1. المقالات
  2. أعظم إنسان عرفته البشرية
  3. كيف ننصر هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؟

كيف ننصر هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؟

30511 2012/03/11 2024/03/28
المقال مترجم الى : English

 

سؤال ينبغي أن يسألَه كلُّ محبٍّ صادقٍ في محبته لهذا النبيِّ الكريمِ صلى الله عليه وسلم لنفسه، وهو: كيف أنصرُ هذا النبيَّ الكريمَ صلى الله عليه وسلم؟ كيف أذبُّ عن عرضِه الشريفِصلى الله عليه وسلم؟

وكيف أردُّ على حملاتِ التشويهِ الظالمة، والإساءة الغاشمة، التي يتعرَّض لها شخصُه الكريمُ صلى الله عليه وسلم في الشرق والغرب؟

وماذا يجبُ عليَّ وفاء بحقه وتأكيدًا لمحبته صلى الله عليه وسلم؟

وقبل أن أجيبك على هذا السؤال؛ لتسأل نفسَك: من اتصف بكل هذه الصفات الرائعة العظيمة التي بلغت الكمال البشري ـ أليس جديرًا بأن يُحَبَّ؟!!

فكيف إذا علمتَ أنه يحبُّك؟!! بل كيف إذا علمتَ أنه هو يشتاق لك ويتمنى رؤيتَك(1)؟!! بل ويبكي من أجلك خوفًا عليك وشفقةً بك(2)؟!

لا أشكُّ لحظةً أنك ستقول من كل قلبِك وكيانِك: بلى، أحبه صلى الله عليه وسلم.

عندها سأقول لك: إن مجرد محبته صلى الله عليه وسلم لا تكفي وحدها!! بل لابد أن تحقق حقيقة قول نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (البخاري ومسلم).

وهذا هو الجواب على كل الأسئلة المتقدمة: لكي ننصرَ نبيَّنا وحبيبَنا صلى الله عليه وسلم لابدَّ أولاً أن نحقق في أنفسنا حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم، وأن يكون حبُّه صلى الله عليه وسلم أعظمَ في قلوبنا من كلِّ حبٍّ؛ بل أعظمَ من محبتِنا أنفسَنا، وأن نجعلَ ذلك الحبَّ واقعًا ملموسًا مشاهَدًَا لَا زعمًا.

حبَّـًا كذاك الحبِّ الذي ملأ قلبَ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، حتى وجدَ رِيَّ ظمأ حبيبه صلى الله عليه وسلم في جوفه حقيقة لا ادعاء ولا مبالغة؛ فرضي لذلك!!

يحكي أبو بكر رضي الله عنه، عن رحلة الهجرة مع حبيبه من مكة إلى المدينة؛ فيقول: «مَرَرْنَا بِرَاعٍ وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ فَحَلَبْتُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ فِي قَدَحٍ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ...» (البخاري ومسلم).

و(الكُثْبَةُ): الجُرْعَة في الإِناءِ. والمقصود: كمية قليلة.

يالله ما أعظم وأصدق هذا الحب! «فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ»!!

وكيف يرضى الصِّدِّيق إلا وقد ذهب العطش عن حبيبه صلى الله عليه وسلم؟!!

وكأَنَّ أبا بكر رضي الله عنه، هو الذي ارتوى؛ فذهب عطشُه، والصِّدِّيق الذي جاء بالصدق وصدَّق به، لا يبالغ في حديثه، ولا يقول إلا ما وجده حقيقة!!

وهو نفسُه الحبُّ الذي ملأ كيان هذا الصحابي كلَّه؛ حتى لا يكاد يصبرُ على فراق حبيبه صلى الله عليه وسلم، فيرجع لينظر إلى وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم؛ بل إن هذا الشوق يتجاوز حدود الزمان والمكان؛ ليمتد إلى يوم القيامة، حتى وهو في الجنة!! فيقول له: يا رسول الله، والله إنك لأحبُّ إليَّ من نفسي، وإنك لأحبُّ إليَّ من أهلي، وأحبُّ إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك؛ فما أصبر حتى آتيك؛ فأنظر إليك، وإذا ذكرتُ موتي وموتَك؛ عرفتُ أنك إذا دخلتَ الجنةَ رُفعتَ مع النبيين، وإني إذا دخلتُ الجنةَ خشيتُ ألَّا أراك... (الطبراني)!!

وهو نفسُه الحبُّ الذي ملأ قلب بلال رضي الله عنه، حتى جعله يستعذِبُ الموتَ فرحِـًا مستبشرًا لقدومه؛ لأنه سيمكنه من رؤية حبيبه صلى الله عليه وسلم!!

تقول امرأته عند احتضاره: وا ويلاه! ويقول هو: وا فرحاه! غدًا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه (سير أعلام النبلاء)!!

وهو الحبُّ الذي جعل زَيْدَ بْنَ الدَّثِنَة رضي الله عنه، يؤثر الموت راضيًا مطمئنًا، على أن تُصيبَ حبيبَه صلى الله عليه وسلم شوكةٌ تؤذيه وهو في مجلسه!!

يقول لَهُ أَبُو سُفْيَانَ ـ وقد أَخْرَجُوهُ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ ـ فيسأله حِينَ قَدِمَ لِيُقْتَلَ: أَنْشُدُك الله، يَا زَيْدُ، أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمّدًا عِنْدَنَا الآنَ فِي مَكَانِك، نَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَأَنَّك فِي أَهْلِك؟ قَالَ: والله، مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمّدًا الآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ، وَأَنَّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي. قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا؛ كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ مُحَمَّدًا!! (سيرة ابن هشام).

وهو نفسُه الحبُّ الذي ملأ قلبَ سعدِ بنِ الرَّبيع؛ فجعل نُصرةَ حبيبِه صلى الله عليه وسلم وفداءه بالمُهَج والأرواح، هي آخر وصية يوصي بها قومه الأنصار، وهو يجودُ بنفسه شهيدًا رضي الله عنه!!

يقول زيد بن ثابت رضي الله عنه: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع.

قال: فجعلت أطوف بين القتلى، فأتيته وهو بآخر رمق، وبه سبعون ضربة؛ ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقلت: يا سعد! إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ أَفِي الأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الأَمْوَاتِ؟

قَالَ: أَنَا فِي الأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَك: جَزَاك الله عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيَّـًا عَنْ أُمّتِهِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَك عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُمْ: إنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ: إنَّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ الله، إنْ خُلِصَ إلَى نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم وَفيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ، وفَاضَتْ نَفسُه من وَقتِه (أخرجه الحاكم).

فأيُّ عذرٍ تعتذر به اليوم أمةُ المليار، وقد خُلِص إلى رسولها صلى الله عليه وسلم واجترأ عليه الأراذل والسفهاء؟!!

إن الحبَّ الحقيقي لرسولنا صلى الله عليه وسلم إذا لامس شغاف قلوبنا حقًا وصدقًا، وأصبح حقيقة لا دعوىـ لابدَّ وحتمًا أن يصبحَ واقعًا ملموسًا نعيشه، ونلمس آثاره في أخلاقنا، وفي سلوكنا، وفي اهتماماتنا، وفي حياتنا كلِّها.

إن هذا الحبَّ يدفعنا أولَ ما يدفعُنا إلى نصرة دين حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وأن نبذل لأجل الدعوة إليه، والحفاظ عليه، مُهَجَنا وأرواحَنا، وشعارُنا هو كلمةُ أعظم محبٍّ وأصدق محبٍّ رضي الله عنه، يوم تعرض دين محبوبه صلى الله عليه وسلم للخطر؛ فصاح صيحتَه الخالدة: إِنَّهُ قد انقطع الوحيُ، وتَمَّ الدِّينُ، أَيَنْقُصُ وأنا حَيٌّ؟! (جامع الأصول في أحاديث الرسول).

وما أفقه إمام دار الهجرة، وفقيه الإسلام رحمه الله، وهو يقول: «مَنِ ابتَدَعَ في الإسلام بدعةً يراها حسنة؛ فقد زعم أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم خانَ الرّسالة، لأنَّ الله يقول: " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" [المائدة: 3] فما لم يكن يومئذٍ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا» (الاعتصام للشاطبي).

فليت شعري كيف يدعي محبتَه صلى الله عليه وسلم أقوامٌ؛ ثم هم أولُ مِعولِ هدمٍ لشريعته ومحاربة سنته صلى الله عليه وسلم؛ بالابتداع في دينه بدعوى محبته، متجاهلين تحذيرَه الشديدَ صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومُحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ مُحدثَةٍ بدْعةٌ، وكلَّ بدْعَةٍ ضَلاَلَة» (أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني)؟!!

فالمحبُّ الصادقُ لرسولِه صلى الله عليه وسلم الذي يريـدُ نصرتَه بحقٍ؛ حريصٌ على اتباعه صلى الله عليه وسلم في كل شئونه، والاحتكام إلى شريعته الطاهرة، والرضا بها، والتسليم التام لها، وتعظيم سنته الشريفة.

والمحبُّ الصادقُ الذي يريد نُصرةَ حبيبِه صلى الله عليه وسلم يطيعُه في نهيه عن الغلو فيه، ولا يُنزله فوقَ منزلته، التي أنزله الله إياها، ورضيها له ربُّه عزَّ وجلَّ؛ وهي أنه عبدالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

والمحبُّ الصادقُ الذي يريد نُصرةَ حبيبِه صلى الله عليه وسلم حريصٌ أشدَّ الحرصِ على أن يتعرف سنَّةَ حبيبه صلى الله عليه وسلم، وعلى سيرته الشريفة، وأن يُعَلِّمَها أولادَه وأهلَه وزملاءه في العمل.

والمحبُّ الصـادقُ الذي يريد نُصرةَ حبيبِه صلى الله عليه وسلم، يحرص أشدَّ الحرصِ على التأسي بأخلاقه صلى الله عليه وسلم الكريمة وخصاله الشريفة، ليعطي صورة مشرفة لدينه ودعوته صلى الله عليه وسلم، وليَنعَمَ بالقرب منه صلى الله عليه وسلم، ويحظى بجواره يوم القيامة، تلك المنزلة العالية التي لا تُنال إلا بحسن الخلق، كما أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك؛ فقال: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكمْ أَخْلَاقًا» (أخرجه الترمذي وصححه الألباني).

والمحبُّ الصادقُ الذي يريد نُصرةَ حبيبِه صلى الله عليه وسلم لا تفارقُ محبتُه صلى الله عليه وسلم قلبَه طَرفةَ عينٍ، فهو دائمًا يستحضر عظيمَ فضلِه وإحسانِه صلى الله عليه وسلم عليه، وعلى كلِّ واحد منا؛ فقد بلغنا الرسالة أتم البلاغ، وأدى الأمانة أحسن الأداء، ونصح الأمة أعظم النصح وأصدقه.

والمحبُّ الصادقُ الذي يريد نُصرةَ حبيبِه صلى الله عليه وسلم يُحبُّ أهلَ بيتِهِ الكرامَ الأخيارَ الأبرارَ؛ من أزواجِه وذريَّتِه وقرابتِه الأطهارِ، ويُوَالِيهم ويُجِلُّهُم، ويُبغِضُ كلَّ مَنْ يُبغِضُهم، أو يَنتَقِصُ من قدْرِهم.

ويا لها من كلمة محبٍّ ما أصدقه وأصدقها: «والذي نَفْسي بيده، لَقَرابةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إليَّ أن أصل من قرابتي» (هو قول الصِّدِّيق ؛ جزء من حديث طويل أخرجه البخاري ومسلم)!!

والمحبُّ الصادقُ الذي يريد نُصرةَ حبيبِه صلى الله عليه وسلم، يحبُّ أصحابَه الكرامَ أجْمَعِين، ويُوَقِّرُهم، ويَقْتَدِي بِهم، ويَهتَدِي بهديِهم، ولا يَذْكُرُهم إلَّا بالجميلِ، ويكفُّ عمَّا شَجَرَ بينهم، ويَدْعُو ويَسْتَغْفِرُ لَهم، ويَعتقِدُ فضلَهم على مَنْ جاء بعدَهم، في العلم، والعمل، والمنزلة، ويُبغِضُ كلَّ مَنْ يُبغِضُهم، أو يَنتَقِصُ منهم.

والمحبُّ الصادقُ الذي يريد نُصرةَ حبيبِه صلى الله عليه وسلم، يحبُّ العلماءَ الربانيين، والدعاة الصادقين، ويُقَدِّرُهم، ويعرِفُ لهم فَضلَهم وقدرَهم، ويُطِيعُهُم في المعروفِ، ولا يتَتَبَّع زلَّاتِهم، ويَرجعُ إليهم في المُلِمَّاتِ، ويَصدُرُ عَن فَتاويهم في المُهِمَّاتِ، ويَنْشُرُ حَسَنَاتِهم، ويَذبُّ عنهم؛ لمكانتِهم وصلتِهم بميراث حبيبه صلى الله عليه وسلم.

والمحبُّ الصادقُ الذي يريد نُصرةَ حبيبِه صلى الله عليه وسلم لا يَكلُّ ولا يَملُّ من ترطيب لسانه وتعطيره، بكثرة الصلاة والسلام على حبيبه صلى الله عليه وسلم في كلِّ حينٍ، ويُبَادِرُ إلى ذلك عند سماع اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم.

وكيف يملُّ ويكلُّ؟! والصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم هي جلاء الأبصار، ونور البصائر، وبهجة القلوب، وراحة الأرواح، وقرة العيون، وانشراح الصدور، وهي جالبة السرور، وبها ذهاب الهموم والغموم، وهي مِسكُ المجالس، وطِيبُ الحياة، وزكاة العمر، وجمال الأيام، وهي علامة الحبِّ، وشاهدُ المتابعة، وبرهانُ الموالاة، والبخيلُ كلّ البخيل مَنْ ضنَّ بها(3)، والذلُّ والرَّغام مصير من امتنع عنها

المقال السابق
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day