عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ، وَرَبُّ الأَرْضِ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ » رواه الإمامان: البخاري (6346) ، ومسلم (2730) في صحيحيهما. شرح الحديث: قَالَ الإمام النَّوَوِيُّ رحمه الله تعالى: هَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ، وَالْإِكْثَارُ عَنْهُ عِنْدَ الْكَرْبِ وَالْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ. وقَالَ الطَّبَرِيُّ : كَانَ السَّلَفُ يَدْعُونَ بِهِ وَيُسَمُّونَهُ دُعَاءَ الْكَرْبِ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ) "الكرب" أي الغمّ الذي يأخذ النفس، كذا في الصحاح، وقيل: الكرب أشد الغم - قاله الواحدي، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "هو ما يُدهم المرءَ مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه" اهـ. في رواية لمسلم: (كان يدعو بهن ويقولهن عند الكرب)، وفي رواية أخرى لمسلم أيضًا: (كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أمرٌ) أي هجم عليه أو غَلبه، أو نزل به همٌّ أو غمٌّ (قال:) (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ)التَّهْلِيل – أي قوله: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ - الْمُشْتَمِل عَلَى التَّوْحِيد َهُوَ أَصْل التَّنْزِيهَات الْجَلَالِيَّةلله تعالى(الْعَظِيمُ)أي العظيمُ ذاتا وصفة؛ فلا يتعاظم عليه مسألةٌ؛ لأن الْعَظَمَة تَدُلّ عَلَى تَمَام الْقُدْرَة ،(الْحَلِيمُ)الذي لا يَعْجَلُ بالعقوبة؛ فلم يعاجل بنقمته على مَن قصَّر في خدمته، بل يكشف المضرَّةَ عنه برحمته سبحانه وتعالى، ، وَالْحِلْمُ يَدُلّ عَلَى الْعِلْم ، إِذْ الْجَاهِل لَا يُتَصَوَّر مِنْهُ حِلْم وَلَا كَرَم ، وَهُمَا أَصْل الْأَوْصَاف الْإِكْرَامِيَّة . (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)، أي فلا يُطْلَبُ إلا مِنْه، ولا يُسْأَلُ إلا هو، لأنه لا يكشف الكرب العظيم إلا الرب العظيم، ومعنى "الرب" في اللغة يُطْلق على المالك والسيد والمدبر والمربى والمتمم والمنعم، ولا يطلق غير مضافٍ إلا على الله تعالى، وإذا أطلق على غيره أضيف، فيقال رب كذا. و استخدام لفظ "الرب" من بين سائر الأسماء الحسنى لكونه مناسبا لكشف الكرب الذي هو مقتضى التربية. وتخصيص "العرش" بالذكر لأنه أعظم أجسام العالم، فيدخل الجميعُ تحتَه دخولَ الأدنى تحت الأعلى. (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ، وَرَبُّ الأَرْضِ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)وهذا إطناب مرغوب وإلحاح مطلوب. ووصف العرش هنا بالكريمِ أي الحَسَنِ؛ فهو ممدوحٌ ذاتًا وصفةً من حيث الكيف . وفي الجملة الأولى: وصف العرشَ بالعظمة من حيث الكَمِّ . مسألة:قَالَ الطَّبَرِيُّ : مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس " يَدْعُو " - في أول الحديث في إحدى الروايات: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يدعو عِنْدَ الْكَرْبِ) - وَإِنَّمَا هُوَ تَهْلِيلٌ وَتَعْظِيمٌ يَحْتَمِل أَمْرَيْنِ: 1 -أَحَدهمَا: أَنَّ الْمُرَاد تَقْدِيم ذَلِكَ قُبَيْل الدُّعَاء كَمَا وَرَدَ مِنْ طَرِيق آخر وَفِي آخِره " ثُمَّ يَدْعُو" . وَفِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث " سَمِعْت اِبْن عَبَّاس " فَذَكَرَهُ وَزَادَ فِي آخِره: " اللَّهُمَّ اِصْرِفْ عَنِّي شَرّه" قَالَ الطَّبَرِيُّ : وَيُؤَيِّد هَذَا مَا رَوَى الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : كَانَ يُقَال إِذَا بَدَأَ الرَّجُل بِالثَّنَاءِ قَبْل الدُّعَاء اُسْتُجِيبَ ، وَإِذَا بَدَأَ بِالدُّعَاءِ قَبْل الثَّنَاء كَانَ عَلَى الرَّجَاء. 2- ثَانِيهمَا: مَا أَجَابَ بِهِ اِبْن عُيَيْنَةَ فِيمَا حَدَّثَنَا حُسَيْن بْن حَسَن الْمَرْوَزِيُّ قَالَ " سَأَلْت اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ الْحَدِيث الَّذِي فِيهِ أَكْثَر مَا كَانَ يَدْعُو بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَة لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ " الْحَدِيث فَقَالَ سُفْيَان : هُوَ ذِكْر ، وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاء ، وَلَكِنْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ : مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَل مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ " .. قال الحافظ ابن حجر : وَيُؤَيِّد الِاحْتِمَال الثَّانِي حَدِيث سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص رَفَعَهُ «دَعْوَة ذِي النُّون إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْن الْحُوت : "لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ"، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُل مُسْلِم فِي شَيْء قَطّ إِلَّا اِسْتَجَابَ اللَّه تَعَالَى لَهُ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِم ، وَفِي لَفْظ لِلْحَاكِمِ " فَقَالَ رَجُل : أَكَانَتْ لِيُونُس خَاصَّة أَمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّة ؟ فَقَالَ رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا تَسْمَع إِلَى قَوْل اللَّه تَعَالَى (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) .