1. المقالات
  2. حملة صالحون مصلحون
  3. الأدب و حسن الخلق و حقوق المسلمين - الجزء الثاني

الأدب و حسن الخلق و حقوق المسلمين - الجزء الثاني

الكاتب : الشيخ شعبان عفيفي
4488 2011/11/24 2024/03/28

 

و الأدب نوعان :
 
1- نوع فطري .
 
 2- نوع كسبي ، بالتربية و التعود .
 
 
 
أما الفطري ، فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه و سلم :
 
 
 
َقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ : " إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ : الْحِلْمُ وَ الْأَنَاةُ "رواه مسلم .
 
و في رواية أبو داوود ، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ، حدثنا مطر بن عبد الرحمن الأعنق ، حدثتني أم أبان بنت الوازع بن زارع عن جدها زارع - و كان في وفد عبد القيس - ، قال : " لما قدمنا المدينة فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم و رجله ، قال : و انتظر المنذر الأشج حتى أتى عيبته فلبس ثوبيه ، ثم أتى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال له : إن فيك خلتين يحبهما الله الحلم و الأناة ، قال : يا رسول الله ، أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما ؟ ، قال : بل الله جبلك عليهما ، قال : الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله و رسوله " حسنه الألباني في صحيح سنن أبو داوود .
 
 
 
 
و أمّا الكسبي : فيكون بالتربية ، كما في حديث عمر ابن أبي سلمة :
 
 
كان عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ ، يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ، وَ كَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : « يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ ، وَ كُلْ بِيَمِينِكَ ، وَ كُلْ مِمَّا يَلِيكَ » ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ . متفق عليه
 
 
 
روى البخاري عن أَبُو بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : « أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ ، فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ، وَ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَ تَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ » .
 
 
 
قال ابن عمر رضي الله عنهما : " أدْب ابنك ، فإنَّك مسئول ماذا أدبته و ماذا علمته ، و هو مسئول عن بره بك و طواعيته لك " .
 
 
 
و الإنسان مثل الأرض ، لا يخرج ما بداخله من خير إلا بالفلاحة و التعب و الجهد ، و كذلك الأدب لا يكون إلا بالتعب و الجهد .
 
 
 
و من أهمية الأدب ، فقد ألفَّ البخاري كتابًا سماه " الأدب المفرد " ، و الخطيب البغدادي ألفَّ كتابًا في آداب طالب العلم ، و أيضًا ابن مفلح .
 
 
 
و كان لقب الإمام الحافظ ابن أبي الدنيا " مؤدب أبناء الخلفاء " ، و كان الخليفة يأتي بأفضل المؤدبين لأبنائه حتى يتعلموا الأدب قبل أن يحكموا الأمة .
 
و ذكر الراغب الأصفهاني : أنَّ المنصور بعث إلى أحد بني أمية في الحبس ، قال : ما أشد ما مر بكم في هذا الحبس ؟ ، قالوا : ما فقدنا من تربية أبنائنا .
 
 
 
قال ابن المبارك : " إذا وُصِفَ لي رجلٌ عنده علم الأولين و الآخرين ، لا أتأسف على فواته ، و إذا وصف لي رجل عنده أدب ، أتمنى لقاءه و أتأسف على فواته " .
 
 
 
و قال أحدهم لابنه : " يا بني ، لأن تتعلم بابًا واحدًا من الأدب ، أحب إليّ من أن تتعلم سبعين بابًا من العلم " .
 
 
 
و كان يحضر مجلس أحمد بن حنبل خمسة الآلاف ، خمسمائة يكتبون العلم ، و الباقي يتعلمون من أدب أحمد .
 
 
 
بعد أن بدأنا أول خطوة في طريق الصلاح و الإصلاح ، و هو اختيار الصاحب ، علينا أن نبدأ بأنفسنا أولًا ، حتى لا نكون كما قال تعالى : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ و َتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
 
البقرة 44 ؛ و قوله تعالى : ( كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) الصف 3 .
 
 
 
و أول سبل إصلاح النفس ، هو الأدب و حسن الخلق . و أعظم الأدب هو الأدب مع الله .
 
 
 
إنَّ الأدب مع الله تعالى : هو القيام بدينه ، و التّأدّب بآدابه ، ظاهرًا و باطنًا.
 
و لا يستقيم لأحد قطّ الأدب مع الله تعالى إلّا بثلاثة أشياء : معرفته بأسمائه و صفاته ، و معرفته بدينه و شرعه و ما يحبّ و ما يكره ، و نفس مستعدّة قابلة ليّنة متهيّئة لقبول الحقّ علما و عملًا و حالًا .
 
 
 
من الأدب مع الله : التّأدّب مع القرآن و تلاوته و تدبّره ، ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) ؛ لأنّ في ذلك العلم و المعرفة بما أمر به الله عزّ وجلّ و نهى عنه و تعظيم شعائره و عدم انتهاك محارمه .
 
 
 
كذلك فإنّه أفضل السّبل و أقربها إلى الثّراء الرّوحيّ ، ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) الأنفال 2 .
 
و من الأدب مع الله : التّوجّه إليه سبحانه بالدّعاء ، قال تعالى : ( قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً ) الفرقان 77 .
 
 
 
و دعا الرّسول صلّى الله عليه و سلّم إلى الاستعانة بالله عزّ وجلّ ، و استعان به قائلًا : « اللهمّ أعنّي على شكرك و ذكرك و حسن عبادتك » ، و منه أيضا الثّناء عليه و تسبيحه و شكره على آلائه العظيمة ، و هو القائل عزّ وجلّ : ( وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها ) النحل 18.
 
و منه التّوسّل إليه بأسمائه الحسنى و صفاته العليا و الاستعاذة و الاستغفار ، و الاستعانة به و التّضرّع إليه و التّوكّل عليه في جميع أمورنا.
 
 
 
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- : سمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - يقول : " من كمال أدب الصّلاة أن يقف العبد بين يدي ربّه مطرقًا خافضًا طرفه إلى الأرض ، و لا يرفع بصره إلى فوق " .
 
 
 
و من الأدب مع الله في العبادة : السّكون في الصّلاة ، و هو الدّوام الّذي قال الله تعالى فيه : ( الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ) المعارج 23 ؛ سئل عقبة ابن عامر عن قوله تعالى : ( الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ) ، أهم الّذين يصلّون دائما ؟ ، قال : لا ، و لكنّه إذا صلّى لم يلتفت عن يمينه و لا عن شماله و لا خلفه .
 
 
 
قلت - ابن القيّم - هما أمران : الدّوام عليها و المداومة عليها. فهذا الدّوام ، و المداومة في قوله تعالى : ( وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ) . و فسّر الدّوام بسكون الأطراف و الطّمأنينة .
 
 
 
و أدبه في استماع القراءة : التدبر و التأمل و السكينة حين سماع القران .
 
 
 
و رفع البصر إلى السماء في الصلاة ينافي الأدب مع الله ، و لذلك كان حرامًا ، و حذر منه النبي صلى الله عليه و سلم تحذيرًا بالغًا ، و قال فيه قولًا شديد ، فقال صلى الله عليه و سلم : « ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم » ، فاشتد قوله في ذلك حتى قال : «لينتهنّ عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم » .
 
 
 
 و إذا نظرت إلى أدب الخضر عليه السلام مع ربه ، حين قال في خرقه للسفينة :
 
قال : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبً ) الكهف 79 ؛ فلم ينسب العيب إلى الله أدبًا منه ، مع أنَّه قال : ما فعلته عن أمري .
 
 
 
وانظر إلى أدب إبراهيم عليه السلام ، حين قال : ( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ  وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ  وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ  وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ  رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) الشعراء 78 - 82 ؛ فلم ينسب المرض إلى الله تعالى أدبًا منه مع الله .
 
 
 
فهذا من الأدب أن يكون الإنسان مؤدبًا مع ربه ، فلا ينسب الشر و لا العيب إليه ، مع أنَّه يعلم أنَّ كل شيء من عند الله و بأمر الله .
 
 
 
لا يحلف بغير الله أبدًا صادقا أو كاذبا ، ( وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) .
 
و لا يكثر من الحلف بالله ، قال تعالى : ( وَ احْفَظُوا أَيْمَانَكُم ) المائدة 89 .
 
 
 
و من جميل أقوال العلماء في الأدب مع الله :
 
 
 
قال أبا علي الدقاق : " من صاحب الملوك بغير أدب ، أسلمه الجهل إِلَى القتل " .
 
 
 
رَوَى عَنِ ابْن سيرين أَنَّهُ سئل : أي الآداب أقرب إِلَى اللَّه تَعَالَى ؟ ، فَقَالَ : " معرفة ربوبيته و عمل بطاعته و الحمد لِلَّهِ عَلَى السراء و الصبر عَلَى الضراء " .
 
 
 
و قيل - للحسن البصري - : قَدْ أَكْثَر النَّاس فِي علم الآداب فَمَا أنفعها عاجلا و أوصلها جلا ، فَقَالَ : التفقه فِي الدين و الزهد فِي الدنيا و المعرفة مِمَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عليك .
 
 
 
و َقَالَ يَحْيَي بْن معاذ : من تأدب بأدب اللَّه تَعَالَى صار من أهل محبة اللَّه تَعَالَى ؛ وَ قَالَ سهل : الْقَوْم استعانوا بالله تَعَالَى عَلَى أمر اللَّه تَعَالَى ، و صبروا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى آداب اللَّه تَعَالَى .
 
 
 
وَ رَوَى عَنِ ابْن مبارك أَنَّهُ قَالَ : نحن إِلَى قليل من الأدب أحوج منا إِلَى كثير من العلم ؛ وَ قَالَ يَحْيَي بْن معاذ :  إِذَا ترك للعارف أدبه مَعَ معروفه فَقَدْ هلك مَعَ الهالكين .
 
 
 
سمعت الأستاذ أبا عَلِي يَقُول : " ترك الأدب موجب ، يوجب الطرد ، فمن أساء الأدب عَلَى البساط رد إِلَى الباب ، و من أساء الأدب عَلَى الباب رد إِلَى سياسة الدواب " .
 
 
 
و ترك الحسد ، لأن الحسد من سوء الأدب مع الله تعالى .
 
 
 
يا حاسدًا لي على نعمتي   أتدري على من أسأت الأدب
 
أسأت الله مع الله في ملكه  فعاقبك بأن زادني و سد عنك أبواب الطلب
 
 
 
 
و من سوء الأدب : سب الدهر أو الزمن عند حلول المصائب ؛ لأن الدهر ليس هو الفاعل ، بل الفاعل هو الله سبحانه . أو قول: ما شاء الله و شاء فلان .
 
 
 
ومن الأدب مع الله سبحانه و تعالى ، أن يستتر الذي يريد غسلاً بشيء يستره و يواريه ، و خصوصاً من كان في الأمكنة المكشوفة التي لا يحجبها شيء . وَ عَن يعلى : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ الله وَ أثْنى عَلَيْهِ وَ قَالَ : « إِن الله عز وَجل حييّ حييّ ستير يحب الْحيَاء و الستر ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَ النَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَتِهِ قَالَ : « إِنَّ اللَّهَ سِتِّيرٌ فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلْيَتَوَارَ بِشَيْءٍ » حسنه الألباني .
 
 
 
عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : « قلت : يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ ، فقال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ، قلت : يا رسول الله ، فإذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ - ( أي في السفر ونحوه ) - ، قال : فإن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها ، فقلت : فإذا كان أحدنا خاليًا ( أي منفردا ) ، قال : فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه » . رواه أحمد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه و الحاكم و البيهقي حسنه الألباني .
المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day