ورحمته صلى الله عليه وسلم عالمية؛ ما من أحدٍ من الجنِّ والإنسِ إلا وقد نال حظًا منها؛ المؤمنُ بالهداية، والمنافقُ بالأمن من القتل، والكافرُ بتأخير العذاب، والمعاهَدُ بدخوله في عهده وذمَّتِه. بل إن جميع العوالم داخلة في هذه الرحمة؛ فتشمل الحيوان والطير والحشرات، بل والجمادات!! ☼ فلا جَرَمَ إذنْ؛ أن يكون هو نبيَّ الرَّحمة بحق صلى الله عليه وسلم، وصدق الله: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" [الأنبياء: 107]. ☼ ولاجـرم أن يخصَّه ربُّه عـزَّ وجلَّ فيجمع له صلى الله عليه وسلم اسمين من أسمائه سبحـانه؛ لم يجمعهما لأحـد مـن الأنبيـاء غــيره؛ فقـال في وصـفه صلى الله عليه وسلم: " بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" [التوبة: 128]، وقال في وصف نفسه عــزَّ وجـلَّ: " إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ" [الحج: 65]. فجمـع النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين الصفتين؛ فكان كـما وصفــه الله عزَّ وجـلَّ؛ وقد كان يُدرك فيه كلُّ مَنْ عَـاشرَه صلى الله عليه وسلم هذين الوصفين، كما قال مَـالِكُ بْنُ الْحُـوَيْرِثِ رضي الله عنه: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ: «ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ...» (البخاري ومسلم). ☼ وشواهد رحمته صلى الله عليه وسلم يضيق بها الحصر؛ حيث كانت ملازمة له لَا تنفكُّ عنه في قول أو فعل، حاضرة في حركاته؛ بل وفي سكناته أيضًا، ويقول صلى الله عليه وسلم مؤكدًا هذه الحقيقة: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» (أخرجه الدارمي والحاكم وحسنه الألباني).