جمعه صلى الله عليه وسلم بين القولِ والإشارة في التعليم وتارةً كان صلى الله عليه وسلم يَجمَعُ في تعليمه بين البيان بالعبارة ، والإشارة باليدين الكريمتين ، توضيحاً للمَرام وتنبيهاً على أهميةِ ما يذكُره للسامعين أو يُعلِّمُهم إياه ، وإليك طائفةً من الأحاديث في ذلك : روى البخاري ومسلم10، واللفظ للبخاري ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((المؤمِنُ للمؤمنِ كالبُنيانِ يَشُدُّ بعضُه بعضاً ، ثم شَبَّك رسولُ الله بين أصابِعه)) . وروى مسلم11، من حديثِ جابر بن عبد الله ، الطويلِ في حَجَّة النبي صلى الله عليه وسلم قولَه : ((لو أني استَقبَلْتُ من أمري ما استَدبرْتُ ، لم أَسُق الهَدْيَ ، وجعَلتُها عُمْرةً ، فمن كان منكم ليس معه هَدْي فليَحِلَّ ولْيَجعلْها عُمرة . فقام سُراقَةُ بن مالك بن جُعْشُم فقال : يا رسول الله ، أَلِعامِنا هذا أمْ لأَبَدٍ؟ فشبَّك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصابعَه واحدةً في الاخرى وقال : دخَلَتْ العُمرةُ في الحجّ ، دخَلَتْ العُمرةُ في الحجّ ، بل لأبَدٍ أَبدٍ))12. وروى البخاري13عن سَهْل بن سَعْد الساعدي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أنا وكافِلُ اليتيم فيالجنَّةِ كهاتَيْنِ ، وأشار بإصبعَيْه : السبَّابةِ والوُسْطى ، وفَرَّجَ بينهما شيئاً)) . وفي حديث الثلاثة الذين تكلَّموا في المَهْد ، الذي رواه البخاري ومسلم1، واللفظ للبخاري ، عن أبي هريرة ، فذكَرَ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : عيسى ابنَ مريم عليه السلام ، وغُلامَ جُرَيجٍ الراهب ، ثم قال : ((كانت امرأةٌ تُرضِعُ ابناً لها من بني إسرائيل ، فمَرَّ بها رجلٌ راكبٌ ذو شارَة2، فقالت : اللهمَّ اجْعَلْ ابني مِثلَه ، فتَرَك ثَدْيَها فأقبَلَ على الراكب فقال : اللهمَّ لا تَجعلْني مِثلَه ، ثم أقبَلَ على ثَدْيها يَمَصُّه . قال أبو هريرة : كأني أَنظُرُ إلى النبي يَمَصُّ إصْبَعَه . ثم مُرَّ بأمَةٍ ، تُجرَّرُ ويُلعَب بها3، وتُضرَب ، فقالت : اللهمَّ لا تَجعَلْ ابني مِثلَ هذه ، فتَرَك ثَدْيَها فقال : اللهمَّ اجعلْني مِثلَها ، فقالت : لِمَ ذاكَ؟ فقال : الراكبُ جَبّارٌ من الجبابرة ، وهذه الأمَة يقولون : سَرَقْتِ زَنَيتِ ، ولم تَفْعل ، وهي تقول : حَسْبِيَ اللهُ ونعم الوكيل))4. وروى الإمام أحمد في ((مسنده))5عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ((بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في قَريبِ ثمانين رجلاً من قُرَيش ، ليس فيهم إلاّ قُرَشي ، لا واللهِ ما رأيتُ صَفْحَةَ وُجوهِ رجالٍ قَطُّ أَحْسَنَ من وجوهِهم يومئذ . فذكروا النساءَ فتحدَّثوا فيهن ، فتحدَّثَ معهم حتى أحببتُ أن يَسكت ، ثم أتيتُه فتَشهَّدَ ثم قال : أما بعدُ يا مَعْشَرَ قُرَيش فإنكم أهلُ هذا الامر ، ما لم تَعْصوا الله تعالى ، فغذا عَصَيْتُموه بَعَثَ إليكم من يَلْحاكم كما يُلْحى هذا القَضيبُ ، لِقَضيبٍ في يدِه ، ثم لَحا القَضيبَ فإذا هو أبيَضُ يَصْلِدُ))6. روى مسلم والترمذي7، واللفظ له ، عن سفيان بن عبد الله الثَّقَفي رضي الله عنه قال : ((قلتُ يا رسول الله حَدِّثني بأمْرٍ أَعتصِمُ به ، قال : قُلْ : ربِّيَ الله ، ثم استقِمْ . قلتُ : يا رسول صلى الله عليه وسلم ، ما أَخوَفَ ما تخافُ عليَّ؟ فأخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانِ نَفْسه ثم قال : هذا)) . وروى الدّارَقُطْنيُّ في ((سُنَنِه))8عن ابن عباس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ((سُئِلَ يومَ النَّحْر عمن قَدَّم شيئاً قبلَ شيء9، وشيئاً قبلَ شيء؟ قال : فرفَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ وقال : لا حَرَج ، لا حَرَج)) . وروى مسلم10عن المِقداد بن الأسود رضي الله عنه ، قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((تُدْنى الشَمْسُ يومَ القيامة من الخَلْق ، حتى تكونَ منهم كمِقدارِ مِيْل ، فيكون الناسُ على قَدْرِ أعمالِهم في العَرَق ، فمنهم من يكونُ إلى كَعْبَيه ، ومنهم من يكونُ إلى رُكْبَتَيْه ، ومنهم من يكون إلى حِقْوَيْه11، ومنهم من يُلْجِمُه العَرَقُ إلجاماً ، وأشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدِهِ إلى فِيْه12)) . وذكَرَ الحافظُ الهَيْثَمي في ((مَوارِد الظمآن إلى زوائد ابن حبان)) على ((الصحيحين))13، عن عُقْبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تَدْنو الشمسُ من الأرض ، فيعرَق الناسُ! فمِن الناسِ من يَبْلُغُ إلى الفَخِذ ، ومنهم من يَبلُغ إلى الخاصِرةِ ، ومنهم من يَبلُغ إلى عُنُقِه ، ومنهم من يبلُغُ إلى وَسَطِ فيه ، وأشار عُقبةُ بيده ، فألجَمَ فاه ، وقال : رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُشيرُ هكذا ، ومنهم من يُغطّيه عَرَقُه ، وضَرَب14بيده إشارةً))15. ----------------------------------- 10 ـ البخاري 5 :72 في كتاب المظالم (باب نصر المظلوم) ، و10 :376 (باب تعاوُن المؤمنين بعضهم بعضاً) ، ومسلم 16 :139 في كتاب البر والصلة (باب تراحُم المؤمنين وتعاطُفُهم وتعاضدهم) . 11 ـ 8 :178 في كتاب الحج (باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم) . 12 ـ أظهَرُ ما قيل في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ((دخَلَتْ العُمرةُ في الحجّ)) : أنَّ العمرة يجوز فعلُها في أشهر الحج ، خلافاً لما كانت الجاهلية تَزعمُهُ من امتناع العمرة في أشهر الحج ، فهذا إبطالٌ منه صلى الله عليه وسلم لما زعموه . وهناك وجوه أخرى في معنى هذه الجملة تراها في ((شرح صحيح مسلم)) للنووي 8 :166 ، و((فتح الباري)) لابن حجر 3 :485 . 13 ـ 9 :389 في كتاب الطلاق (باب اللعان) ، و10 :365 في كتاب الأدب (باب فضل من يعول يتيماً) . 1 ـ البخاري 6 :344 ـ 348 في كتاب أحاديث الأنبياء (باب قول الله تعالى واذكر في الكتاب مريم ...) ، ومسلم 16 :106 ـ 108 في كتاب البر والصلة (باب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها) . 2 ـ أي ذو هيئةٍ جميلة ومَلْبَسٍ حسن . 3 ـ هذه الجملة من رواية ثانية عند البخاري 6 :371 في كتاب أحاديث الأنبياء (باب بعد باب ما ذُكر عن بني إسرائيل) . 4 ـ هذه الجملة من بعد الفاصلة من رواية الإمام أحمد في ((مسنده)) 2 :308 . 5 ـ 1 :458 . 6 ـ يَصْلِدُ : يَبْرُق . 7 ـ مسلم 2 :8 في كتاب الإيمان (باب جامع أوصاف الإسلام) ، والترمذي 4 :607 في كتاب الزهد (باب ما جاء في حفظ اللسان) . 8 ـ في كتاب الحج 2 :252 و 253 . 9 ـ يعني : قدَّم أفعالِ الحج على بعض . 10 ـ 17 :196 في كتاب الجنة وصفة نعيمها (باب في صفة يوم القيامة أعاننا الله على أهوالِهِ) . 11 ـ الحَقوْ بفتح الحاء وكسرها مع سكون القاف : هو الموضع الذي يُعْقَدُ عليه الإزار ، أي يَبْلُغ به العَرَقُ إلى وسَطه . 12 ـ أي أشار إلى فَمِهِ الشريف صلى الله عليه وسلم . 13 ـ ص 64 . 14 ـ أي أشار . 15 ـ أي أشارَ إشارةً إلى ما فوقَ رأسِه!