☼ وقد تجلَّت روائعُ من صورِ رحمته وشفقته صلى الله عليه وسلم بالأطفال والأهل والضعفاء في مواقف عديدة. ☼ ومن ذلك؛ ما رواه أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام، فَأَخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ. ثُمَّ دَخَـلْنَا عَلَيْهِ بَعْـدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُـودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَـلَتْ عَيْنَا رَسُـولِ الله صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَـانِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: وَأَنْتَ يَا رَسُـولَ الله؟!! فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ». ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» (البخاري ومسلم). و(القَين): الحداد، و(الظِئر): المرضعة، والمراد به هنا زوجها، وكان أبو سيف ـ واسمه البراء بن أوس ـ هو زوج مرضعة إبراهيم ☼ ولم تكن هذه الرحمة خاصَّةً بأولادِه وأحفادِه صلى الله عليه وسلم فحسب؛ بل عامة لأبناء المسلمين، قالت أسماء بنت عُمَيس زوجة جعفر رضي الله عنهما: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بني جعفر، فرأيتُه شمَّهم، وذَرِفت عيناه، فقلتُ: يا رسولَ الله، أبلغك عن جعفر شيء؟ قال: «نعم، قُتِل اليوم» فقمنا نبكي، ورجع، فقال: «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا؛ فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» (أبو داود والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني). ☼ ولقد كانت رحمته صلى الله عليه وسلم بالعيال والأطفال مثارَ تعجبٍ ودهشةٍ في مجتمعه، الذي لم يكن يعهد مثل هذه الرحمة!! ☼ فعَـنْ عَائِشَـةَ رَضِيَ الله عَنْهَا، قَالَتْ: قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأَعْـرَابِ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَـالُوا: أَتُقَبِّـلُونَ صِبْـيَانَكُمْ؟! فَقَـالُوا: نَعَـمْ. فَقَالُوا: لَكِـنَّا والله مَا نُقَبِّـلُ!! فَقَالَ رَسُـولُ الله صلى الله عليه وسلم: «وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ الله نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ!!» (البخاري ومسلم). ☼ ولما رأى الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ رضي الله عنه، النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ الْحَسَنَ، فَقَالَ: إِنَّ لِي عَشْرَةً مِنَ الْوَلَدِ، مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ!! فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَم» (البخاري ومسلم). ☼ وعن شَدَّادِ بنِ الهادِ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعِشَاءِ، وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلاةِ، فَصَلَّى، فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا. قَالَ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي؛ وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سَاجِدٌ، فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ، قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ. قَالَ: «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي؛ فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ» (النسائي وأحمد والحاكم وصححه الألباني). فيا لها من رحمة ما أوسعها!! «فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ»!! إنه صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يزعجه أو ينازعه، وهو ممتطٍ ظهرَه الشريف؛ حتى يتركه بنفسه بعد أن يكون قضى حاجته!! كل ذلك وهو إمام بالناس في الصلاة!! فأين المحبون المتأسُّون بنبيِّ الرحمة صلى الله عليه وسلم من مثلِ هذه الرحمة؟!! ☼ ولما استفاضَ لدى أصحابه تلك الرحمةُ منه صلى الله عليه وسلم بالصبيان والاحتفاءِ بهم؛ كانوا يأتونه بأبنائهم؛ فيُبرِّك عليهم ويُحَنِّكهم، من غير أن يتحرجُوا من ذلك. ☼ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لَهُمْ؛ فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ» (البخاري ومسلم). ☼ وأتت أُمُّ قَيْسٍ بِنْتُ مِحْصَنٍ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِابْنٍ لَهَا لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، فَوَضَعَتْهُ فِي حَجْرِهِ، فَبَالَ على ثوبه، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ نَضَحَ بِالمَاءِ (البخاري ومسلم). فلم يتبرَّمْ صلى الله عليه وسلم من بولِ الصبيِ في حَجْرِه، ولم يُثرِّب أو يُعنِّف مَن أتى به. ☼ وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا» (البخاري). فعلى هذا النحو وأكثر، كانت رحمة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم بالأطفال.