1. المقالات
  2. الجزء الثالث_زاد المعاد
  3. في هديه في تضمين من طب الناس وهو جاهل بالطب

في هديه في تضمين من طب الناس وهو جاهل بالطب

3606 2007/11/27 2024/03/29

 
في هديه في تضمين من طب الناس وهو جاهل بالطب


روى أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك فهو ضامن هذا الحديث يتعلق به ثلاثة أمور أمر لغوي وامر فقهي وامر طبي فأما اللغوي فالطب بكسر الطاء في لغة العرب يقال على معان منها الاصلاح يقال طببته إذا أصلحته ويقال له طب بالامور اي لطف وسياسة قال الشاعر :


( وإذا تغير من تميم أمرها % كنت الطبيب لها برأي ثاقب )


ومنها الحذق قال الجوهري كل حاذق طبيب عند العرب قال أبو عبيد أصل الطب الحذق بالأشياء والمهارة بها يقال للرجل طب وطبيب إذا كان كذلك وإن كان في غير علاج المريض وقال غيره رجل طبيب أي حاذق سمي طبيبا لحذقه وفطنته قال علقمة :


( فإن تسألوني بالنساء فإنني % خبير بأدواء النساء طبيب )
( إذا شاب رأس المرء أو قل ماله % فليس له من ودهن نصيب )


 وقال عنترة :


( إن تغد في دوني القناع فإنني % طب بأخد الفارس المستلئم )

 

 

أي إن ترخي عني قناعك وتستري وجهك رغبة عني فإني خبير حاذق بأخذ الفارس الذي قد لبس لأمة حربه
ومنها العادة يقال ليس ذلك بطبي أي عادي قال فروة بن مسيك  :

فما إن طبنا جبن ولكن % منايانا ودولة آخرينا )


وقال أحمد بن الحسين المتنبي :


( وما التيه طبي فيهم غير انني % بغيض إلي الجاهل المتعاقل )

 

 


ومنها السحر يقال رجل مطبوب اي مسحور وفي الصحيح في حديث عائشة لما سحرت يهود رسول الله وجلس الملكان عند رأسه وعند رجليه فقال أحدهما ما بال الرجل قال الآخر مطبوب قال من طبه قال فلان اليهودي قال أبو عبيد إنما قالوا للمسحور مطبوب لأنهم كنوا بالطب عن السحر كما كنوا عن اللديغ فقالوا سليم تفاؤلا بالسلامة وكما كنوا بالمفازة عن الفلاة المهلكة التي لا ماء فيها فقالوا مفازة تفاؤلا بالفوز من الهلاك ويقال الطب لنفس الداء قال ابن أبي الاسلت :


( ألا من مبلغ حسان عني % اسحر كان طبك ام جنون )

 

وأما قول الحماسي :


( فإن كنت مطبوبا فلا زلت هكذا % وإن كنت مسحورا فلابريء السحر )

 

 

فإنه أراد بالمطبوب الذي قد سحر وأراد بالمسحور العليل بالمرض قال الجوهري ويقال للعليل مسحور وأنشد البيت ومعناه إن كان هذا الذي قد عراني منك ومن حبك أسأل الله دوامه ولا اريد زواله سواء كان سحراأو مرضا والطب مثلث الطاء فالمفتوح الطاء هو العالم بالامور وكذلك الطبيب يقال له طب أيضا والطب بكسر الطاء فعل الطبيب والطب بضم الطاء اسم موضع قاله ابن السيد وانشد  :

( فقلت هل انهلتم بطب ركابكم % بجائزة الماء التي طاب طينها )


 وقوله من تطبب ولم يقل من طب لأن لفظ التفعل يدل على تكلف الشيء والدخول فيه بعسر وكلفه وانه ليس من اهله كتحلم وتشجع وتصبر نظائرها وكذلك بنوا تكلف على هذا الوزن قال الشاعر ( وقيس عيلان ومن تقيسا )

 

 

 

 

وأما الامر الشرعي فإيجاب الضمان على الطبيب الجاهل فإذا تعاطى علم الطب وعمله ولم يتقدم له به معرفة فقد هجم بجهله على اتلاف الانفس وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه فيكون قد غرر بالعليل فيلزمه الضمان لذلك وهذا إجماع من اهل العلم قال الخطابي لا اعلم خلافا في ان المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنا والمتعاطي علما او عملا لا يعرفه متعد فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية وسقط عنه القود لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض وجناية المتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته قلت الاقسام خمسة احدها طبيب حاذق اعطى الصنعة حقها ولم تجن يده فتولد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع ومن جهة من يطبه تلف العضو او النفس او ذهاب صفة فهذا لا ضمان عليه اتفاقا فإنها سراية مأذون فيه وهذا كما إذا ختن الصبي في وقت وسنة قابل للختان وأعطي الصنعة حقها فتلف العضو او الصبي لم يضمن وكذلك إذا بط من عاقل او غيره ما ينبغي بطه في وقته على الوجه الذي ينبغي فتلف به لم يضمن وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعد الفاعل في سببها كسراية الحد بالاتفاق وسراية القصاص عند الجمهور خلافا لأبي حنيفة في إيجابه الضمان بها وسراية التعزير وضرب الرجل امرأته والمعلم الصبي والمستأجر الدابة خلافا لأبي حنيفة والشافعي في إيجابهما الضمان في ذلك واستثنى الشافعي ضرب الدابة وقاعدة الباب إجماعا ونزاعا أن سراية الجناية مضمونة بالاتفاق وسراية الواجب مهدرة بالاتفاق وما بينهما ففيه النزاع فأبو حنيفة اوجب ضمانه مطلقا وأحمد ومالك أهدرا ضمانه وفرق الشافعي بين  المقدر فأهدر ضمانه وبين غير المقدر فأوجب ضمانه فأبو حنيفة نظر إلى ان الاذن في الفعل إنما وقع مشروطا بالسلامة وأحمد ومالك نظرا إلى ان الاذن اسقط الضمان والشافعي نظر إلى أن المقدار لا يمكن النقصان منه فهو بمنزلة النص وأما غير المقدر كالتعزيرات والتأديبات فاجتهادية فإذا تلف بها ضمن لأنه في مظنه العدوان

 

 

فصل


القسم الثاني متطبب جاهل باشرت يده من يطبه فتلف به فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له واذن له في طبه لم يضمن ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غر العليل واوهمه أنه طبيب وليس كذلك وإن ظن المريض أنه طبيب وأذن له في طبه لأجل معرفته ضمن الطبيب ما جنته يده وكذلك إن وصف له دواء يستعمله والعليل يظن انه وصفه لمعرفته وحذقه فتلف به ضمنه والحديث ظاهر فيه أو صريح

 

 


فصل


القسم الثالث طبيب حاذق أذن له واعطى الصنعة حقها لكنه أخطأت يده وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه مثل أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة فهذا يضمن لأنها جناية خطأ ثم إن كانت الثلث فما زاد فهو على عاقلته فإن لم تكن عاقلة فهل تكون الدية في ماله أو في بيت المال على قولين هما روايتان عن احمد وقيل إن كان الطبيب ذميا  في ماله وإن كان مسلما ففيه الروايتان فإن لم يكن بيت مال أو غير تعذر تحميله فهل تسقط الدية أو تجب في مال الجاني فيه وجهان أشهرهما سقوطهما

 

 


فصل


القسم الرابع الطبيب الحاذق الماهر بصناعته اجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في اجتهاده فقتله فهذا يخرج على روايتين إحداهما أن دية المريض في بيت المال والثانية أنها على عاقلة الطبيب وقد نص عليهما الامام احمد في خطأ الإمام والحاكم

 

 


فصل


القسم الخامس طبيب حاذق أعطي الصنعة حقها فقطع سلعة من رجل أو صبي أو مجنون بغير إذنه أو إذن وليه او ختن صبيا بغير إذن وليه فتلف فقال أصحابنا يضمن لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه وإن أذن له البالغ أو ولي الصبي والمجنون لم يضمن ويحتمل أن لا يضمن مطلقا لأنه محسن ما على المحسنين من سبيل وأيضا فإنه إن كان معتديا فلا أثر لإذن الولي في إسقاط الضمان وإن لم يكن متعديا فلا وجه لضمانه فإن قلت هو متعد عند عدم الإذن غير متعد عند الإذن قلت العدوان وعدمه إنما يرجع إلى فعله هو فلا أثر للإذن وعدمه فيه وهذا موضع نظر 

 

 


فصل

والطبيب في هذا الحديث يتناول من يطب بوصفه وقوله وهو الذي يخص باسم الطبائعي وبمروده وهو الكاحل وبمبضعه ومراهمه وهو الجرائحي وبمواسه وهو الخاتن وبريشته وهو الفاصد وبمحاجمه ومشرطه وهو الحجام وبخلعه ووصله ورباطه وهو المجبر وبمكواته وناره وهو الكواء وبقربته وهو الحاقن وسواء كان طبه لحيوان بهيم او انسان فاسم الطبيب يطلق لغة على هؤلاء كلهم كما تقدم وتخصيص الناس له ببعض انواع الاطباء عرف حادث كتخصيص لفظ الدابة بما يخصها به كل قوم

 

 


فصل


والطبيب الحاذق هو الذي يراعي في علاجه عشرين امرا احدها النظر في نوع المرض من اي الامراض هو الثاني النظر في سببه من اي شيء حدث والعلة الفاعلة التي كانت سبب حدوثه ما هي الثالث قوة المريض وهل هي مقاومة للمرض او أضعف منه فإن كانت مقاومة للمرض مستظهرة عليه تركها والمرض ولم يحرك بالدواء ساكنا الرابع مزاج البدن الطبيعي ما هو الخامس المزاح الحادث عل غير المجري الطبيعي 

 

 


السادس سن المريض عادته الثامن الوقت الحاضر من فصوله السنة وما يليق به التاسع بلد المريض وتربته العاشر حال الهواء في وقت المرض الحادي عشر النظر في الدواء المضاد لتلك العلة الثاني عشر النظر في قوة الدواء ودرجته والموازنة بينها وبين قوة المريض الثالث عشر ألا يكون كل قصده إزالة تلك العلة فقط بل إزالتها على وجه يأمن معه حدوث أصعب منها فمتى كان إزالتها لا يأمن معها حدوث علة أخرى أصعب منها أبقاها على حالها وتلطيفها هو الواجب وهذا كمرض أفواه العروق فإنه متى عولج بقطعة وحبسه خيف حدوث ما هو اصعب منه

 

 


الرابع عشر ان يعالج بالاسهل فالاسهل فلا ينتقل من العلاج بالغاء إلى الدواء إلا عند تعذره ولاينتقل إلى الدواء المركب إلاعند تعذر الدواء البسيط فمن حذف الطبيب علاجه بالأغذية بدل الادوية وبالأدوية البيسطة بدل المركبة الخامس عشر أن ينظر في العلة هل هي مما يمكن علاجها أو لا فإن لم يمكن علاجها حفظ صناعته وحرمته ولايحمله الطمع على علاج لا يفيد شيئا وإن أمكن علاجها نظر هل يمكن زوالها أم لا فإن علم أنه لايمكن زوالها نظر هل يمكن تخفيفها وتقليلها أم لا فإن لم يمكن  تقليلها ورأى ان غاية الإمكان إيقافها وقطع زيادتها قصد بالعلاج ذلك وأعان القوة وأضعف المادة السادس عشر ألا يتعرض للخلط قبل نضجه باستفراغ بل يقصد إنضاجه فإذا تم نضجه بارد إلى استفراغه

 


السابع عشر أن يكون له خبرة باعتلال القلوب والأرواح وأوديتها وذلك أصل عظيم في علاج الابدان فإن انفعال البدن وطبيعته عن النفس والقلب أمر مشهود والطبيب إذا كان عارفا بأمراض القلب والروح وعلاجهما كان هو الطبيب الكامل والذي لاخبرة له بذلك وإن كان حاذقا في علاج الطبيعة وأحوال البدن نصف طبيب وكل طبيب لا يداوي العليل بتفقد قلبه وصلاحه وتقوية روحه وقواه بالصدقة وفعل الخير والاحسان والإقبال على الله والدار الآخرة فليس بطبيب بل متطبب قاصر ومن اعظم علاجات المرض فعل الخير والاحسان والذكر والدعاء والتضرع والابتهال إلى الله والتوبة ولهذه الامور تأثير في دفع العلل وحصول الشفاء اعظم من الادوية الطبيعية ولكن بحسب استعداد النفس وقبولها وعقيدتها في ذلك ونفعه

 


الثامن عشر التلطف بالمريض والرفق به كالتلطف بالصبي التاسع عشر أن يستعمل أنواع العلاجات الطبيعية والإلهية والعلاج بالتخييل فإن لحذاق الاطباء في التخييل أمورا عجيبة لا يصل إليها الدواء فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكل معين وهو ملاك أمر الطبيب أن يجعل علاجه وتدبيره دائرا على ستة اركان حفظ الصحة الموجودة ورد الصحة المفقودة بحسب الإمكان وإزالة العلة أو تقليلها بحسب الإمكان واحتمال أدنى  المفسدتين لإزالة أعظمهما وتفويت ادنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما فعلى هذه الاصول الستة مدار العلاج وكل طبيب لا تكون هذه أخيته التي يرجع إليها فليس بطييب والله اعلم

 

 


فصل


ولما كان للمرض اربعة احول ابتداء وصعود وانتهاء وانحطاط تعين على الطبيب مراعاة كل حال من احوال المرض بما يناسبها ويليلق بها ويستعمل في كل حال ما يجب استعماله فيها فإذا رأى في ابتداء المرض ان الطبيعة محتاجة إلى ما يحرك الفضلات ويستفرغها لنضجها بادر إليه فإن فاته تحريك الطبيعة في ابتداء المرض لعائق منع من ذلك أو لضعف القوة وعدم احتمالها للاستفراغ او لبرودة الفصل أو لتفريط وقع فينبغي ان يحذر كل الحذر ان يفعل ذلك في صعود المريض لأنه إن فعله تحيرت الطبيعة لاشتغالها بالدواء وتخلت عن تدبير المرض ومقاومته بالكلية ومثاله أن يجيء إلى فارس مشغول بمواقعة عدوه فيشغله بأمر آخر ولكن الواجب في هذه الحال أن يعين الطبيعة على حفظ القوة ما أمكنه


فإذا انتهى المرض ووقف وسكن أخذ في استفراغه واستئصال أسبابه فإذا أخذ في الانحطاط كان أولى بذلك ومثال هذا مثال العدو إذا انتهت قوته وفرغ سلاحه كان أخذه سهلا فإذا ولى وأخذته في الهرب كان أسهل أخذا وحدته وشوكته إنما هي في ابتدائه  وحال استفراغه وسعة قوته فهكذا الداء والدواء سواء


 

 

 


فصل


ومن حذق الطبيب أنه حيث أمكن التدبير بالأسهل فلا يعدل إلى الأصعب ويتدرج من الأضعف إلى الأقوى إلا أن يخاف فوت القوة حينئذ فيجب أن يبتديء بالأقوى ولا يقيم في المعالجة على حال واحدة فتألفها الطبيعة ويقل انفعالها عنه ولا تجسر على الأدوية القوية في الفصول القوية وقد تقدم أنه إذا أمكنه العلاح بالغذاء فلا يعالج بالدواء وإذا أشكل عليه المرض أحار هو أم بارد فلا يقدم حتى يتبين له ولا يجربه بما يخاف عاقبته ولا بأس بتجربته بمالا يضر أثره وإذا اجتمعت أمراض بدأ بما تخصه واحدة من ثلاث خصال إحداها أن يكون برء الآخر موقوفا على برئه كالورم والقرحة فإنه يبدأ بالورم الثانية أن يكون أحدها سببا للآخر كالسدة والحمى العفنة فإنه يبدأ بإزالة السبب الثالة أن يكون أحدهما أهم من الآخر كالحاد والمزمن فيبدأ بالحاد ومع هذا فلا يغفل عن الآخر وإذا اجتمع المرض والعرض بدأ بالمرض إلا أن يكون العرض أقوى كالقولنج فيسكن الوجع أولا ثم يعالج السدة وإذا أمكنه أن يعتاض عن المعالجة بالاستفراغ بالجوع أو الصوم أو النوم لم يستفرغه وكل صحة أراد حفظها حفظها بالمثل أو الشبه وإن أراد نقلها إلى ما هو أفضل منها نقلها بالضد
 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day