ما بعــد الإحســان كن لينا هشا بشا، الناس يحبون ذلك، لا تحسن إلى الناس وأنت متجهم في وجوههم ولا تحسن إليهم ثم تمن عليهم، كان النبي صلى الله عليه وسلم سهلا، سمحا، كريما لينا، وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، وقال: بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا، هذا أقرب على النفوس، وأحب إليها أيضا، تقبل الناس بأخطائهم وأعفو عمن يسئ منهم، هل تعرف ثمن العفو في الدنيا؟ أظن أنه لا! أرشدنا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى قاعدة موجودة ولا نعرفها، أن من يعفو يزيده الله عزا، ومن يتواضع يزيده رفعه، في الحديث الذي رواه مسلم قال صلى الله عليه وسلم: وما زاد الله عبدا بعفوا إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. لو اقتدينا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم لتغيرنا كثيرا، أشعر بجو رائع وأنا بين أناس تلك أفكارهم، يعاملوك بقدر عقلك، يعفون عن زلاتك، قلوبهم سمحة، ونفوسهم مرحة، كان الصحابة يقولون علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نعامل الناس على قدر عقولهم، لا تنتقدهم، لا تقسو عليهم، اضحك لهم، يحبونك من قلوبهم، اعفو عنهم تكن فيهم عزيزا. إحدى الدراسات أثبتت أن 95% من المشكلات تحدث نتيجة لسوء الفهم! لا أحد يعتقد أنه على خطأ، حتى إذا وقع في الخطأ فان لكل منا تبريره، عندنا السبب الوجيه المقنع الذي دفعنا للخطأ، هكذا يعتقد كل منا، المعنى أننا لسنا مسئولين عن أخطائنا، لا أنت ولا أنا أيضا، نعتقد أننا على صواب، امنح نفسك فرصة تتفهم فيها الطرف الأخر حتى وإن كان مخطئا، لا تتسرع، في بعض الدوائر كالجيش الألماني لا يقبلون منك الحديث ولا التقارير ان كنت غاضبا! أعط لنفسك وقتا، وفرصة، حاول أن تتفهم وتفهم، ضع نفسك مكان الطرف الأخر بهمومه وعقله ومشاكله، بالضغوط التي عليه، بفكره، ثم حاول أن تحكم عليه، فان أنت عفوت وهدأت فحسن، وإن لم تفعل فحاول أن تفعل مثلما كان يفعل الحسن البصري، كان يلتمس للرجل 99 عذرا! فان لم يجد من بينها شيئا مقبولا قال: عسى أن هناك عذرا لا أعرفه! تفهم الآخرين وافهمهم، اضحك في وجوههم بصدق من قلبك، وان أساءوا فكن مستعدا للصفح واغسل قلبك، هكذا يمكن أن تعيش سعيدا وتتمتع بحياة اجتماعية رائعة وعملية ناجحة. هل تظن أنها سهلة؟ أن تعفو وتصفح، أن تغسل قلبك ولا تكره من أساء إليك! لا أعتقد أنها كذلك، تحتاج إلى رصيد من إلايمان لتفعل، كي تتيقن بأن الله سيرفعك في الدنيا، وسيعطيك في الآخرة، قصة جميلة حدثت مع الرسول وصحابته، يرويها أنس بن مالك رضى الله عنه فقال: كنا في المسجد عند رسول الله فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة، قال: فدخل رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده، فسلم على النبي وجلس، قال: ولما كان اليوم الثاني قال: يدخل من هذا الباب عليكم رجل من أهل الجنة، قال: فدخل ذلك الرجل الذي دخل بالأمس، تنطف لحيته من وضوئه، مُعلقاً نعليه في يده فجلس، ثم في اليوم الثالث، قال عبد الله بن عمرو بن العاص: فقلت في نفسي: والله لاختبرن عمل ذلك الإنسان، فعسى أن أوفّق لعمل مثل عمله، فأنال هذا الفضل العظيم أن النبي أخبرنا أنه من أهل الجنة في أيامٍ ثلاثة، فأتى إليه عبد الله بن عمرو فقال: يا عم، إني لاحيت أبي – أي خاصمت أبي – فأردت أن أبيت ثلاث ليال عندك، آليت على نفسي أن لا أبيت عنده، فإن أذنت لي أن أبيت عندك تلك الليالي فافعل، قال: لا بأس، قال عبد الله: فبت عنده ثلاث ليال، والله ما رأيت كثير صلاةٍ ولا قراءة، ولكنه إذا انقلب على فراشه من جنب إلى جنب ذكر الله، فإذا أذن الصبح قام فصلى، فلما مضت الأيام الثلاثة قلت: يا عم، والله ما بيني وبين أبي من خصومة، ولكن رسول الله ذكرك في أيامٍ ثلاثة أنك من أهل الجنة، فما رأيت مزيد عمل!! قال: هو يا ابن أخي ما رأيت، قال: فلما انصرفت دعاني فقال: غير أني أبيت ليس في قلبي غش على مسلم ولا أحسد أحداً من المسلمين على خير ساقه الله إليه، قال له عبد الله بن عمرو: تلك التي بلغت بك ما بلغت، وتلك التي نعجز عنه([1])، تلك القصة رائعة، بشر الرسول الرجل بالجنة، يا لها من عظيم بشارة، أن يبشرك الرسول بأنك من أهل الجنة! غبطه الصحابة على تلك المنزلة التي حصل عليها، كثيرون منهم تمنوها فلم ينالها، حتى وهم صحابة النبي! كيف وصل الرجل لتلك المنزلة؟ مع أنه قليل عمل، انظر كم هى رائعة تلك المنزلة، أن ينزل جبريل بخبرك واسمك من السماء على الرسول! وأن يبشرك الرسول بالجنة، ويحسدك الصحابة على تلك المنزلة، هل تظن أن حصولك على تلك المنزلة يحتاج إلى عمل عظيم! أظن أنه نعم، فقد علق عبد الله بن عمرو وقال: وتلك التي نعجز عنها! عجز الصحابة عنه فهل تستطيعه أنت؟ أعتقد أنه نعم، فقد فعلها الرجل ولم يكن بمنزلة الصحابة، هذا الرجل سيكون موجود دائما، ربما تكون أنت، وان لم تكن من قبل يمكن أن تكون من الآن، وربما غيرك أيضا، الله وحده أعلم بأصحاب تلك القلوب، لكنها موجودة، تجاهد نفسها، تسامح الآخرين، لا حسد، ولا غش، تحب الناس من القلب، تمنيت أن أكون أنا أيضا هذا الرجل، فهل أستطيع؟ وهل تستطيع أنت؟ من أحسن إلى الناس فحسن فعل، دع قلبك يكون مفتوحا، اغسله من الحقد على الناس، اجعل عملك لوجه الله، حتى وان أساء إليك من أحسنت إليه، فأنت لم تحسن لشخص، أنت انما أحسنت لنفسك، لوجه الله، من أجل أخرتك. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من استعاذ باللّه فأعيذوه، ومن سأل باللّه فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإِن لم تجدوا ما تكافئوا به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. كثيرة هى الحقائق والسنن الكونية الغير مرئية التي لا نعرفها، نتوصل إلى اكتشاف بعضها مصادفة، إنه قانون المكافأة العكسي، فما تقدمه للآخرين يعود عليك بأكثر مما قدمت! النبي دلنا على هذا، من تلك القوانين ما عرفنا النبي به فقال صلى الله عليه وسلم: داووا مرضاكم بالصدقة، الصدقة التي تقدمها إذن لها مردود جيد على الصحة، هي تعالج الأمراض، لم يعرف أحد هذا من قبل، وعندما أخبرنا النبي عرفنا، تجارب كثيرة سمعتها وقرأت عنها، الصدقة تداوى المرض، والصدقة تبعد الشر، والصدقة تزيد المال، والزكاة مسبقة عليها، وخيرها لا يقل عن خير الصدقة، نحن فقط لا نعرف، وإذا عرفنا لا نفعـل! ننسى أنها قواعد كونية وسنن الهية وليست فقط نصائح من الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، تحدث لى رجل أعمال فقال، كنت لا أخرج الصدقات إلا قليلا، ومنذ أكثرت منها لم يعد المرض يزورني لا أنا ولا أهلى، وزاد المال وكثرت الأرباح، العمليات التي كنت أجنى من ورائها مبلغ معين أصبحت أجني ضعفه، الرسول له أحاديث كثيرة في هذا الأمر، عن عبادة بن الصامت، قال: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد في الحطيم بمكة، فقيل: يا رسول الله، أُتي على مال أبي فلان بسيف البحر فذهب به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تلف مال في بحر ولا بر إلا بمنع الزكاة، فحرزوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، وادفعوا عنكم طوارق البلاء بالدعاء، فإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، ما نزل يكشفه، وما لم ينزل يحبسه. اصنع معروفا في الآخرين، إما بالصدقة فالمال أعز الممتلكات، وإما بغيره، اجعل من المعروف عادة، الواقع والماضي ملئ بالحكايات التي تؤيد صدق الحبيب في تلك القاعدة الكونية والسنة الألهية الموجودة حولنا على الأرض، سأل رجل ابن المبارك؛ عن قرحة في ركبته يعاني منها مدة سبع سنوات دون علاج شاف، فقال: اذهب فانظر موضعاً يحتاج الناس إلى الماء فاحفر هناك بئراً، فإني أرجو أن تنبع هناك عينٌ ويُمسك عنك الدم، ففعل الرجل، وكانت المعجزة أنه شفى. رجل أخر واسمه أبو بكر الخبازي من نيسابور، مرض ولم يجد دواء لمرضه، فنصحه رجل بنصيحة رسول الله، أن يتداوى بالصدقة، فاشترى بطيخا ووضعه في الشارع للصبية والمارين يأكلون منه ويدعون له بالشفاء، صحا في اليوم التالي وليس فيه شئ من المرض، الكثير من القصص سمعناها، ومنها أمراض خبيثة كالسرطان شفت بسبب الصدقة، وبفضل الله وسننه في الأرض، عرفنا النبي عليها صلى الله عليه وسلم بتلك القاعدة، هذه نعمة عظيمة، أنعمها الله علينا، فمن اين نعرف ان لم يخبرنا النبي؟ أحاديث النبي كثيرة، وهى رائعة أيضا، تفتح عيوننا على الجزء الغير معروف لنا من حولنا، تعرفنا كيف نتقى الموت السيئ، كدواء هي من الأدوية التي لم نكن نعرفها، تزيد العمر هى أيضا، وترضى الله عنا، ولها منافع أخرى، وتلك بعض أحاديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا و لو بتمرة فإنها تسد من الجائع وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وقال صلى الله عليه وسلم: صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد من العمر([2]) وقال صلى الله عليه وسلم :حسن الملكة نماء، وسوء الخلق شؤم، والبر زيادة في العمر، والصدقة تطفئ الخطيئة، وتقي ميتة السوء ([3])، وقال صلى الله عليه وسلم: إن صدقة المسلم تزيد في العمر، وتمنع ميتة سوء، ويذهب الله بها الكبر والفخر، وقال صلى الله عليه وسلم إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء. وقال صلى الله عليه وسلم: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ما أجمل أن تتعرف على القواعد والسنن التي خلقها الله من حولنا، تلك التي لم نكن أن نعرفها لولا رسول الله، تلك القواعد التي تزيدنا نجاحا، ومن الله تقربنا، وإلى الجنة تأخذنا، نعمة كبيرة علينا أنعمها الله أن هدانا الحبيب إليها، مما روى من قصص في فضل الصدقة من الأمم السابقة، قصة الراهب المعتكف، عاش يعبد الله من العمر ستين عاما، ثم أغرته امرأة فزنا بها، عرف الناس قصته فطلبوه للقتل، هرب، واذا به في المكان الذي لجأ إليه هاربا وجد فقيرين، فكان معه رغيف خبز قسمه بينهما رغم جوعه، ولم ينقذه من النار بعد وزن حسناته وسيئاته إلا الرغيف! ليلى حكت قصتها مع الصدقة على موقع انترنت فقالت: كنت واقفة في الشارع ،شاهدت ولداً يتسول عند محل للشاورما، والعمال يطردونه، سألته ماذا يريد فقال: أنا جوعان، أبغى شاورما فأعطيته خمسة ريالات، بقي في محفظتي 250 ريال فقط، زوجي مصاب بمرض السكر وتحتاج لنشتري دواء السكر، وكان سعر الدواء، 500 ريال، وكان لابد ان يأخذ الدواء هذا اليوم، طلبت من الصيدلي أن ينتظر حتى أؤمن المبلغ، لكنه رفض، رجعت وإذا برجل عريض مهيب يقف من خلفي ويقول لصاحب الصيدلية كم تحتاج هذه السيدة ؟؟ ثم دفع المال ورحل خرجت لأشاهد سيارته ولا أدري لماذا حاولت أن أحفظ لوحة سيارته فلقد توهمت أنني سأتمكن من معرفة رقم هاتفه لأشكره المهم أني عرفت في ذلك الموقف أن الله فرج لي بسبب الشاورما التي أطعمتها الصبي الصغير. كثيرة هي القصص التي نعلمها، وما لا نعلمه أكثر مما عرفنا، فجنود ربك قائمون في الأرض يعملون بمقتضى تلك السنن على فاعليها. قانون العلاقة العكسية، ما تفعله يعود عليك بأفضل مما فعلت، فان زنيت فسوف يزني ولو بجداربيتك، هكذا أخبرنا النبي، وان تصدقت نالك كثير من الخبر، جبلت النفوس على حب الإحسان، اكسب النفوس ومعها رضا الله، ومعها تجنب ميتة السوء، ومعها الخير في الكثير من جوانبه، وأهمها رضي الله والجنة، اكسب الناس بالإحسان إليهم. تلك قاعدة كونية وليست نصيحة. ما تفعله يرتد إليك. --------------------------- [1] أخرجه أحمد 3/166 [2] رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن [3] الترغيب والترهيب