باب قول تعالى : "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله": قال تعالى:"وما كان لكم أن تؤذوا رسولَ الله ولا أن تنكحوا أزواجَه مِن بعده أبداً إن ذلكم كان عند الله عظيماً"، قال الشيخ السعدي رحمه الله :" (وما كان لكم) يا معشر المؤمنين؛ أي غير لائقٍ ولا مستحسنٍ منكم، بل هو أقبح شيء (أن تؤذوا رسول الله) أيَّ أذية قولية أو فعلية بجميع ما يتعلق به، (ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً) هذا من جملة ما يؤذيه، فإنه صلى الله عليه وسلم له مقام التعظيم والرفعة والإكرام، وتزوج زوجاته بعده مُخِلٌّ بهذا المقام، وأيضاً فإنهن زوجاته في الدنيا والآخرة والزوجية باقية بعد موته، فلذلك لا يحل نكاح زوجاته بعده لأحد من أمته، (إن ذلكم كان عند الله عظيماً)، وقد امتثلت هذه الأمة هذا الأمر واجتنبت ما نهى الله عنه منه، ولله الحمد والشكر"، قلت: وليس هذا لأحد من المؤمنين غير النبي صلى الله عليه وسلم، وما هذا إلا إمعاناً في إجلاله وتوقيره صلوات الله وسلامه عليه. وليس أحد من نساء المؤمنات تحرم بعد وفاة زوجها على غيره من غير المحارم إلا زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم،كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ومن ذلك أنه حرَّم على الأمة أن يؤذوه بما هو مباحٌ أن يعامل به بعضهم بعضاً تمييزاً له مثل نكاح أزواجه من بعده"، وقال رحمه الله :"وقد قال الله تعالى:"النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم"،وهذا أمر معلوم للأمة علماً عاماً، وقد أجمع المسلمون على تحريم نكاح هؤلاء بعد موته على غيره، وعلى وجوب احترامهن فهن أمهات المؤمنين في الحرمة والتحريم"، وقال في موضعٍ آخر:"فحرَّم على الأمة أن تنكح أزواجه مِن بعده لأن ذلك يؤذيه وجعله عظيماً عند الله تعظيماً لحرمته، وقد ذُكر أن هذه الآية نزلت لما قال بعض الناس: لو قد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجتُ عائشة". قلت: وما هذا التحريم إلا لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أن أصول الشريعة لا تقتضي هذا التحريم من جهة المحرمية وإنما اقتضته من جهة حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحريم أذاه بقول أو فعل أو غير ذلك، وهذا كله يدل على عظيم قدره سبحانه وتعالى، بل إن الأحكام الشرعية الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم لتدل أيضاً على اختصاص الله عز وجل له بما يليق بقدره وعظيم مكانته صلى الله عليه وسلم