1. المقالات
  2. مقالات و خواطر
  3. السلام عليك.. أيها النبي

السلام عليك.. أيها النبي

الكاتب : معتز الجعبري
تحت قسم : مقالات و خواطر
8200 2008/12/18 2024/03/28

بقلم: معتز الجعبري

 انقسم شعوري.... فكان في كل وادٍ منه شعبة وأنا أدلف ساحة المسجد النبوي الشريف على ساكنه أفضل الصلاة والسلام.

كنت موزعاً بين شوقٍ إلى النبي لم أجده طاغياً في النفس ولا مهيمناً على القلب، وبين جفلةٍ من السطوة التي يفرضها رونق رخام الأروقة المتلألأ وأعمدة المرمر المزخرفة وزينة السجاد الفاخر.. جلال يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار. وبين جفوة الزحام الذي أخافه دائما وأتجنبه ما استطعت.

حال الموج البشري بيني وبين الدخول إلى المسجد من باب السلام أو من باب البقيع أقرب الأبواب للحجرة النبوية الشريفة حيث يرقد النبي – عليه الصلاة والسلام- لإلقاء السلام عليه. فدخلت من باب سيدنا بلال - رضي الله عنه – وصليت ما شاء الله لي أن أصلي، فجَـمَـعَـتِ الصلاة شظايا نفسي، وجعلت بثّـي واحداً.... "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"

 

حافظت على الصلوات الخمس منذ نعومة أظفاري، وذقت طعم الخشوع في بعض تلكم الصلوات، وتدبرت ما تليت أو سمعت فيها من قرآن وتسبيح وركوع وسجود، لكن لم يحدث قط وعلى مدى ثلاثين سنة مضت على التزامي بالصلاة أن يكون الجلوس الأخير قبل التسليم مدعاةً للخشوع والبكاء، ولم يحدث لي من قبل أن ألقيت السلام على النبي بكامل عقل وبملء شعورٍ وحيد لا يخالطه شعور كما حدث اليوم "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته...."

كانت كلمة "عليك" هي التي تستجيش شجوناً واتصالاً بحضرة النبي لم أعشه من قبل..

 

التحيات لله والصلوات والطيبات... الحمد لله الذي بعث فينا رسولاً من أنفسنا.. عزيز عليه ما عنتنا.. حريص علينا بالمؤمنين رؤوف رحيم

 

السلام عليك أيها النبي... وقد خطف الموت أباك قبل أن يراك، وطوى الأجل أمك وأنت ابن ست سنين..

 

السلام عليك أيها النبي... وقد رددت الفضل لربك فقلت: "أدبني ربي فأحسن تأديبي" فما أقلت الغبراء أصدق منك لهجة، ولا أوفى منك ذمة، ولا أرأف منك بالعالمين، واحتمى بك الناس إذا حمي الوطيس فقلت لهم" لن تراعوا.. لن تراعوا"، ولم تبلغ الريح المرسلة جودك، وتمّم الله بك مكارم الأخلاق.

 

السلام عليك أيها النبي... وقد أذاك قومك وأخرجوك وكسروا رباعيتك وقذفوك بالشوك والحجارة وأدموا قدميك فيُعرض عليك إهلاكهم فتقول: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون"..

 



 

السلام عليك أيها النبي... وقد صليتَ في حجرتك حتى تفطرت قدماك وأنت طاوٍ على الجوع في بيوت لا توقد فيها نار وترأف بحالك أمنا عائشة – رضي الله عنها – فتقول: " أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" فتجيبها: "أفلا أكون عبداً شكوراً"

 

السلام عليك أيها النبي... وأنت تحفر الخندق وقد دثّرك وأصحابك البردُ، تربط على بطنك حجرين، تبشرهم بالنصر..

 

السلام عليك أيها النبي... وأنت على مشارف مكة فاتحا وقد أحنيت رأسك على رحلك تواضعاً لله.. ثم قلت للذين حاربوك "لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء"..

 

السلام عليك أيها النبي... وقد حملك الوفاء إلى الرجوع مع أنصارك للمدينة تاركاً أحب بلاد الله إليك.. مسبحاً ربك مستغفراً..

 

السلام عليك أيها النبي... مسلّماً على أهل البقيع.. وقد عُرضت عليك الدنيا فآثرت الرفيق الأعلى..

 

السلام عليك في التوراة...

"محمد عبدي ورسولي سميته المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخَّاب بالأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، وأفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً"

 

السلام عليك في الإنجيل...

"... فقال لهم يسوع: ألم تقرأوا في الكتاب: الحجر الذي رفضه البناة، هو نفسه صار حجر الزاوية الأساسي. من الرب كان هذا، وهو عجيب في أنظارنا! لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله سينزع من أيديكم ويسلّم إلى شعب يؤدي ثمره. فأي من يقع على هذا الحجر يتكسر، ومن يقع الحجر عليه يسحقه سحقاً"

 

 

 

أقيمت صلاة العصر وتبعتها صلاة الجنازة، وما زلت أتنسم فضائل خاتم الرسل وأسلم عليه. ولم يخرق صفو ذلك الانسجام إلا تذكري لما قاله "أفاك روما" في حق أفضل الخلق، وأربأ بأن أسرد بهتانه في متن خواطري عن خيرة الله من خلقه*.

 

قال تعالى: "يا حسرةً على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون"

يا لله  ما أجهل العباد بقدر خير الرسل، وما أجرأهم على مقامه عند ربه مع أنهم لو استفتحوا على الله من كل باب لم يفتح لهم إلا بتصديق نبيه الخاتم وحبه ونصرته...

لقد أنكرت عين "أفاك روما الأعظم" ضوء الشمس؟ وأنكر فمه طعم الماء العذب الزلال من سقم لا ينفك عنه؟

ولم يكتف بهذا الإنكار، بل نقل كل شرور كنيسته إلى جراب غيره، وعيّـر الآخرين بالرمد وهو أعمىً لا يبصر.

إذا كان "أفاك روما الأعظم" قد نسي أن كنيسته المندمجة مع الإمبراطوريات المتغطرسة هي قرينة للاستبداد والعنف لبسط سيطرتها، أو سيطرة القياصرة فالأمران سيان، فإن أشياعهم من الأرثوذكس والبروتستانت قبل المسلمين والوثنيين لا ينسون جرائمهم في حقهم. حتى أن الغربيين أنفسهم هم الذين وصفوا تلك القرون بالمظلمة.

وإذا كان "أفاك روما ودجالها" قد فقد ذاكرته المتصلة بعلاقة كنيسته الوثيقة بالعقل والعلماء المختزلة في إجبارهم على تبني نظرياتها حول الكون والإنسان، التي هي أقرب للخرافة والشعوذة، وإعدام من يخالفها بتهمة التجديف والهرطقة. فإن ذاكرة النصارى قبل غيرهم تحفظ ما فعلته الكنيسة بسطوة سيفها بالكتب والمكتبات، ونظريات كوبرنيكس، وجاليليو.

 

 

"ورفعنا لك ذكرك"

 

محمدٌ صلى الله عليه وسلم لا يحتاج لشهادة أهل الأرض، فشهادة رب العالمين والملأ الأعلى كافية في فضله وصدقه، قال تعالى: "لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً"، لكني سأورد شهادات من علماء وأدباء وعظماء نصارى في حق النبي الكريم من باب الاعتراف بفضل الله - عزوجل - الذي أنجز لنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم - أن يرفع ذكره على ألسنة محبيه ومبغضيه وغيرهم دون أن يستجديهم أحد لفعل ذلك.

إن المقام لا يتسع لاستقصاء جوانب العظمة في شخصية محمد صلى الله عليه وسلم، لأن من لا يبصرها فهو في الدنيا أعمى وفي الآخرة أضل سبيلاً.

وقد عجبت حقا من القائمة الطويلة جدا التي أوردتها الموسوعات ودوائر المعارف بهذا الصدد، فإن الذين كتبوا عن صدق النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وجوانب عظمته وشخصيته الفذة المتفردة من النصارى وأصحاب الملل والمذاهب الأخرى كثيرون لم أستطع إحصاؤهم.

وقد أدلى معظم هؤلاء المنصفين بشهاداتهم في وقت ضعف المسلمين وتراجع سلطانهم. فلا يقال أنهم يرجون ذهبهم أو يخافون سيوفهم. ومثال على ذلك فقد تجشم العالم والمؤرخ الأمريكي مايكل هارت مؤلف كتاب (الخالدون المائة) عناء إثارة غضب النخبة والشارع المسيحي في العالم الغربي في أوج صعود مدنيته وأفول نجم حضارة المسلمين، أقول تجشم غضب جمهوره بأن جعل محمدا – صلى الله عليه وسلم - أول هؤلاء الخالدين وأعظم الناس أثراً في التاريخ. وقال في كتابه: "إن اختياري لمحمد ليتصدر قائمة "أشد الناس تأثيرا في التاريخ" قد يفاجئ بعض القراء، وقد يشكّك فيه البعض الآخر، لكن محمداً هو الرجل الوحيد في التاريخ الذي حقّق نجاحاً ساحقاً في الوجهين الديني والدنيوي".

وقد فعل المفكر اليهودي الأمريكي "ماسيرمان" مثل ما فعل صاحبه في مقابلة أجرتها معه مجلة "تايم" الأمريكية في عددها الصادر في 15 يوليو عام 1974 فقد سألته المجلة من هم قادة التاريخ العظماء؟ فكانت إجابته: "إنه لا المسيح ولا موسى ولكن محمد هو القائد الأعظم في جميع الأزمنة".

ويصب كلام الأديب والفيلسوف الألماني "غوتيه"- الذي يعتقد الدارسون  لكلامه ومواقفه أنه أسلم – في نفس الاتجاه السابق مضيفا اعتباره محمدا النموذج الإنساني الصالح للتأسي والاقتداء يقول غوتيه:"إننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد، وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي محمد … وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد"

ويحمل الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل (1795-1881م) بشدة على كل أفاك يقلب حقائق التاريخ من أجل تكذيب محمد فيقول في كتابه "الأبطال": "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث في هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خدّاع مزوِّر .
وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ ، صادق العزم بعيداً، كريماً بَرًّا، رؤوفاً، تقياً، فاضلاً، حراً، رجلاً شديد الجد، مخلصاً، وهو مع ذلك سهل الجانب، ليِّن العريكة، جم البِشر والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب. كان عادلاً ، صادق النية ، ذكي اللب ، شهم الفؤاد كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم، ممتلئاً نوراً، رجلاً عظيماً بفطرته، لم تثقفه مدرسة، ولا هذبه معلم، وهو غني عن ذلك"
وبعد أن أفاض كارليل في إنصاف النبي محمد ختم حديثه بهذه الكلمات : "هكذا تكون العظمة، هكذا تكون البطولة،هكذا تكون العبقرية"
أما الشاعر الفرنسي "لامارتين" فقد درس سيرة محمد – صلى الله عليه وسلم –  وخرج للعالم بكتاب (حياة محمد) الذي قال فيه: "أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود". ثم تسائل لامارتين عن سر عظمة النبي مشيراً إلى أهم إنجاز لمحمد فقال: "أي رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد؟! وأي إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ؟! لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق"

وفي كتاب آخر (تاريخ الأتراك) وضع لامارتين ثلاثة مقاييس موضوعية للقائد العظيم هي: (1) عظمة الغاية (2) قلة الوسائل (3) النتائج الرائعة. ويستنتج بعدها التالي: "فيلسوف، خطيب، رسول، مشرع، محارب، هادم للأفكار الباطلة وعبادة الأصنام والصور، محيي للمعتقدات العقلانية، مؤسس إمبراطورية دنيوية وروحية ذلك هو محمد. وبالنظر إلى كل المقاييس التي يمكن أن تقاس بها عظمة البشر يحق لنا أن نسأل هل يوجد أي إنسان أعظم منه؟"

إن مثل تلك الشهادات السابقة من قلب العالم الغربي النصراني لتدل بعمق على نور محمد الذي بهر الأبصار، وعلى صدق ما جاء به محمد – صلى الله عليه وسلم – عن ربه لإخراج الناس كل الناس على اختلاف ألسنتهم وألوانهم ودون تمييز من الظلمات إلى النور.

إن ما نفثه "أفاك روما الأعظم" ليعبر عن غيظه مما وصل إليه سلطان محمد في العالم فرغم المليارات التي تنفقها كنيسته والدول الكبرى لحرب دين محمد وصرف أبناء الإسلام عن اتباعه، ورغم تخاذل حكام المسلمين عن نصرة دين محمد وضعف ذراري المسلمين إلا أن سلطان محمد بلغ الدنيا بأسرها ويدك أسوار روما، إن سلطان الله، بسطه لنبيه في قلوب أعدائه قبل محبيه. إنه السلطان الذي ذكره  " بوسوورث سميث" في كتابه "محمد والإسلام" إذ يقول: "لقد كان محمدا القيصر والبابا في شخص واحد، لكنه كان بابا بدون خيلاء البابوات، والقيصر بدون حشود القياصرة، بدون جيش متأهب، بدون حاشية، بدون قلعة..."

وأختم بشهادة فليسوف هندوسي هو " بانديت جياناندرا ديف شارما شاسترى" في حق محمد إذ يحمل على من يحاولون أن يطفئوا نوره الوضاء بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون فيقول: " إنهم نقاد "محمد" ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرون النار بدلاً من الضوء، والقبح بدلاً من الحسن، إنهم يشوهون ويصورون كل صفة جيدة كأنها رذيلة عظيمة. إن هذا يعكس فسادهم الشخصي، إن النقاد الذين تكسوهم الغشاوة لا يستطيعون أن يروا أن السيف الوحيد الذي استخدمه "محمد" كان سيف الرحمة والشفقة، الصداقة والمغفرة، إنه السيف الذي يقهر الأعداء ويطهر قلوبهم، إن سيفه كان أكثر حدة من السيف المصنوع من الصُلب"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

* استشهد البابا بنديكتوس السادس عشر أثناء محاضرة له في ألمانيا بعنوان "الإيمان والعقل والجامعة: ذكريات وتأملات" مقولة للإمبراطور مانويل الثاني باليولوغوس قال فيها لمحاور فارسي:  "أرني ما جاء به محمد وعندها لن تجد إلا كل ما هو شرير ولا إنساني.. مثل أمره نشر الدين الذي جاء به بحد السيف".

 

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day