1. المقالات
  2. لقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم - الشيخ صالح عينر
  3. لقاء مع النبى صلى الله عليه وسلم خلق الصدق

لقاء مع النبى صلى الله عليه وسلم خلق الصدق

 

لقاء مع النبى صلى الله عليه وسلم خلق الصدق
 
 
 
 
لقد أجمع الذين عرفواْ النبى  صلى الله عليه وسلم  وخالطوه منذ صباه على أنه صادق أمين لم يسمعواْ من فمه أكذوبه قط ولم يشكواْ فى خـبر من أخباره أو يستريبواْ فى قول من أقواله .
 
 
والسيدة خديجة لم تجد ما تهدىء به روعه حين أتاها خائفاً بعد أن نزل عليه الملك بقول " 
 
 
( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) سورة العلق الآية الأولى
 
خيراً من قولهـا : " أبشـر ؛ فو الله لا يخزيك الله أبداً ؛ والله إنك لتصل الرحم ؛ وتصدق الحديث ؛ وتؤدى الأمـانة ؛ وتحمـل الكَـلَّ ؛ وتقـرى الضيف ؛ وتعين على نوائب الحق " صحيح البخاري – كتاب التفسير 6 / 214
 
وقريش ذاتها أعلنت أنه صادق أمين ؛ فحينما جمعها ليصدع بالدعوة جهرةً كما أمره الله ؛ صعد جبل الصفا فقال : " يا صباحاه ؛فاجتمعوا اليه ؛ فقالوا ْ : مالك .. قال أرأيتم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوننى ..؟ قالوا : بلى .. فما جربنا عليك كذباً ؛ قال : فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد . فقال أبو لهب : تباً لك ؛ ألهذا جمعتنا ..؟ فأنزل الله تعالى :
 
 
( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ) سورة المسد 1 – 3
 
على أنهم و إن كانواْ كذبواْ بكونه نبياً ؛ الا أن أحداً منهم لم يجرؤ أن يصفه بالكذب فقد قال أبو جهل للنبى  صلى الله عليه وسلم  : اننا لانكذبك وما أنت فينا بمكذب ؛ ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى :
 
 
" قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ "
 
سورة الانعام الاية 33
 
ولما سـأل هـرقل امبراطـور الروم أبا سفيان فى ركب من قريش بعد صلح الحديبية : قال أكنتم تتهمونه بالكذب من قبل أن يقول ما قال ..؟ قال أبو سفيان : لا . فقال هرقل : ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله . 
 
صحيح البخارى – كتاب بدء الوحى 1/ 17
 
 
 
وجاء فى وصف على بن أبى طالب لرسول الله  صلى الله عليه وسلم  : " أنه كان أصدق الناس "
 
سنن الترمذى – كتاب المناقب 5 / 599 رقم 3638
 
 
 
الرســالـة 
 
لقد صدق رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فى تبليغه عن ربه ؛ لكن قريشاً التى وثقت وأطمأنت الى صدقه فى صلاتها به ؛ ومخالطتها اياه ؛ ناقضت نفسها ؛ فكذبت بنبوته مع شهادتهم له بأنه صادق أمين ؛ فأنكرت رسالته ؛ ولو أن الذين كذبوه احتكمواْ الى ثقتهم به ؛ وتجاربهم معه لعلمواْ أن الذى يصدقهم الاحاديث والاقوال لايستطيع أن يكذب على الله .
 
ولو أنهم كشفواْ عن قلوبهم ماران عليها من حجب العناد والضلال والحرص على منافع الدنيا وشواتها لأيقنواْ أن النبى  صلى الله عليه وسلم  يدعوهم الى الحق والخير والارتفاع عن وهاد الوثنية والشرك الى أوج التوحيد الخالص الذى تقتضيه الفطرة الصحيحة والعقل السليم لكنهم عمواْ عن هذا كله ؛ وعمواْ عن البينات الواضحات الدالة على صدق الرسول  صلى الله عليه وسلم  ولم يتبصرواْ فى قول الله تعالى :
 
 
( تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ )
 
(1) سورة الحاقة الايات 43 – 47 
 
لانه لو كان مدعياً للنبوة ما نفى عن نفسه الكذب بهذا التصوير المرعب الذى لايتفق ومكانة المدعى للكذب . على أن النبى  صلى الله عليه وسلم  وقريش تعلم علم اليقين انه لايقرأ ؛ ولا يكتب ؛ ولم يجلس الى معلم يتلقى عنه ؛ قد جاءهم بكتاب من عند الله ؛ فيه تشريع جديد ؛ فيه أخبار صحيحة عن الماضين ؛ وفيه أخبار بأمور ستقع ؛ وقد وقعت فعلاً ؛ فمن أين جاء النبى  صلى الله عليه وسلم  بهذا الكتاب ؛ وهو كما قال الله تعالى :
 
 
( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ )
 
سورة العنكبوت الاية 48
 
اذن من أين جاء النبى  صلى الله عليه وسلم  بالقرآن وقد عاش فيهم أربعين سنة ؛ لم يحدثهم بنبوة ولا رسالة :
 
 
" قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ "
 
سورة يونس الاية 16
 
وقد كانت تقع أحداث جسام يتطلع فيها النبى  صلى الله عليه وسلم  الى الهداية ؛ ويتشوق الى الحكم الفاصل ؛ فينتظر ملهوف حتى ينزل القرآن عليه بالوحى بالقضاء الحاسم ؛ ويكفى أن تضرب قصة حديث الافك مثالاً على ذلك ؛ فقد نسج المنافقون حول زوجته عائشة المقولات الكاذبة والافتراء والبهتان المبين ؛ وأبطأ الوحى ؛ والمسلمون فى قلق ؛ والنبى  صلى الله عليه وسلم  نفسه حائر لا يقول الا انه لايعلم عنها الا الخير ؛ ثم بعد شهر كامل نزل الوحى بتبرئتها مما افترواْ عليها .
 
فلو أن النبى  صلى الله عليه وسلم  كاذباً كما يزعمون لسارع منذ اليوم الاول بتبرئه زوجته وحماية عرضه ؛ ولكان من السهل عليه أن ينسب الى السماء ما يدعيه ؛ ليكف المتخرصون عن أراجيفهم ؛ وليطمئن المسلمون الى براءة زوجة نبيهم وهى أم من امهاتهم . 
 
وليس يصح أن ينسى أحد أن هذا المقام لايحتمل الصبر والانتظار ؛ لان الفرية مصوبة الى أعز ما يتصل بالانسان الحر وهو العرض ؛ ولأن هذا العرض موصول صلة ترفعه ؛ أو تضعه ؛ فهو عرض النبى  صلى الله عليه وسلم  ؛ وعرض صديقه أبى بكر ؛ وعرض أحدى امهات المسلمين . ولا يصح أن يتغافل أحد فى هذا المأزق أن النبى  صلى الله عليه وسلم  عربـى من اشرف قبيلة فى العرب ؛ والعرب أصحاب غيرة فى عرضهم لم تكن لها مثيل فى ألأمم الاخرى .
 
على أن الوحى كان الوحى كان ينزل أحياناً بما لم يكن النبى  صلى الله عليه وسلم  يتوقعه ؛ فيأذن له فى شىء لايقبل عليه ؛ كتحريمه الطعام على نفسه ؛ أو يعاتبه فى عمل عمله ؛ كإذنه لبعض المسلمين الذين استأذنوه فى أن يتخلفواْ من غزوة تبوك ؛ معتذرين بالسفر البعيد أو المرض ؛ وهم فى الحقيقة كاذبون :
 
( لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ)
 
سورة التوبة الآيات 42 - 43 
 
 
 
والعجب العجاب أن الله تعالى تحدى الناس المكذبين أن يأتوا ولو بسورة من مثل هذا القرآن ؛ وكان التحدى صارخاً ؛ اذ أنهم ذوى البلاغة والفصاحة ؛ فعجزواْ ؛ ولكنهم حاولواْ أن يستردواْ خزيهم ؛ ومن ثم اتهمواْ النبى  صلى الله عليه وسلم  بانه شاعر ؛ وبانه ساحر وبانه كاهن ؛ ولم يسألواْ أنفسهم لم قدر هو على ما عجزوا هم عنه ؛ مع أن فيهم الشعراء الفطاحل ؛ والسحرة المهرة ؛ والكهان المتكهنون ..؟ أو لعلهم سألو أنفسهم ولكن العناد أملى لهم فى الغى والضلال .
 
وشىء أخـر بانهـم بأذواقهـم ومقدرتهـم على وزن الكــلام ؛ وتمـييز بعضـه مـن بعـض كـانوا يجـدون فرقاً كبيراً بين القرآن وكلام النبى  صلى الله عليه وسلم  ؛ فالقـرآن الذى أعجزهـم هو القمة العليـا فى البلاغة ؛ ولكن كـلام النبى  صلى الله عليه وسلم  على كـثرة خطبـه وأحاديثـه لم يصل الى هذه القمة . 
 
ولم يدع النبى  صلى الله عليه وسلم  نفسه ؛ ولم يدع أحداً من المسلمين أن كلام النبى  صلى الله عليه وسلم  على درجة من درجات الاعجاز . 
 
فأنى له أن يكذب عليهم فيفتعل كلاماً معجزاً ينسبه الى الله ؛ وهو لايستطيع أن يحاكى هذا الكلام .
 
ثم ان لنا أن نسأل عن السبب الذى كانوا يظنون انه يدفع النبى  صلى الله عليه وسلم  الى الكذب ..؟ لقد احتمل فى دعوته افدح المخاطر ؛ وأقسى الشدائد ؛ وصبر على مالا يطيق لمدة تربوا عن ثلاثة وعشرين عاماً ؛ لم ينعم فيها براحة ولا أمن ولا اطمئنان . 
 
ثم كان معه عشرات الالوف من اتباعه يتعرضون لفقد الارواح والاموال والقلق الدائم على الحياة ؛ وهو لم يجن من وراء دعوته ما يجنيه أصحاب الدعاوى من رغد وثراء وابهة وسلطان .
 
فلو كان كاذباً – كما يدعون – لاثر على دعواه الرضا بما عرضه عليه من قومه من المال والملك والجاه حينما يئسوا من تراجعه عن الدعوة الى الاسلام الذى يسفه عقولهم ويلغى دياناتهم ؛ ويبطل كثير من عاداتهم ومعتقداتهم ؛ ويهدد مصالحهم الشخصية بالزوال . 
 
ولو لم يكن لأقام لنفسه ملكاً على الجزيرة العربية بعد أن دانت له وبعد أن وافته القبائل لتعلن اسلامها ؛ وتدين بالولاء . 
 
ولكنه لم يفعل شيئاً من هذا ؛ وقد كان أمراً ميسوراً عليه ؛ بل أثر أن يقضى حياته زاهداً لا طالب ما ل أو جاه .
 
وهاهو يأمر دائماً بالصدق وتزيينه ؛ وينهى عن الكذب ويقبحه ؛ فى غير موضع من أحاديثه ؛ منها قوله :
 
- عليكم بالصدق فان الصدق يهدى الى البر ؛ وان البر يهدى الى الجنة ؛ وان الرجل ليصدق حتى يكون صديقاً ؛ وان الكذب يهدى الى الفجور ؛ وان الفجور يهدى الى النار؛ وان الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كاذبا 
 
اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان حديث رقم 1675 
 
- وقـال  صلى الله عليه وسلم  : ايـة المنافـق ثـلاث : اذا حـدث كـذب ؛ واذا وعــد أخلـف ؛ واذا أؤتمـن خـان 
 
اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان حديث رقم 38
 
- وقال أيضا  صلى الله عليه وسلم  : البيعان بالخيار مالم يتفرقا ؛ فان صدقا وبينا بورك لهما فى بيعهما ؛ وان كتما محقت بركة بيعهما .
 
(3) متفق عليه & اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان حديث رقم 980
 
 
 
- وقال  صلى الله عليه وسلم  : تحرواْ الصدق وان رأيتم فيه الهلكة ؛ فإن فيه النجاة ؛ واجتنبواْ الكذب ؛ وان رأيتم فيه النجاة ؛ فان فيه الهلكة .
 
كنز العمال 3 / 344 رقم 6856 نقلاً عن تفسير : فى رحاب التفسير – عبد الحميد كشك –تفسير سورة المزمل .
 
 
 
- وقـال  صلى الله عليه وسلم  : ألا أنبئكـم بأكـبر الكبائـر ؟ قـالـواْ : بلى يارسـول الله ؛ قـال : الاشـراك بالله ؛ وعقــوق الوالــديـن ؛ الا وقـول الـزور ؛ فمــا زال يكـررهــا حـتى قـلنـا ليتـه سكت .
 
اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان حديث رقم 54
 
 
 
- وقـال  صلى الله عليه وسلم  : كـبرت خــيانه ان تحــدث أخــاك حديثـاً هـو لك به مصـدق ؛ وأنت له كـاذب .
 
مسند الامام أحمد 4 / 183
المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day