النداء السادس و الخمسون : الأمر بالركوع والسجود والعبادة قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) }سورة الحـج يأمُر اللهُ المؤمِنِينَ بِعِبََادَتِهِ ، وَبِإِقَامَةِ الصَّلاةِ ، وَبِالرُّكُوع والسجُودٍِِِ له ، وَبِفِعْلِِ الخَيْرِ ، لَعَلَّ ذَلِكَ يُوصِلُُهُمْ إلَى الخَيْرِ ، لَعَلََّ ذَلِكَ يُوصِلُهُمْْ إِلَى الخَيْرِ واللفَلاََحِ فيِ الدُّنْيَا والآخِرَةِِ يَأَمُرُ اللهُ المُؤْمِنِينَ بٍِالجِهَادِ وأَخْلَصَهُُ : بِالأَمْوَالِ والأَنْفْسِ والألْسِنَةِ ، فَقَدْ اصْطفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ، واخْتَارَهُمْ عَلَى مَنْ سَِِوامهُم ، وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ مَا لاَ يُطِيقُونَ ، وَلَمْْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْهِمِ فِي شَيْءٍٍ مِنْ أُمورِ دِينِِهمِ ، بَلْ وَسَّع عَلَيهم ، فِي شَيْءِ مِنْ أُمورِ دِيِنهِم ، بَلْْ وَسَّعَ عََلَيْهِمِ ، كَمَا وَسَّعَ فِي مِلّةِ إبْرِاهيِمَ عَلَيْهِم فِي شَيْءٍ مِنْ أُمورِ دِيِنِهم ، بَلْ وَسَّعَ عَلَيْهم ، كَمَا وَسَّعَ فِي مِلَّةِ إِبْرِاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامَمُ ( وَنَصَبَ مِلَّةِ ) عَلَى تَقْدِيرِ الزَمُوا مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ) ، وَقَدْ سَمَّاهُم اللهُ تَعَالَى بِالمُسْلِمين فِي شَرْعِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ ، وَفي هَذَا القُرْآنِ ( مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا ) . وَقَدْ جَعَلَ اللهُ المُسْلِمِينَ أُمَّةً وَسَطاً عُدُولاً لِيَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ يَوْمِ القِيَامَةِ ، لأَنَّ النَّاسَ جَمِيعاً يَعْتَرِفُونَ بِفَضْلِ المُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ ، فَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِمِ ، فِي أَنَّ الرُّسُلَ أَبْلَغَتَهُم رِسَالَةَ أَبْلَغَتْهُم رِسَالَةَ رَبِّهِمْ ، والرَّسُولُ يَشْهَدُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ أَنَّهُ أَبْلَغَهَا مَا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيهِ ، فَلْيُقَابِلِ المُسْلِمُونَ هَذِهِ النِعْمَةَ العَظِيمَةَ بالقِيَامِ بِشُكْرِ اللهِ عَلَيهَا ، وَأداءِ حَقِّ اللهِ فِيمَا فَرَضَهُ عَلَيْهِم ، ومِنْ أَهَمِّ ذَلِكَ إقَامَةُ الصَّلاَةِ وأداؤها حَقَّ أَدَائِها ، وَدفْعُ الزَّكَاةِ ، والاعْتِصَامُ بِاللهِ ، وَالاسْتِعَانَهُ بِهِ ، والاتِّكَالُ عَلَيْهِ ، فَهُوَ مَوْلاَهُمْ وَحَافِظُهُمْ وَنَاصِرُهُمْ ، وَهُوَ نِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّاصِر عَلَى الاَعْداءِ . ( وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ - " بُعِثْتُ بالحَنِيفيَّةِ السَّمْحَةِ " ) . " وَأَوْصَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُعَاذَ بنَ جبَلٍ وَأَبَا مُوسَى حِينَما بَعَثَهُمَا أمِيرَيْنَ عَلَى اليَمَنِ فَقَالَ لَهُمَا : بَشِّرِا وَلاَ تُنَفَّرَا ، وَيَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرا " . وفي هاتين الآيتين يجمع المنهاج الذي رسمه الله لهذه الأمة ، ويلخص تكاليفها التي ناطها بها ، ويقرر مكانها الذي قدره لها ، ويثبت جذورها في الماضي والحاضر والمستقبل ، متى استقامت على النهج الذي أراده لها الله . إنه يبدأ بأمر الذين آمنوا بالركوع والسجود . وهما ركنا الصلاة البارزان . ويكني عن الصلاة بالركوع والسجود ليمنحها صورة بارزة ، وحركة ظاهرة في التعبير ، ترسمها مشهداً شاخصاً ، وهيئة منظورة . لأن التعبير على هذا النحو أوقع أثراً وأقوى استجاشة للشعور . ويثني بالأمر العام بالعبادة . هي أشمل من الصلاة . فعبادة الله تشمل الفرائض كلها وتزيد عليها كذلك كل عمل وكل حركة وكل خالجة يتوجه بها الفرد إلى الله . فكل نشاط الإنسان في الحياة يمكن أن يتحول إلى عبادة متى توجه القلب به إلى الله . حتى لذائذه التي ينالها من طيبات الحياة بلفتة صغيرة تصبح عبادات تكتب له بها حسنات . وما عليه إلا أن يذكر الله الذي أنعم بها ، وينوي بها أن يتقوى على طاعته وعبادته فإذا هي عبادات وحسنات ، ولم يتحول في طبيعتها شيء ، ولكن تحول القصد منها والاتجاه! ويختم بفعل الخير عامة ، في التعامل مع الناس بعد التعامل مع الله بالصلاة والعبادة يأمر الأمة المسلمة بهذا رجاء أن تفلح . فهذه هي أسباب الفلاح . . العبادة تصلها بالله فتقوم حياتها على قاعدة ثابتة وطريق واصل . وفعل الخير يؤدي إلى استقامة الحياة ، الجماعية على قاعدة من الإيمان وأصالة الاتجاه . فإذا استعدت الأمة المسلمة بهذه العدة من الصلة بالله واستقامة الحياة ، فاستقام ضميرها واستقامت حياتها . . نهضت بالتبعة الشاقة : { وجاهدوا في الله حق جهاده } . . وهو تعبير شامل جامع دقيق ، يصور تكليفاً ضخماً ، يحتاج إلى تلك التعبئة وهذه الذخيرة وذلك الإعداد . . { وجاهدوا في الله حق جهاده } . . والجهاد في سبيل الله يشمل جهاد الأعداء ، وجهاد النفس ، وجهاد الشر والفساد . . كلها سواء . . { وجاهدوا في الله حق جهاده } . . فقد انتدبكم لهذه الأمانة الضخمة ، واختاركم لها من بين عباده : { هو اجتباكم } . . وإن هذا الاختيار ليضخم التبعة ، ولا يجعل هنالك مجالاً للتخلي عنها أو الفرار! وإنه لإكرام من الله لهذه الأمة ينبغي أن يقابل منها بالشكر وحسن الأداء! وهو تكليف محفوف برحمة الله : { وما جعلنا عليكم في الدين من حرج } . . وهذا الدين كله بتكاليفه وعباداته وشرائعه ملحوظ فيه فطرة الإنسان وطاقته . ملحوظ في تلبيته تلك الفطرة . وإطلاق هذه الطاقة ، والاتجاه بها إلى البناء والاستعلاء . فلا تبقى حبيسة كالبخار المكتوم . ولا تنطلق انطلاق الحيوان الغشيم! وهو منهج عريق أصيل في ماضي البشرية ، موصول الماضي بالحاضر : { ملة أبيكم إبراهيم } وهو منبع التوحيد الذي اتصلت حلقاته منذ عهد إبراهيم عليه السلام فلم تنتقطع من الأرض ، ولم تفصل بينها فجوات مضيعة لمعالم العقيدة كالفجوات التي كانت بين الرسالات قبل إبراهيم عليه السلام . وقد سمى الله هذه الأمة بالمسلمين . سماها كذلك من قبل وسماها كذلك القرآن : { هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا } . . والإسلام إسلام الوجه والقلب لله وحده بلا شريك . فكانت الأمة المسلمة ذات منهج واحد على تتابع الأجيال والرسل والرسالات . حتى انتهى بها المطاف إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم وحتى سلمت إليها الأمانة ، وعهد إليها بالوصاية على البشرية . فاتصل ماضيها بحاضرها بمستقبلها كما أرادها الله : { ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهدآء على الناس } . . فالرسول صلى الله عليه وسلم يشهد على هذه الأمة ، ويحدد نهجها واتجاهها ، ويقرر صوابها وخطأها . وهي تشهد على الناس بمثل هذا ، فهي القوّامة على البشرية بعد نبيها؛ وهي الوصية على الناس بموازين شريعتها ، وتربيتها وفكرتها عن الكون والحياة . ولن تكون كذلك إلا وهي أمينة على منهجها العريق المتصل الوشائج ، المختار من الله .