دعا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - بوحي من الله تعالى إلى إعمال العقل، واكتشاف الكون، واكتساب المعرفة، وعدَّ ذلك مما يُثاب عليه الإنسان، في حين كان العلماء والمفكرون يعانون في حضارات أخرى الاضطهاد والاتهام بالتجديف والهرطقة، ويتم إرهابهم بالسجن والتعذيب، وربما القتل!! لقد كانت أول آية نزلت على النبي محمَّد - صلى الله عليه وسلم - هي قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، وكان مما أوحي إليه كذلك قوله تعالى: ﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، وقوله تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾. [المجادلة: 11] وأبعد من هذا؛ فإن الكتاب الذي أوحي إلى النبي محمَّد - صلى الله عليه وسلم - قد حوى إشارات علمية تعدُّ من إعجازه؛ إذ لا يمكن أن يكون ما تحدَّثت الآيات عنه القرآنية من حقائق علمية من قبيل تأليف النبي محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إذ كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، كما لم يكن في وقته مَنْ يعلم بتلك الحقائق؛ كوجود الماء العذب والماء المالح واختلاطهما دون امتزاج، وحديثه عن ضخامة النجوم، وعن ظلمات رحم المرأة... وغير هذا مما دوَّنه علماء الإعجاز في القرآن، وأيدهم عليه علماء غير مسلمين، وهو موجود مطبوع ومنشور في الكتب والأشرطة وغيرها وما حوته السنة كذلك من ذكر مراحل تكوُّن الجنين في رحم أمِّه، وغير ذلك من الحقائق التي أثبتها العلم الحديث. فكيف يُظنُّ برسولٍ أوحى الله إليه بدينٍ حوى هذه الحقائق أن يحارب العلم أو يحجر على العلماء؟! بل لم ينتشر العلم في العالم الإسلامي خلال حضارته التي امتدت لقرون، إلا لأن دين النبي محمَّد - صلى الله عليه وسلم - شجَّع على ذلك وحثَّ عليه؛ بل وأثَّم الأمة بكاملها إذا قصَّرت في جانب من جوانب العلوم التي تحتاجها وفي مقابل هذا، وبعد قرون من بعثة النبي محمَّد - صلى الله عليه وسلم - نجد كثيرًا من العلماء والمكتشفين في أوروبا يصدر عليهم حكم الإعدام والحرمان، واتهامهم بمخالفة إرادة الرب والكفر به بسبب تلك الاكتشافات والنظريات العلمية التي توصَّلوا إليها!! كما حدث لجاليلو وغيره، ولم يُعترف بتلك النظريات إلا بعد إزهاق كثير من الأرواح، وسجن العديد من المتحررين فكريًّا، الأمر الذي لم يحدث بتاتًا في حضارة الإسلام التي بنى أسسها نبي الرحمة محمَّد - صلى الله عليه وسلم.