التقرب والحصول على الأجر فأنت مأجور. وفي الحديث أيضا عظيم عناية الإسلام بتحقيق مبدأ التعاون والتكاتف، كل هذه الخصال فيها ذلك، التبسم يجمع الشمل، التعاون في إفراغك من دلوك في دلو أخيك يجمع الشمل، إماطة الأذى تجمع الشمل، دليل على المحبة والتكاتف، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجمع الشمل، ففي ذلك عظيم عناية الإسلام بمبدأ الترابط والتعاون، ودعاة الخير أولى الناس بإبراز هذا المبدأ، وفي الحديث أيضا عدم احتقار الخير ولو كان يسيرا: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا تحقرن من المعروف شيئا "شيئا" نكرة تشمل أي شيء، لا تحقر أي شيء من المعروف، رب كلمة تفتح لك أبوابا من الخير، رب عمل يسير كما قال ابن المبارك: رب عمل يسير تكبره النية. لا تحقر شيئا من المعروف. أوصى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- أحد أبنائه فقال: ما قدرت عليه من الخير فاعمله، فربما لا تدركه في الغد، ولا ترجئ عمل اليوم إلى غد، لعل غدا يأتي وأنت فقيد. فرُبّ كلمة من الخير تشجع بها طالب علم، صدقة تدفعها في فم مسكين، تبسم في وجه مغموم، أمر بالمعروف لمن تلوث في معصية، هدايتك للرجل الكفيف، تحصل أو تحظى بدعوة، كل هذا خير، وأضرب لكم مثالا واحدا أو مثالين: الإمام الذهبي -رحمه الله تعالى- كان في أول أمره كما قرأت قصر همته على التاريخ، فكتب أو أطلع أحد أشياخه على ورقة، على بحث له أو على كتابة له، فشيخ الذهبي أخذ الكتاب ينظر فيه، وكان بجانبه الإمام البرزالي، فلما رأى خط الذهبي قال له: يا بني، خطك هذا يشبه خط المحدثين، شجعه، قال الذهبي: فحبب الله إليّ علم الحديث، حتى قال السبكي: لو قام الذهبي على ثنية -على جبل صغير- وأُتي بالرواة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إلى عهده، لقال: هذا فلان ابن فلان روى عن فلان عن فلان. والبخاري، مر إسحاق وهم في مجلس مذاكرة، مجلس التحديث كان مجلسا، والمذاكرة مجلس يتذاكر فيه عشرة من الطلاب سويا وخمسة سويا، بعد ما يتفرقون من الدرس يجتمع كل ثلة مع بعضهم، فمر إسحاق على ثلة فيها البخاري مع بعض الشبيبة، فقال: لو أن أحدكم صنف مصنفا يجمع فيه ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال البخاري، فوقع ذلك في نفسي وحبب الله إلي ذلك: فلا تحقرن من المعروف شيئا قوله: تبسمك في وجه أخيك لك صدقة أولى الناس دعاة الخير؛ لأن تبسمهم دعوة فعلية: بشاشة وجه المرء خير من القرى فكيف الـذي يأتي به وهو ضاحك لو دعاك إنسان إلى طعام، ووجهه باش هاش، لفرحت زيادة على فرحك بإكرامه لك، أما لو كان معبسا مكفهرا، لم يطب لك طعم الطعام. أيضا نصح الناس بالرفق، الترفق مع الناس، التبسم في المواضع التي ترى فيها مصلحة، لا تبخل على الناس، قال جرير رضي الله تعالى عنه: ما حجبني النبي -عليه السلام- منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي أيضا يقال على دعاة الخير أن يحفظوا مروءتهم أن تخرم من الضحك بلا قيد من غلبة جانب التمسخر، بعض دعاة الخير لا تسمعه إلا ضاحكا أو متمسخرا، في مجالسه، في كلماته، في جميع شأنه، هذا خروج عن المألوف بل ينشِّئ السامعين والرائين إلى النهج أو نهج هذا المسلك، فليحذر طالب العلم، أن يسن سنة سيئة. وحفظ المروءة، كما قيل: المروءة والحياء يبعثان على فعل الجميل وترك القبيح. فإياك أن تكون متمسخرا مضحاكا بزعم أن ذلك من ترغيب الناس، لا، الأمر بقدر، النبي -عليه السلام- أرحم الناس بالناس، وأعلم الناس بأحوال الناس، وأحكم الناس وأفقه الناس، عليه الصلاة والسلام، وكان يتبسم أحيانا في مواضع فيها مصلحة، ويغضب ويجد ويحزن، بحسب الحال. أيضا في قوله: وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة فيه كمال دين الإسلام وعنايته بشئون الدنيا والدين، عنايته بشئون الدنيا والدين جميعا، وفيه أن على دعاة الخير أن يكونون قدوة في جميع شئونهم، ترى بعض دعاة الخير يقوم بأفعال يستقبحها الناس، كرمي الأذى في الطريق، رمي الأوراق أمام الناس، أو يفعل ما يستقبح، هو يظن أن هذا شيء لا قيمة له، أمر يسير، لكن الناس إذا رأوا ذلك منه انتقصوه، وترتب عليه ذلك نقده في المجالس، وقد يصل الأمر به إلى الغيبة كما يحصل، لكن إذا كان داعي الخير محافظا على مروءته وأخلاقه أثر في الناس بقوله وفعله.