6- أن يتهم الإنسان رأيه حتى يكن عنده استعداد أن يسمع : و إذا لم يحدث اتفاق فلا تشهر بأخيك ، و تتهمه بالبدعة و الضلال و الفسق . فكم من خلاف حدث بين الصحابة و بين العلماء ، و لم نسمع عن عالمًا اتهم أخيه بالبدعة أو الفسق . 7- عدم التكلم فيما يجهل : ( وَ لَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء 10 . لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف ، قال تعالى : ( وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) الشورى 10 . و قال تعالى : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) النساء 59 . 8- الاعتراف بالحق و عدم وجود أي ضيق : قال تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء 65 . و كانت هذه الآية هي منهج السلف في الخلاف ، و كان هدفهم البحث عن الحق . حكى الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة ( عبيد الله بن الحسن العنبري ) المتوفى سنة 168 , أحد سادات أهل البصرة و فقهائها و علمائها و كان قاضيها : قال عبدالرحمن بن مهدي تلميذه : كنا في جنازة , فسألته عن مسألة فغلط فيها , فقلت له : - أصلحك الله - القول فيها كذا و كذا , فأطرق ساعة ثم قال : إذاً أرجع و أنا صاغر , لأن أكون ذنبًا في الحق أحب إليّ من أكون رأسًا في الباطل . رحمه الله تعالى ! و أيضًا ما رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عبد الله بن وهب قال : " سمعت مالكاً سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء ، فقال : ليس ذلك على الناس ؛ قال فتركه حتى خف الناس ، فقلت له : عندنا في ذلك سنّة ، فقال : و ما هي ؟ ، قلت: حدثنا الليث بن سعد و ساق سنده إلى المستورد بن شداد القرشي قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه " ، فقال: إنَّ هذا الحديث حسن ، وما سمعت به قط إلا الساعة . ثم سمعته بعد ذلك يُسأل ، فيأمر بتخليل الأصابع . وكانوا كما قال تعالى : ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) . كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " لا ترث الزوجة من دية زوجها شيئاً " ، حتى قال الضحاك بن سفيان رضي الله عنه : " كتب إليّ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها " ، فرجع عمر . و من الأمور التي ينبغي تجنبها هي مناقشة الجاهل و المعاند ، و الذي تعلم أنَّك لو حاججته لم يسلم لك ، بل يزيد عنادًا ، و هذا الصنف من الناس ينبغي تجنبه . نقل الحافظ الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) في ترجمة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه , عن أبي موسى يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري أحد أصحاب الإمام الشافعي , أنه قال : ما رأيت أعقل من الشافعي , ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا , و لقيني فأخذ بيدي , ثم قال : يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا و إن لم نتفق في مسألة ؟! قال الذهبي : هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام و فقه نفسه . فما زال النظراء يختلفون !! و قد تختلف وجهات النظر حول طرق الدعوة إلى الله ، فكل يرى أنَّه على حق و لا يجب أن يكون هذا سببًا للخلاف و الشقاق . و انظر معي إلى أخلاق السلف في هذه المسألة : و جاء في ( سير أعلام النبلاء ) في ترجمة الإمام مالك : إنَّ عبدالله العمري العابد ، كتب إلى الإمام مالك يحضه على الانفراد و العمل - أي التزهُّد- ، فكتب إليه مالك : إنَّ الله قسَّم الأعمال كما قسَّم الأرزاق , فربَّ رجل فتح له في الصلاة و لم يفتح له في الصوم , و آخر فتح له في الصدقة و لم يفتح له في الصوم , و آخر فتح له في الجهاد . فنشر العلم من أفضل أعمال البر , و قد رضيت بما فتح لي فيه ، و ما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه , و أرجو أن يكون كلانا على خير و بر . فلا يكن مقصدك من مناقشة أخيك هو ارتفاع قدرك و لا تخاطبه بلغة التحدي بل استخدام القول الحسن و الكلم الطيب . - قبول الحق ممن جاء به مع الرضا و التسليم لا فرق عنده بين أن يظهر الحق على يده أو على يد غيره حتى ولو كان مخالفًا . " ما ناظرت أحدًا إلا أحببت أن يظهر الله الحق على يده دون حرص مني على مغالبته " . و قد استحسن الإمام أحمد رحمه الله ما حكي له عن حاتم الأصم ، و قد قيل له : " أنت رجل أعجمي لا تفصح و ما ناظرك أحد إلا غلبته ، فبأي شيء تغلب خصمك ؟ ، قال: بثلاث : أفرح إذا أصاب ، و أحزن إذا أخطأ ، و أصون لساني أن أقول فيه ما يسوؤه " ؛ قال أحمد: ما أعقله من رجل . " هذا و أنا في سعة صدر لمن يخالفني فإنه و إن تعدى حدود الله فيّ بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية ، فأنا لا أتعدى حدود الله فيه بل أضبط ما أقوله و أنقله و أزنه بميزان العدل ، وأجعله مؤتما بالكتاب الذي أنزله الله و جعله هدى للناس حاكمًا فيما اختلفوا فيه ، ذلك أنك ما جزيت من عصى الله فيك بأكثر من أن تطيع الله فيه " . الفتاوى الكبرى - إصلاح السريرة ، و استحضار نية الوفاء بعهد الله تعالى في تبيين الحق وعدم كتمانه ، و إحياء العمل به كما ينبغي له : و هذا من مقاصد الإسلام ، و عليه مدار قبول الأعمال ، و بدونه تتحول الطاعات و القربات إلى موبقات. قال الخطيب : " و يخلص النية في جداله بأن يبتغي وجه الله تعالى ، و ليكن قصده في نظره إيضاح الحق و تثبيته دون المغالبة للخصم " .