عندما بدأت الحياة العملية قرأت أحد النصائح التي تقول إن كنت تريد أن تكون ناجحا فافعل مثلما يفعل الناجحون، كنت أبحث من حولي عنهم، عن الناجحين في نفس تخصصي، واقترب منهم، استمع إليهم، على طرقهم في النجاح، في التغلب على العقبات، في سلوكهم، وتطور استراتيجياتهم، في طرق تعاملهم مع الآخرين، وممارسة أعمالهم. أصبحت تلك العادة لصيقة بي، وقد عرفت أنها عادة مفيدة بل ورائعة، كنت أنصح بها المرؤوسين الذين يعملون تحت قيادتي أيضا لاحقا، ثم بدأت أتطلع إلى المديرين الناجحين، أتعرف عليهم واقترب منهم، ونظرا لتمدد علاقاتي للدول الأوربية فكنت ابحث عنهم هناك، حيث أجدهم أكثر تعليما والتزاما بأخلاق وحرفية العمل ومهارته (أكثر منا نحن المسلمون). ثم كلما تعرفت إلى كادر تطلعت إلى الكادر الأعلى، حتى انتهيت إلى أساطير الإدارة وفلسفتهم، كنت ومازلت وأنا أمارس تلك العادة أنظر إلى انجح البشر، إنها حقيقة لكل من يبحث عن النجاح، إن كنت تريد النجاح فافعل مثلما يفعل الناجحون، تعلم منهم، قلدهم، كن مثلهم. لم ينجح أحد مثل النبي على الأرض، فقد جميع بين المستحيلات، جمع بين النجاح في الدنيا والدين، من قبله لم يفعلها أحد حتى من المرسلين! جمع بين محبة الناس وقيادتهم سلما وحربا، هل تعرف أنت قديما أو حديثا من استطاع الجمع بينهما؟ شارل ديجول مثلا الأسطورة الفرنسية، قاد أمته ووضع قوانينها، وفي الانتخابات الفرنسية للحصول على ولاية جديدة حصل فقط على نسبة تقارب الخمسة وستين في المائة، هكذا أتذكر، لم تعجبه نسبة التصويت لصالحه بعد كل فعله لفرنسا وشعبها فاستقال، أما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد كانت له المحبة ومازالت فوق القلوب مسيطرة كما لم يحدث من قبل، جمع بين المال والاستغناء عنه، بين النساء والعدل بينهم! بين تعليم الناس وقيادتهم وهو أمر عسير لو تعرفون، فقط يعرفه من مارس مهنة الإدارة، نجح في تبليغ الرسالة كما هى دون تحريف أو تأويل في حرف أو كلمة، وما أصعبها من مهمة، نجح في إبلاغنا بقصص السابقين، والعصور القادمة منذ زمنه وحتى قيام الساعة، لقد كان نموذجا رائعا للنجاح صلى الله عليه وسلم، بقدرة خارقة تشبه الإعجاز، وعبقرية نادرة جمعت بين عبقريات، بطاقة هائلة على تحمل المشاق، تعجبت لهذا النبي، أسطورة هو بحق، أقام دولة الدين في الدنيا ولأول مرة في التاريخ، وعلمنا قوانين العمل، ولا أظننا قد نجد من هو انجح منه، يمكننا تعلم الكثير من الجوانب منه. تعلموا من الناجحين، ومن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر، اقرءوا حياته وتأملوها بعين الباحث عن مواطن القوة، تأملوها وفسروها بعين جديدة، عين الباحثين عن النجاح وكيف وصل إليه صلى الله عليه وسلم، عن القدرة على تحمل المشاق وكيف استطاع صلى الله عليه وسلم، عن الحكمة في إدارة الأمور العملية والشخصية وكيف أدراها النبي صلى الله عليه وسلم، عن النجاح في العمل والتجارة وتنمية المال وكيف نجح فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قد يحتاج الأمر إلى الكتابة أكثر من المتخصصين في مجالات مختلفة، في الاجتماع، في التجارة والإدارة والأعمال، في فنون العلاقات الشخصية، في القدرة على التأثير واتخاذ القرارات، في التاريخ، العديد من الجوانب قد نحتاج من الخبراء تسليط الضوء عليها في جوانب حياة النبي صلى الله عليه وسلم، أنت أيضا لك رؤيتك، اقرأ قصته من جديد، توقف عند كل زاوية وركن، عند كل موقف، وأمام كل شخص، واسأل أين وكيف ولماذا باحثا عن النجاح الذي تريده وتنشده، أنا استفدت كثيرا، ومازلت استفيد، قرأتها كثيرا ومازلت أقرأها، في كل مرة اقرأها لكاتب أخر باحثا عن شئ جديد محدد، اقرأ نفس الموقف مرات عديدة فاستخرج في كل مرة حكمة ومعرفة مختلفة، أو حديثا أو قولا أو فعلا للنبي لم أكن أعرفه، أو جانبا مخفيا شخصيا من جوانب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أتعلم منه، خاصة جوانب الصمت، تعلمت من الصمت كما تعلمت من الكلام، الذكاء والفطنة في الجمع بين المتناقضات كالمسلمين واليهود في المدينة في كتاب يعد أروع دساتير المعايشة بين الديانات والمعتقدات المختلفة في دولة المواطنة، كلما قرأت وتأملت في سيرته الكريمة صلى الله عليه وسلم لهدف استخراج وتعلم شئ محدد كلما تعلمت أكثر، لقد علمه الله سبحانه وتعالى (وفي تفسير أخر هو جبريل عليه السلام الذي علمه) وفي الحالتين فقد كان تعليما إلهيا ربانيا متقنا: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى([1])، فأصبح النموذج الأفضل للمعرفة، التعلم من شخصيته والاهتداء به كقدوة. الصحابة اقتدوا به فنجحوا، عبدالله ابن عمر اشتهر بحرصه الشديد، أشد ما يكون الحرص على أن يقلد الرسول في كل شئ، تقريبا كل شئ، فكان عالما من علماء التابعين، يقول عنه أحد الكتاب([2]): لقد أحسن كأبيه الايمان بالله ورسوله.. ومن ثم, كانت متابعته خطى الرسول أمرا يبهر الألباب.. فهو ينظر, ماذا كان الرسول يفعل في كل أمر, فيحاكيه في دقة واخبات.. هنا مثلا, كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي.. فيصلي ابن عمر في ذات المكان.. وهنا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو قائما, فيدعو ابن عمر قائما... وهنا كان الرسول يدعو جالسا, فيدعو عبدالله جالسا.. وهنا وعلى هذا الطريق نزل الرسول يوما من فوق ظهر ناقته, وصلى ركعتين, فصنع ابن عمر ذلك اذا جمعه السفر بنفس البقعة والمكان بل انه ليذكر أن ناقة الرسول دارت به دورتين في هذا المكان بمكة, قبل أن ينزل الرسول من فوق ظهرها, ويصلي ركعتين, وقد تكون الناقة فعلت ذلك تلقائيا لتهيئ لنفسها مناخها. لكن عبدالله بن عمر لا يكاد يبلغ ها المكان يوما حتى يدور بناقته, ثم ينيخها, ثم يصلي ركعتين لله.. تماما كما رأى المشهد من قبل مع رسول الله.. ولقد أثار فرط اتباعه هذا, أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت: ما كان أحد يتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في منازله, كما كان يتبعه ابن عمر. ولقد قضى عمره الطويل المبارك على هذا الولاء الوثيق, حتى لقد حاء على المسلمين زمان كان صالحهم يدعو ويقول: "اللهم أبق عبدالله بن عمر ما أبقيتني, كي أقتدي به, فاني لا أعلم أحد على الأمر الأول غيره". وبقوة هذا التحري لشديد الاقتداء لخطى الرسول وسنته, كان ابن عمر يتهيّب الحديث عن رسول الله ولا يروي عنه عليه السلام حديثا الا اذا كان ذاكرا كل حروفه, حرفا.. حرفا. وقد قال معاصروه.. "لم يكن من أصحاب رسول الله أحد أشد حذرا من ألا يزيد في حديث رسول الله أو ينقص منه, من عبدالله بن عمر"..!! في التعلم من النبي فوائد، نحصد بعضها في الدنيا، وبعضها في الآخرة، نموذج كامل للنجاح كان صلى الله عليه وسلم، أمرنا الله أن نقتدي به، نفعل مثلما فعل، نسير على خطاه، نتبع أوامره وننتهى بنواهيه، ففي هذا النجاح الأكبر. -------------------------------------------------------------------------------- [1] سورة النجم، 5 [2] خالد محمد خالد، رجال حول الرسول