1. المقالات
  2. إسعاف المؤمنين بنصرة خاتم المرسلين - د.وسيم فتح الله
  3. بابٌ جامعٌ لقوله تعالى :"واصبر لحِـُكم ربِّك فإنك بأعيننا"

بابٌ جامعٌ لقوله تعالى :"واصبر لحِـُكم ربِّك فإنك بأعيننا"

 

بابٌ جامعٌ لقوله تعالى :"واصبر لحِـُكم ربِّك فإنك بأعيننا":

 

هذا بابٌ جامعٌ لكل ما تقدم، فإذا تأملت أدركت رعاك الله كيف أحاط الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بسياج الحفظ والمنعة، وضرب من حوله فسطاط العظمة والتوقير والإجلال، فنهى ومنع من التقدم برأيٍ أو كلامٍ بين يديه صلى الله عليه وسلم، حتى إذا وُجِد داعي التخاطب معه صلى الله عليه وسلم منع من مناداته باسمه ومنع من التسمي بلقبه حتى لا يلتبس النداء ويتمكن العدو الغادر من الاستهزاء، وقصر نداءه صلى الله عليه وسلم على مثل يا رسول الله ، يا نبي الله، والموفَّق من قدَّم بين يدي ذلك بالتفدية بالنفس والأهلون، حتى إذا جاء الإذن بالكلام في حضرته صلى الله عليه وسلم كان النهي والمنع من رفع الصوت إجلالاً وتوقيراً لمجلسه من أن يعلو فيه صوتٌ فوق صوته صلى الله عليه وسلم،

 

 

 

ثم إذا كان الإذن بالكلام مَنع من تناول ألفاظٍ قد تكون مدعاة إساءة في الخطاب وسوء أدب في السلوك معه صلى الله عليه وسلم، بل أمر بهجر ألفاظٍ لا لشيء إلا لأنها قريبة من ألفاظ يكيده بها أعداؤه صلى الله عليه وسلم لتكتمل بذلك البراءة من أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إذا جاء الكلام بهذه القيود والضوابط منع من الانبساط والاسترسال في المجلس حتى لا يؤذى النبي صلى  الله عليه وسلم بتعب أو ملل، ولكن هيهات أن يؤذن لأحد بقيامٍ من مجلسه صلى الله عليه وسلم إلا بإذن، فإذا كان الإذن كان الانصراف مسموحاً به، وهم لا ينصرفون عنه صلى الله عليه وسلم إلا بأجسادهم أما قلوبهم فمعلَّقة به صلى الله عليه وسلم، ثم حذَّر سبحانه وتعالى أحداً أن ينال جناب النبوة بأذى، ولو كان من أزواجه بشيء تستدعيه طبيعة النساء وهنَّ مَن هنَّ في الورع والتقوى وخشية الله عز وجل وتوقير النبي صلى الله عليه وسلم، فنبه بهذا الأدنى على المحذور والمحظور الأعلى وهو أذى أعدائه من المنافقين المبغضين الشانئين، ولما لم يكن يكفي هؤلاء التنبيه والتحذير كان الوعيد الشديد لهم بالعذاب الأليم في الدنيا تقتيلاً وفي الآخرة في النار تخليداً، ولما كان وقوع الأذى والكيد داعياً للمؤمنين لنصرة نبيه صلى الله عليه وسلم أكد سبحانه وتعالى على أن مقام النبوة أعز عند الله تعالى من أن يُحيجَ نبينا صلى الله عليه وسلم لأحد، فتكفل بنصرته سبحانه وتعالى وإعلاء شأنه وقطع دابر شانئه وبتره وُجوداً وذِكراً، لتكتمل بهذا المشهد الجليل معالم صيانة الله تعالى لجناب النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي هو صلوات الله وسلامه عليه، ألا فليعلم أن من شتم مِن هذا مكانه عند الله تعالى فقد اختار لنفسه أن يُؤذِنَه اللهُ تعالى بحربٍ ينتصر بها لنبيه صلى الله عليه وسلم، فلبئس ما اختار الهالك المعتدي على مقام صفوة خلق الله أجميعن، ولنعم ما نصر الله تعالى وأعز به مقام نبيه صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين.

 

 

 

ثم اعلم أن كل ما تقدم وصفُه مما أوجبه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في حياته فإن مِثلَه باقٍ بعد مماته صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحدٍ أن يتقدم برأي بين يدي الكتاب والسنة، وإذا أحوجه الموقف إلى إعمال فكر واجتهاد تنبه لئلا يعلو رأيُه فوق قول الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم ليعرف للنبي صلى الله عليه وسلم فضله ومكانه فلا يذكره باسمه مجرداً ولا يترك الصلاة والسلام عليه أبداً مهما تكرر ذكره صلى الله عليه وسلم، ثم ليتخير من الكلام واللفظ ما ينأى به عن تحريف مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الرغبة عن سنته أو الابتداع في شريعته، ثم لينتبه من أن يسترسل مع داعي رأيه بزعم الاجتهاد فيبتعد عن شاطئ السنة ويضيع في محيط الوساوس والرأي المذموم، وليحذر من أن يسيء وهو لا يدري لمقام النبوة بنسبة قولٍ باطلٍ أو مذمومٍ لشريعته صلى الله عليه وسلم؛ فلا يرميها بنقصٍ أو عدم مجاراةٍ للواقع ولتغير الزمان والمكان فإن هذا غاية سوء الأدب مع مَن بعثه الله تعالى بشريعةٍ كاملةٍ إلى يوم يبعثون، وليراقب بحذر كل من تسول له نفسه التنقص عمداً من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كأولئك الهلكى من المستشرقين وأذنابهم من بني جلدتنا الذين يتطاولون على مقام النبوة بتكذيب حديثٍ أو توهين سنةٍ أو تقديم عقلٍ دعِّيٍ على سنةٍ نبويةٍ ثابتةٍ صحيحة، وليعلم أن مقامه من هؤلاء الهلكى مقام الانتصار للنبي صلى الله عليه وسلم بدفع شبهة إن كانت هي الغالب أو قطع اللسان والوتين إن كان السبُّ المجرَّد، وليعلم أن الله تعالى ناصر نبيه صلى الله عليه وسلم سواء نصره الأتباع أم لا، فليتخير من يدَّعي الانخراط في صفوف الجندية المحمدية أن يكون ممن يسلَّ السيف ذوداً عن جناب النبوة أو أن يكون من القابعين مع الخوالف والمنافقين، وهكذا فلن تعدم أدباً وتعزيراً وتوقيراً برَّ به صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيَّهم عليه الصلاة والسلام في حياته، إلا وجدت مِن جنسه ما تبره به صلى الله علبه وسلم بعد مماته، والحمد لله رب العالمين.

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day