غضبُه وتعنيفُه صلى الله عليه وسلم في التعليم إذا اقتضت الحالُ ذلك وكان صلى الله عليه وسلم يغضبُ الغضب الشديد إذا جاوز المُتعلّشم ببحثِه وسؤالِه إلى ما لا ينبغي السؤال عنه والدخول فيه . ومن ذلك ما رواه ابن ماجه4: عن عمرو بن شعيبٍ ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص قال : ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابِه وهم يختصمون في القَدَر ، فكأنما يُفقأ في وجهِهِ حَبُّ الرُّمّان من الغضب5، فقال : بهذا أُمرتِم؟! أو لهذا خُلِقتُم؟!6تضرِبون القرآن بعضَه ببعضٍ ، بهذا هلكَتْ الأممُ قبلكم))7. قال : فقال عبد الله بن عمرو : ((ما غَبَطتُ نفسي بمجلسٍ تخلَّفتُ فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غَبَطتُ نفسي بذلك المجلس وتخلُّفي عنه))8. وما رواه الترمذي1: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ((خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن نتنازع في القدر ، فغضب حتى احمرَّ وجهه ، حتى كأنه فقىء في وجنتيه الرمان ، فقال : أبهذا أمرتم؟! أم بهذا أرسلتُ إليكم؟! إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر ، عزمتُ عليكم ، عزمت عليكم2، أن لا تتنازعوا فيه)). ----------------------------------------- 4 ـ 1 :33 في المقدمة (باب في القَدَر) . قال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) 1 :53 عن إسناد هذا الحديث : ((هذا إسنادٌ صحيحٌ رجالُه ثقات)) . 5 ـ أي فغَضِب فاحمرَّ وجهه احمراراً يشبه فقْأ حب الرمان في وجهه ، وهذا كناية عن مزيد حُمرة وجهه الشريف المنبئةِ عن مزيد غضبه ، وإنما لأن القدر سر من أسرار الله تعالى ، وطلبُ سر الله منهيٌ عنه ، ولأن من يبحث فيه لا يأمن من أن تزِلَّ قدمه كما زلَّت الجبريةُ والقدريةُ . والعباد مأمورون بقبول ما أمرهم الشرعُ من غير ان يَطلُبوا سر ما لا يجوز طلبُ سِرِّه . 6 ـ أي للخوض في بحث القدر والاختصام فيه؟! هل هو المقصود من خلقِكم! أو هو الذي وقع التكليف به؟ حتى اجترأتم عليه! يُريد أنه ليس بشيء من الأمرَيْن ، فأيُّ حاجةٍ إليه؟! 7 ـ في رواية ((مسند احمد)) 2 :196 ما يوضح المراد من هذه الرواية ، ففيها : ((... فقال بعضهم : ألم يقل الله كذا وكذا؟ وقال بعضهم : ألم يقل الله كذا؟ فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج كأنما فُقِىءَ في وجهه حب الرمان! فقال : بهذا أُمرتم؟! أو : بهذا بعثتم : أن تَضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، إنما ضلَّت الأمم قبلكم في مثل هذا! إنكم لستم هاهنا في شيءٍ! انظروا الذي أمرتم به فاعملوا به ، والذي نُهيتم عنه فانتهوا)) . 8 ـ أي ما استحسنتُ فعل نفسي وتغيُّبي مرةً عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ في هذا المجلس الذي اشتدَّ فيه غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وُلوجِ أصحابه فيما لا يعنيهم . 1 ـ أي أقسمتُ عليكم ، أو أوجَبْتُ عليكم . 2 ـ 8 :295 في أول (أبواب القدر) .