شاب في ظلال الله نشأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كنف الله وحفظه؛ فلم يسجد لوثن، ولم يخضع لصنم، ولم يكذب ولم يخن، ولم يُرَ قط في موقف مريب، ولم يُؤثر عنه قول معيب. وسُمي في شبابه الصادق الأمين . كان مَثَلٌ ونعم المثل للشاب الطاهر الحيي، العفيف.. حسيب نسيب أما نسبه فأكرم قريش نسبًا، وأشرف العرب جِدًا، وأعظم الناس قدرًا، وهو القائل : " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ ،وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ" [ مسلم: 4221، عن واثلة بن الأسقع] . عليه الصلاة والسلام ! صفوة من صفوة، وكريم من كريم، وشريف من شريف، كأنما اختار نسبه اختيارًا ! يتيم عظيم وُلد يتيمًا، وحضر منية أمه، رآها وهي تجود بنفسها في غربتها، وشارك في دفنها، وهو لا يزال في ربيعه السادس، وهكذا في سفرة واحدة؛ زار قبر أبيه ودفن أمه، وتجرع كأس اليتم، وعاش عيش البؤس، من فقر وفاقة، وكدح وحاجة، وهي نشأة كفيلة أن تقهر أي إنسان طبيعي، وأن تدمره تدميرًا، بيد أن عناية الله لا تغيب، فقد تكفله الله بالرعاية والتأديب، فأدبه فأحسن تأديبه . عفيف منيف لم يلتاث بلوثة الفحش، ولم يلتج في حمئة المجون؛ نشأ طاهرًا عفيفًا، نقيًا منيفًا، بيد أن الشبان في سنه تراودهم الشهاوات الجنسية، وتحتوشهم النزعات الفطرية، ولكن حفظ الله نبيه، فلم يثبت عنه أن عاقرًا خمرًا، أو هتك عرضًا، أو أكل حقًا . لم تُكشف له عورة كان العري منتشرًا في الجاهلية بين الرجال والنساء على حد سواء خاصة حول الكعبة، وكثيرًا ما تحدثت كتب التاريخ عن طواف فلان وفلان وفلان عرايا حول الكعبة، ورأي الكثير والكثير من وجهاء العرب قد تجردوا من ثيابهم في الحج. أما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلم تُكشف له عورة ! ولم يُؤثر عنه أن طاف عريانًا . ولم تذكر كتب التاريخ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ارتكب سلوكًا مشينًا، ولا سيما في هذا الباب . ومما يدل على حفظ الله له من هذه الأعمال الجاهلية ما رواه جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ – حيث قال : لَمَّا بُنِيَتْ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَبَّاسٌ يَنْقُلانِ الْحِجَارَةَ ، فَقَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ يَقِيكَ مِنْ الْحِجَارَةِ [ فلما هم أن يفعل] َخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ ! ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: " إِزَارِي ! إِزَارِي !" فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ(1). توصية عملية : ـ احفظ طرفًا من الأحاديث النبوية الشريفة في الحض على العفة والحياء وغض البصر، طالع ـ على سبيل المثال ـ باب الحياء وما بعده من كتاب الأدب بصحيح البخاري. ـ تجنب أماكن المجون، ومجالس اللهو، ورفاق السخف، وفتيان الخلاعة، وقل في نفسك دومًا : أنا صاحب رسالة والعمر قصير ! ـ اكتب خاطرة إيمانية حول حديث : "لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ .." ------------------------------------ (1)البخاري:3542