1-طلاقُ الحائضِ ثبتَ عن عُمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- إنَّهُ سَأَلَهُ عن طلاقِ ابنِهِ امرأتَهُ وهي حائضٌ، فأمرَ بأنْ يُراجعَها، ثم يُمسكها ،حَتَّى تطهُرَ، ثم تحيضَ ثم تطهرَ، ثم إنْ شاءَ أنْ يُطلِّقَ بعدُ فليُطلِّق. [البُخاريُّ مع الفتح: كتاب الطَّلاق، باب قوله –تعالى-: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} (9/258) رقم (5251)]. 2-طلاقُ المرأةِ البذيئة، حَتَّى لو كانَ لها ولدٌ: وسَأَلَهُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- رجلٌ، فقالَ: إنَّ امرأتي، وذكر مِن بذائها، فقالَ: (طلِّقْها) ،فقال: إنَّ لها صحبةً وولداً، قال: (مُرْها وقُلْ لها، فإنْ يكن فيها خيرٌ فستفعل، ولا تضربْ ظعينتكَ ضربكَ أمتك) ذَكَرَهُ أحمدُ. [المسند (4/33)، وأبو داودَ نحوه: كتاب الطهارة، باب في الاستنثار، وصححه الألبانيُّ، انظر: "صحيح سنن أبي داود" برقم (129)]. وسَأَلَهُ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- آخرُ، فقالَ: إنَّ امرأتي لا تردُّ يدَ لامسٍ، قالَ: (غرِّبْها إنْ شئتَ)، وفي لفظٍ: (طلِّقْها)، قالَ: إنِّي أخافُ أنْ تتبعَها نفسي، قالَ: (فاستمتعْ بها). [رواه أبو داودَ: كتاب النِّكاح، باب النهي عن تزويج مَن لم يلد من النساء، وصححه الألبانيُّ، انظر: "صحيح أبي داود" برقم (1804)]. فعُورض بهذا الحديثِ المتشابه الأحاديثُ المحكمةُ الصريحةُ في المنعِ من تزويجِ البغايا، واختلفتْ مسالكُ المحرِّمِين لذلك فيه، فقالتْ طائفةٌ: المرادُ باللامسِ ملتمسُ الصَّدَقَة، لا ملتمسُ الفاحشةِ، وقالت طائفة: بل هذا في الدوام غيرُ مؤثرٍ، وإنَّما المانعُ ورودُ العقدِ على زانيةٍ، فهذا هو الحرامُ، وقالت طائفة: بل هذا من التزامِ أخفِّ المفسدتين؛ لدفع أعلاهما، فإنَّهُ لما أُمر بمفارقتِها ،خافَ أنْ لا يصبرَ عنها فيُواقعها حراماً، فأمرَهُ حينئذٍ بإمساكِها، إذ مواقعتُها بعدَ عقدِ النِّكاحِ أقلُّ فساداً من مواقعتِها بالسِّفاحِ، وقالت طائفة: بل الحديثُ ضعيفٌ لا يثبت، وقالت طائفة: ليس في الحديثِ ما يدلُّ على أنَّها زانيةٌ، وإنَّما فيه أنَّها لا تمتنعُ ممن لمسها أو وضعَ يدَهُ عليها أو نحو ذلك، فهي تُعطي الليانَ لذلك، ولا يلزمُ أنْ تُعطيه الفاحشةَ الكُبرى، ولكنْ هذا لا يُؤمَنُ معه إجابتُها لداعي الفاحشةِ، فأمرَهُ بفراقِها تركاً لما يُريبه إلى ما لا يُريبه، فلمَّا أخبره بأنَّ نفسَهُ تتبعُهَا، وأنَّهُ لا صبرَ له عنها، رأى مصلحةَ إمساكِها أرجحَ من مفارقتِها؛ لما يكره من عدم انقباضِها عمَّن يلمسُها، فأمرَهُ بإمساكِها، وهذا لعلَّهُ أرجحُ المسالكِ، واللهُ أعلمُ. 3-شرطُ عودةِ المطلقةِ البائنة بينونة كبرى إلى زوجِها الأولِ أنْ تتزوجَ من زوجٍ آخر ويدخل بها: وسألته - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- امرأةٌ، فقالتْ: إنَّ زوجي طلَّقني، يعني ثلاثاً، وإنِّي تزوَّجتُ زوجاً غيرَهُ، وقد دخلَ بي، فلم يكنْ معه إلا مثلُ هُدبةِ الثَّوبِ، فلم يقرُبني إلا بهنة واحدة، ولم يصلْ منِّي إلى شيءٍ، أفأحلُّ لزوجي الأول؟ ، فَقَالَ رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: (لا تحلِّينَ لزوجِكِ الأولِ حَتَّى يذوقَ الآخرُ عُسيلتكِ وتذوقي عُسيلتَهُ) متفق عليه. [البُخاريُّ مع الفتح: كتاب الطَّلاق ،باب مَنقَالَ لامرأتِهِ :أنتِ عليَّ حرامٌ (9/284) رقم (5265)، ومُسلم نحوه :كتاب النكاح، باب لا تحلُّ المطلقة ثلاثاً لمطلقها حَتَّى تنكحَ زوجاً غيرَهُ ويطأها ثم يُفارقها وتنقضي عدتها (2/1055- 1056) برقم (1433)]. وسُئِلَ- صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أيضاً عن الرجلِ يُطلِّقُ امرأتَهُ ثلاثاً ،فيتزوَّجها الرجلُ فيُغلق البابَ ويُرخي السِّترَ، ثم يُطلِّقها قبلَ أنْ يدخلَ بها، قالَ: (لا تحلُّ للأولِ، حَتَّى يُجامعها الآخرُ) ذكره النَّسائيُّ. [سُنن النَّسائيِّ: كتاب الطَّلاق، باب إحلال المطلقة ثلاثاً والنكاح الذي يحلها به،قَالَ الألبانيُّ: صحيحٌ لغيرِهِ، انظر: "صحيح سُنن النَّسائيِّ" برقم (3197)]. 4-التيس المستعار: وسُئِلَ-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عن التَّيسِ المُستعارِ، فقالَ: (هو المُحلِّلُ)، ثم قالَ: (لعنَ اللهُ المُحلِّلَ والمُحلَّلَ له)(1) ذَكرهُ ابنُ ماجه. [سُنن ابن ماجه: كتاب النكاح، باب المحلل والمحلل له، وحَسَّنَهُ الألبانيُّ، انظر: "صحيح سنن ابن ماجه" برقم (1572)]. 5-كفرُ المنعَّمين: وسألته - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- امرأةٌ عن كُفْرِ المُنعَّمِينَ، فقالَ: (لعلَّ إحداكُنَّ أنْ تطولَ أيُمَتُها بين يدي أبويها تعنس، فيرزقها اللهُ زوجاً ويرزقها منه مالاً وولداً، فتغضب الغضبةَ، فتقول: ما رأيتُ منه يوماً خيراً قَطُّ) ذَكَرَهُ أحمدُ. [المسند (6/452)، وقالَ الألبانيُّ: إسنادُهُ جيِّدٌ، ورجالُهُ ثقاتٌ، انظر: "السِّلْسِلة الصَّحيحة" برقم (832)]. 6-الطَّلاق ثلاثاً في مجلسٍ واحدٍ: وسُئِلَ- صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عن رجلٍ طلَّقَ امرأتَهُ ثلاثَ تطليقاتٍ جميعاً، فقامَ غضبانَ، ثم قالَ: (أيُلعبُ بكتابِ اللهِ، وأنا بين أظهرِكم؟) ،حَتَّى قامَ رجلٌ، فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، ألا أقتله!. ذكره النَّسائيُّ. [سنن النَّسائيِّ: كتاب الطَّلاق، باب الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ، وصححه الألبانيُّ، انظر :"مشكاة المصابيح" برقم (3227)]. وطلَّق رُكانةُ بن عبد يزيد أخو بني المطلب امرأتَهُ ثلاثاً في مجلسٍ واحدٍ، فحزنَ عليها حُزناً شديداً، فسَأَلَهُ رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: (كيف طلَّقتها؟)، فقالَ: طلقتُها ثلاثاً، فقالَ: (في مجلسٍ واحدٍ؟)، فقالَ: نَعَمْ، قالَ: (إنَّما تلكَ واحدةٌ، فارجعْها إنْ شئتَ)، قالَ: فراجعها. فكانَ ابنُ عَبَّاس يروي:" إنَّما الطَّلاق عندَ كلِّ طُهرٍ"، ذَكَرَهُ أحمدُ. [المسند (1/265)، وقالَ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية-رحمه الله-: إسناده جيد، انظر:" مجموع الفتاوى" (33/73)] قال: حدثنا سعيد بن إبراهيم، قال: حدثني أبي عن محمد بن إسحاق قال: حدثني داود بن الحُصين عن عِكْرِمة مَولى ابنِ عَبَّاس، فذكره، وأحمدُ يُصححُ هذا الإسنادَ، ويحتجُّ به، وكذلك التِّرمذيّ، وقدقَالَ عبدُ الرزاق: أنبأنا ابنُ جُريج قال: أخبرني بعض بني [أبي] رافع مولى رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عن عِكرمة [مولى ابن عَبَّاس] عن ابن عَبَّاس، قال: طلَّق عبدُ يزيد- أبو رُكانة وإخوته- أمَّ رُكانة، ونكح امرأةً من مُزينة، فجاءتِ النبيَّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، فقالتْ: ما يُغني عنِّي إلا كما تُغني هذه الشعرةُ، لشعرةٍ أخذتْها من رأسِها، ففرِّق بيني وبينه، فأخذتِ النبيَّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- حميتُهُ، فدعا برُكانة وإخوته، ثمقَالَ لجلسائهِِ: (أترون أنَّ فُلاناً يُشبه منه كذا وكذا) من عبدِ يزيد، (وفلاناً منه كذا وكذا)، قَالُوا: نعم،قَالَ النبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- لعبدِ يزيد: (طلِّقْها)، ففعلَ، فقالَ: (راجعِ امرأتك أمَّ رُكانة وإخوته)، فقال: إنِّي طلقتُها ثلاثاً يا رَسُولَ اللهِ، قالَ: (قد علمتُ، راجعْها)، وتلا قولَ اللهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}(2) [مصنف عبد الرزاق الصَّنعاني (6/390- 391) وسُنن البيهقيِّ الكُبرى (7/339) ط ـ مكتبة دار الباز تحقيق محمد عبد القادر عطا]. قال أبو داودَ: حدثنا أحمدُ بن صالح قال: حدثنا عبدُ الرزاق، فذكره. [سنن أبي داود: كتاب الطَّلاق ،باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث، وحَسَّنَهُ الألبانيُّ، انظر:" صحيح سنن أبي داود" برقم (1922)]. فهذه طريقةٌ أخرى متابعةً لابنِ إسحاق، والذي يُخافُ من ابنِ إسحاق التدليسُ ، وقد قال: حدَّثني وهذا مذهبُهُ، وبه أفتى ابنُ عَبَّاس في إحدى الروايتينِ عنه، صَحَّ عنه ذلكَ، وصحَّ عنه إمضاءُ الثلاثِ موافقةً لعُمرَ - رضي الله عنه-، وقد صَحَّ عنه - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أنَّ الثلاثَ كانت واحدةً في عهدهِ وعهدِ أبي بكرٍ وصدراً من خلافةِ عُمرَ - رضي الله عنهما-، وغاية ما يُقدَّرُ مع بُعْدِهِ أنَّ الصحابةَ كانُوا على ذلكَ ولم يبلغْهُ، وهذا وإنْ كان كالمستحيلِ فإنَّهُ يدلُّ على أنهم كانوا يفتون في حياتِهِ وحياةِ الصِّدِّيقِ بذلك، وقد أفتى هو - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- به، فهذه فتواه وعملُ أصحابِهِ كأنه أخذ باليد، ولا معارضَ لذلك، ورأى عمرُ - رضي الله عنه- أنْ يحملَ النَّاسَ على إنفاذِ الثلاثِ عقوبةً وزجراً لهم؛ لئلا يُرسلوها جملةً، وهذا اجتهادٌ منه - رضي الله عنه-، غايتُهُ أنْ يكونَ سائِغاً لمصلحةٍ رآها، ولا يُوجبُ تركَ ما أفتى به رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وكان عليهِ أصحابُهُ في عهدِهِ وعهدِ خليفتِهِ، فإذا ظهرت الحقائقُ، فليقلِ امرؤٌ ما شاءَ، وباللهِ التوفيقُ. 7-لا طلاقَ إلا بعدَ نكاحِ: وسَأَلَهُ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- رجلٌ قالَ: إنْ تزوجتُ فلانةً فهي طالقٌ ثلاثاً، فقالَ: (تزوَّجْها، فإنَّه لا طلاقَ إلا بعدَ النِّكاحِ). [رواه الدَّارَقُطنيُّ في "سُننه" (4/35)، وقالَ ابنُ حجر: رواتُهُ ثقاتٌ، انظر:" بلوغ المرام" (324)، و"تلخيص الحبير" (4/1251)]. وسُئِلَ- صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عن رجلٍ قال: يومَ أتزوجُ فلانةً فهي طالقٌ، فقالَ: (طلَّقَ ما لا يملكُ) ذكرهما الدَّارَقُطنيُّ. [سُنن الدَّارَقُطنيِّ (4/16)، وقالَ ابنُ حَجَرٍ: في إسنادِهِ أبو خالدٍ الواسطيُّ، وهو واهٍ، انظر "فتح الباري" (9/296)،وقَالَ أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي في "التعليق المغني على الدارقطني":قَالَ صاحب "التنقيح": حديث باطل، وأبو خالد الواسطي هو عمرو بن خالد وهو وضَّاعٌ، وقال أحمد ويحيى: هو كذَّابٌ. كذا في الزيلعي. انظر:" حاشية سنن الدارقطني" (4/16)]. 8-إنَّما يملكُ الطَّلاق مَن أخذَ بالسَّاقِ: وسَأَلَهُ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عبدٌ، فقالَ: إنَّ مولاتي زوَّجتني، وتُريدُ أنْ تُفرِّقَ بيني وبين امرأتي، فحمدَ اللهَ وأثنى عليهِ، وقالَ: (ما بالُ أقوامٍ يُزوِّجُون عبيدَهُم إماءَهُم، ثم يُريدونَ أنْ يُفرِّقُوا بينهم، ألا إنَّما يملكُ الطَّلاق مَن أخذَ بالسَّاقِ). ذكره الدَّارَقُطنيُّ. [سنن الدَّارَقُطنيِّ بلفظِ : (أنَّ مولاه زوَّجَهُ، وهو يُريدُ أنْ يُفرِّقَ بينه وبين امرأتِهِ...) (4/37)، وحَسَّنَهُ الألبانيُّ، انظر: "صحيح ابن ماجه" برقم (1692)]. 1 - المحلِّلُ: الذي تزوج مطلقة غيره ثلاثاً بقصد أن يطلقها بعد الوطء ليحل للمطلق نكاحها، قِيلَ سمي محلل لقصده إلى التحليل. المحلَّل له: بفتح اللام الأولى أي الزوج الأول وهو المطلق ثلاثاً. 2 - سورة الطَّلاق: (1).