1. المقالات
  2. غزوات رسول الله
  3. السرايا والبعوث بين أحد والأحزاب

السرايا والبعوث بين أحد والأحزاب

الكاتب : قبسات من الرحيق المختوم
17042 2007/11/21 2024/03/29
المقال مترجم الى : English

كان لمأساة أحد أثر سيئ على سمعة المؤمنين ، فقد ذهبت ريحهم ، وزالت هيبتهم عن النفوس ، وزادت المتاعب الداخلية والخارجية على المؤمنين وأحاطت الأخطار بالمدينة من كل جانب ، وكاشف اليهود والمنافقون والأعراب بالعداء السافر ، وهمت كل طائفة منهم أن تنال من المؤمنين ، بل طمعت في أن تقضي عليهم وتستأصل شأفتهم‏ .‏

   فلم يمض على هذه المعركة شهران حتى تهيأت بنو أسد للإغارة على المدينة ‏.‏ ثم قامت قبائل عَضَل وقَارَة في شهر صفر سنة 4هـ بمكيدة تسببت في قتل عشرة من الصحابة ، وفي نفس الشهر نفسه قام عامر بن الطُّفَيل العامري بتحريض بعض القبائل حتى قتلوا سبعين من الصحابة ، وتعرف هذه الوقعة بوقعة بئر مَعُونَة ، ولم تزل بنو نضير خلال هذه المدة تجاهر بالعداوة حتى قامت في ربيع الأول سنة 4 هـ بمكيدة تهدف إلى قتل النبي(صلى الله عليه وسلم)، وتجرأت بنو غَطَفَان حتى همت بالغزو على المدينة في جمادي الأولي سنة 4 هـ ‏.‏

   فريح المسلمين التي كانت قد ذهبت في معركة أحد تركت المسلمين ـ إلى حين ـ يهددون بالأخطار ، ولكن تلك هي حكمة محمد

 

 (صلى الله عليه وسلم) التي صرفت وجوه التيارات ، وأعادت للمسلمين هيبتهم المفقودة ، وأكسبتهم العلو والمجد من جديد‏ .‏ وأول ما أقدم عليه بهذا الصدد هي حركة المطاردة التي قام بها إلى حمراء الأسد ، فقد حفظ بها قدراً من سمعة جيشه ، واستعاد بها من مكانته شيئاً مذكوراً ، ثم قام بمناورات أعادت للمسلمين هيبتهم ، بل زادت فيها ، وفي الصفحات الآتية شيء مما جرى بين الطرفين

 

سرية أبي سلمة

   أول من قام ضد المسلمين بعد نكسة أحد هم بنو أسد بن خزيمة ، فقد نقلت استخبارات المدينة أن طلحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعون بني أسد بن خزيمة إلى حرب رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  ‏.‏

   فسارع رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  إلى بعث سرية قوامها مائة وخمسون مقاتلاً من المهاجرين والأنصار ، وأمر عليهم أبا سلمة ، وعقد له لواء ‏.‏ وباغت أبو سلمة بني أسد بن خزيمة في ديارهم قبل أن يقوموا بغارتهم ، فتشتتوا في الأمر ، وأصاب المسلمون إبلا وشاء لهم فاستاقوها ، وعادوا إلى المدينة سالمين غانمين لم يلقوا حرباً‏ .‏

   كان مبعث هذه السرية حين استهل هلال المحرم سنة 4 هـ‏ .‏

   وعاد أبو سلمة وقد نفر عليه جرح كان قد أصابه في أحد، فلم يلبث حتى مات ‏.‏

 

 

بعث عبد الله بن أنيس

   وفي اليوم الخامس من نفس الشهر ـ المحرم سنة 4 هـ ـ نقلت الاستخبارات أن خالد بن سفيان الهذلي يحشد الجموع لحرب المسلمين ، فأرسل إليه النبي(صلى الله عليه وسلم)  عبد الله ابن أنيس ليقضي عليه‏ .‏

   وظل عبد الله بن أنيس غائباً عن المدينة ثماني عشرة ليلة ، ثم قدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم ، وقد قتل خالداً وجاء برأسه ، فوضعه بين يدي النبي(صلى الله عليه وسلم)  فأعطاه عصا وقال‏ :‏ ‏" ‏هذه آية بيني وبينك يوم القيامة "‏، فلما حضرته الوفاة أوصي أن تجعل معه في أكفانه ‏.‏

 

بعث الرجيع

   وفي شهر صفر من نفس السنة ـ أي الرابعة من الهجرة ـ قدم على رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  قوم من عَضَل وقَارَة ، وذكروا أن فيهم إسلاماً ، وسألوا أن يبعث معهم من يعلمهم الدين ، ويقرئهم القرآن ، فبعث معهم ستة نفر ـ في قول ابن إسحاق ، وفي رواية البخاري أنهم كانوا عشرة ـ وأمر عليهم مَرْثَد بن أبي مَرْثَد الغَنَوِي ـ في قول ابن إسحاق ، وعند البخاري أنه عاصم بن ثابت جد عاصم بن عمر بن الخطاب ـ فذهبوا معهم ، فلما كانوا بالرجيع ـ وهو ماء لهُذَيلِ بناحية الحجاز بين رَابِغ وجُدَّة ـ استصرخوا عليهم حياً من هذيل يقال لهم ‏:‏ بنو لَحْيَان ، فتبعوهم بقريب من مائة رام ، واقتصوا آثارهم حتى لحقوهم ، فأحاطوا بهم ـ وكانوا قد لجأوا إلى فَدْفَد ـ وقالوا ‏:‏ لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلاً‏ .‏ فأما عاصم فأبي من النزول وقاتلهم في أصحابه ، فقتل منهم سبعة بالنبل ، وبقي خُبَيب وزيد بن الدَّثِنَّةِ ورجل آخر ، فأعطوهم العهد والميثاق مرة أخرى ، فنزلوا إليهم ولكنهم غدروا بهم وربطوهم بأوتار قِسِيهم ، فقال الرجل الثالث ‏:‏ هذا أول الغدر ، وأبى أن يصحبهم ، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه ، وانطلقوا بخبيب وزيد فباعوهما بمكة ، وكانا قتلا من رؤوسهم يوم بدر ، فأما خبيب فمكث عندهم مسجوناً ، ثم أجمعوا على قتله ، فخرجوا به من الحرم إلى التنعيم ، فلما أجمعوا على صلبه قال ‏:‏ دعوني حتى أركع ركعتين ، فتركوه فصلاهما ، فلما سلم قال‏ :‏ والله لولا أن تقولوا ‏:‏ إن ما بي جزع لزدت ، ثم قال ‏: ‏اللّهم أحْصِهِمْ عَدَدًا ، واقتلهم بَدَدًا ، ولا تُبْقِ منهم أحداً ، ثم قال ‏:‏

لقـد أجمع الأحزاب حـولي وألبوا
 
وقد قربوا أبنـاءهـم ونسـاءهم
 
إلى الله أشـكـو غربي بعد كربتي
 
فذا الرش صبرني على ما يراد بي
 
وقد خيروني الكفـر والموت دونه
 
ولست أبالي حين أقتـل مسـلماً
 
وذلك في ذات الإله وإن يشــأ

 

قبـائـلهـم واستجمعوا كل مجمع
 
وقـربت من جـذع طـويل ممنـع
 
وما جمع الأحزاب لي عند مضجعي
 
فقد بضعوا لحمي وقد بؤس مطعمي
 
فقد ذرفت عيـنـاي من غير مدمع
 
على أي شـق كان في الله مضجعي
 
يبـارك على أوصـال شـلو ممزع

   فقال له أبو سفيان ‏:‏ أيسرك أن محمدا عندنا نضرب عنقه ، وأنك في أهلك ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا والله ، ما يسرني أني في أهلي وأن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه‏ .‏ ثم صلبوه ووكلوا به من يحرس جثته ، فجاء عمرو بن أمية الضمري ، فاحتمله بخدعة ليلاً ، فذهب به فدفنه ، وكان الذي تولى قتل خبيب هو عقبة بن الحارث ، وكان خبيب قد قتل أباه حارثاً يوم بدر ‏.‏

   وفي الصحيح أن خبيباً أول من سن الركعتين عند القتل، وأنه رئي وهو أسير يأكل قِطْفًا من العنب، وما بمكة ثمرة ‏.‏

   وأما زيد بن الدَّثِنَّة فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه‏ .‏

   وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه ـ وكان عاصم قتل عظيماً من عظمائهم يوم بدر ـ فبعث الله عليه مثل الظُّلَّة من الدَّبْر ـ الزنابير ـ فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء‏.‏ وكان عاصم أعطي الله عهداً ألا يمسه مشرك ولا يمس مشركاً‏.‏ وكان عمر لما بلغه خبره يقول‏:‏ يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما يحفظه في حياته ‏.‏

مأساة بئر معونة

   وفي نفس الشهر الذي وقعت فيه مأساة الرَّجِيع وقعت مأساة أخرى أشد وأفظع من الأولى ، وهي التي تعرف بوقعة بئر معونة‏.‏

   وملخصها ‏:‏ أن أبا براء عامر بن مالك المدعو بمُلاَعِب الأسِنَّة قدم على رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  المدينة ، فدعاه إلى الإسلام فلم يسلم ولم يبعد ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، لو بعثت أصحابك إلى أهل نَجْد يدعونهم إلى دينك لرجوت أن يجيبوهم ، فقال ‏:‏ ‏( ‏إني أخاف عليهم أهل نجد ‏) ‏، فقال أبو بََرَاء ‏:‏ أنا جَارٌ لهم ، فبعث معه أربعين رجلاً ـ في قول ابن إسحاق ، وفي الصحيح أنهم كانوا سبعين ، والذي في الصحيح هو الصحيح ـ وأمر عليهم المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة الملقب بالمُعْنِقَ لِيمُوت ، وكانوا من خيار المسلمين وفضلائهم وساداتهم وقرائهم ، فساروا يحتطبون بالنهار ، يشترون به الطعام لأهل الصفة ، ويتدارسون القرآن ويصلون بالليل ، حتى نزلوا بئر معونة ـ وهي أرض بين بني عامر وحَرَّة بني سُلَيْم ـ فنزلوا هناك ، ثم بعثوا حرام بن مِلْحَان أخا أم سليم بكتاب رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  إلى عدو الله عامر بن الطُّفَيْل ، فلم ينظر فيه ، وأمر رجلاً فطعنه بالحربة من خلفه ، فلما أنفذها فيه ورأى الدم ، قال حرام ‏:‏ الله أكبر ، فُزْتُ ورب الكعبة ‏.‏

   ثم استنفر عدو الله لفوره بني عامر إلى قتال الباقين ، فلم يجيبوه لأجل جوار أبي براء ، فاستنفر بني سليم ، فأجابته عُصَيَّة ورِعْل وذَكَوان ، فجاءوا حتى أحاطوا بأصحاب رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  ، فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد بن النجار ، فإنه ارْتُثَّ من بين القتلى ، فعاش حتى قتل يوم الخندق ‏.‏

   وكان عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن عقبة بن عامر في سرح المسلمين فرأيا الطير تحوم على موضع الوقعة ، فنزل المنذر ، فقاتل المشركين حتى قتل مع أصحابه ، وأسر عمرو بن أمية الضمري ، فلما أخبر أنه من مُضَر جَزَّ عامر ناصيته ، وأعتقه عن رقبة كانت على أمه ‏.‏

   ورجع عمرو بن أمية الضمري إلى النبي(صلى الله عليه وسلم)  حاملاً معه أنباء المصاب الفادح ، مصرع سبعين من أفاضل المسلمين ، تذكر نكبتهم الكبيرة بنكبة أحد ، إلا أن هؤلاء ذهبوا في قتال واضح ، وأولئك ذهبوا في غدرة شائنة ‏.‏

   ولما كان عمرو بن أمية في الطريق بالقَرْقَرَة من صدر قناة ، نزل في ظل شجرة ، وجاء رجلان من بني كلاب فنزلا معه ، فلما ناما فتك بهما عمرو ، وهو يرى أنه قد أصاب ثأر أصحابه ، وإذا معهما عهد من رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  لم يشعر به ، فلما قدم أخبر رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  بما فعل ، فقال ‏: ‏‏( ‏لقد قتلت قتيلين لأدِيَنَّهما‏ )‏ ، وانشغل بجمع ديتهما من المسلمين ومن حلفائهم اليهود ، وهذا الذي صار سبباً لغزوة بني النضير ، كما سيذكر ‏.‏

   وقد تألم النبي(صلى الله عليه وسلم)  لأجل هذه المأساة ، ولأجل مأساة الرجيع اللتين وقعتا خلال أيام معدودة ، تألما شديداً ، وتغلب عليه الحزن والقلق ، حتى دعا على هؤلاء الأقوام والقبائل التي قامت بالغدر والفتك في أصحابه ‏.‏ ففي الصحيح عن أنس قال ‏:‏ دعا النبي(صلى الله عليه وسلم)  على الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحاً ، يدعو في صلاة الفجر على رِعْل وذَكْوَان ولَحْيَان وعُصَية ، ويقول‏ :‏‏ ( ‏عُصَية عَصَتْ الله ورسوله‏ ) ‏، فأنزل الله تعالى على نبيه قرآناً قرأناه حتى نسخ بعد ‏:‏ ‏(‏ بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ‏)‏ فترك رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  قُنُوتَه ‏.‏

غزوة بني النضير

   قد أسلفنا أن اليهود كانوا يتحرقون على الإسلام والمسلمين إلا أنهم لم يكونوا أصحاب حرب وضرب ، بل كانوا أصحاب دس ومؤامرة ، فكانوا يجاهرون بالحقد والعداوة ، ويختارون أنواعاً من الحيل ، لإيقاع الإيذاء بالمسلمين دون أن يقوموا للقتال مع ما كان بينهم وبين المسلمين من عهود ومواثيق ، وأنهم بعد وقعة بني قينقاع وقتل كعب بن الأشرف خافوا على أنفسهم فاستكانوا والتزموا الهدوء والسكوت ‏.‏

   ولكنهم بعد وقعة أحد تجرأوا ، فكاشفوا بالعداوة والغدر ، وأخذوا يتصلون بالمنافقين وبالمشركين من أهل مكة سراً ، ويعملون لصالحهم ضد المسلمين ‏.‏

   وصبر النبي(صلى الله عليه وسلم)  حتى ازدادوا جرأة وجسارة بعد وقعة الرَّجِيع وبئر مَعُونة ، حتى قاموا بمؤامرة تهدف القضاء على النبي(صلى الله عليه وسلم)  ‏.‏

   وبيان ذلك‏ :‏ أنه(صلى الله عليه وسلم)  خرج إليهم في نفر من أصحابه ، وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضَّمْرِي ـ وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة ـ فقالوا ‏:‏ نفعل يا أبا القاسم ، اجلس ها هنا حتى نقضي حاجتك ‏.‏ فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم ينتظر وفاءهم بما وعدوا ، وجلس معه أبو بكر وعمر وعلي وطائفة من أصحابه‏ .‏

   وخلا اليهود بعضهم إلى بعض، وسوّل لهم الشيطان الشقاء الذي كتب عليهم ، فتآمروا بقتله(صلى الله عليه وسلم)  ، وقالوا ‏:‏ أيكم يأخذ هذه الرحى ، ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها ‏ ؟‏‏.‏‏.‏‏.‏ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش ‏:‏ أنا ‏.‏ فقال لهم سَلاَّم بن مِشْكَم‏ :‏ لا تفعلوا ، فوالله ليخبرن بما هممتم به ، وإنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه ‏.‏ ولكنهم عزموا على تنفيذ خطتهم ‏.‏

   ونزل جبريل من عند رب العالمين على رسوله(صلى الله عليه وسلم)  يعلمه بما هموا به ، فنهض مسرعاً وتوجه إلى المدينة ، ولحقه أصحابه فقالوا ‏:‏ نهضت ولم نشعر بك ، فأخبرهم بما هَمَّتْ به يهود ‏.‏

   وما لبث رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  أن بعث محمد بن مسلمة إلى بني النضير يقول لهم ‏:‏ ‏( ‏اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها ، وقد أجلتكم عشراً ، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه ‏) ‏‏.‏ ولم يجد يهود مناصاً من الخروج ، فأقاموا أياماً يتجهزون للرحيل ، بيد أن رئيس المنافقين ـ عبد الله بن أبي ـ بعث إليهم أن اثبتوا وتَمَنَّعُوا ، ولا تخرجوا من دياركم ، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم ، فيموتون دونكم ‏" ‏لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ‏ "‏ ‏[‏الحشر‏:‏11‏]‏ وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان ‏.‏

   وهناك عادت لليهود ثقتهم ، واستقر رأيهم على المناوأة ، وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قاله رأس المنافقين ، فبعث إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  يقول ‏:‏ إنا لا نخرج من ديارنا ، فاصنع ما بدا لك‏ .‏

   ولا شك أن الموقف كان حرجاً بالنسبة للمسلمين ، فإن اشتباكهم بخصومهم في هذه الفترة المحرجة من تاريخهم لم يكن مأمون العواقب ، وقد رأوا كَلَب العرب عليهم وفتكهم الشنيع ببعوثهم ، ثم إن يهود بني النضير كانوا على درجة من القوة تجعل استسلامهم بعيد الاحتمال ، وتجعل فرض القتال معهم محفوفاً بالمكاره ، إلا أن الحال التي جدت بعد مأساة بئر معونة وما قبلها زادت حساسية المسلمين بجرائم الاغتيال والغدر التي أخذوا يتعرضون لها جماعات وأفراداً ، وضاعفت نقمتهم على مقترفيها ، ومن ثم قرروا أن يقاتلوا بني النضير ـ بعد همهم باغتيال الرسول(صلى الله عليه وسلم)  ـ مهما تكن النتائج ‏.‏

   فلما بلغ رسول الله(صلى الله عليه وسلم)  جواب حيي بن أخطب كبر وكبر أصحابه ، ثم نهض لمناجزة القوم ، فاستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، وسار إليهم ، وعلي بن أبي طالب يحمل اللواء ، فلما انتهى إليهم فرض عليهم الحصار ‏.‏

   والتجأ بنو النضير إلى حصونهم ، فأقاموا عليها يرمون بالنبل والحجارة، وكانت نخيلهم وبساتينهم عوناً لهم في ذلك ، فأمر بقطعها وتحريقها ، وفي ذلك يقول حسان‏ : ‏

 وهان على سَرَاةِ بني لُؤي

 

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day