عَنْأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّقَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: "إِنِّي لأتَاخر عَنْ صَلَاة الصُبحِ مِن أَجل فُلَان مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَط أَشَدَّ مِمَّا غَضَبَ يَوْمِئِذٍ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ مِنكُمْ مُنَفِّرِينَ فأيُكم أَمَّ النَّاسَ فليؤجِزفَإِنَّ مِن وَرَائِه الكَبِير وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ". * * * كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيسير في كل شيء، وكان إذا خُير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، وقد عرف أصحابه ذلك فكان إذا رأوا إنساناً يشق عليهم أو على نفسه في عمل من الأعمال، أو في عبادة من العبادات يكرهون ذلك منه، ويستنكرونه، فإذا رأوه قد تمادى فيه شكوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهديه سواء السبيل، فحين صلى رجل منهم خلف إمام يوماً فأطال في صلاته كره أن يصلى خلفه، ولكنه خشى أن يكون تخلفه عن الصلاة مع الجماعة وراء هذا الإمام قدحاً في صلاته، أو فتنة لمن يصلي وراءه أو يكون بهذا قد شَق عصا الطاعة وخرج عن الجماعة التي هو واحد منها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتيه في ذلك، فقال يا رسول الله: "إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا". قال الراوي: "فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَط أَشَدَّ مِمَّا غَضَبَ يَوْمِئِذٍ". وهذا لا يمنع أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد غضب في مواطن أشد من غضبه هذا، فإن الراوي قد حدَّث بما رأي، وعلى كل حال لا يغضب النبي صلى الله عليه وسلم إلا لأمر جللٍ يتعلق بضياع حق من حقوق الله، أو بالتقصير في واجب من الواجبات، أو في تجاوز الحد الذي حده الله لعباده في كتابه، أو على لسان رسوله – عليه الصلاة والسلام- . وقد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً لما بلغه أن فلاناً من الناس يؤم الناس فيطيلُ بهم طولاً يشق عليهم، ولا سيما في الوقت الذي يتهيأون فيه ممارسة أعمالهم اليومية، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما أن معاذاً – رضي الله عنه – كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم أتى قومه فأمهم، فافتتح بــ (سورة البقرة)، فانحرف رجل فسلم، ثم صلى وحده، وانصرف، فقالوا له: أناققت يا فلان؟، قال: لا والله، ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرته، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار، وإن معاذا صلى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بــ (سورة البقرة). فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ، فقال: "يا معاذ، أفتان أنت؟ اقرأ بكذا، واقرأ بكذا". وفي رواية قال: "اقرأ: بـ { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا }، { وَالضُّحَى }، { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى },{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }. * * * وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم تطويل الإمام في الصلاة سبباً في تنفير الناس عنها وهو أمر ليس بالهين، فالصلاة عماد الدين، وركنه الركين، وهي الروح والريحان بالنسبة للمؤمن يجد فيه أنسه وسلواه إذ يناجى فيها خالقه ومولاه. ولا شك أن تطويل الإمام يؤدي إلى ذهاب الخشوع من القلوب، ويحمل بعض ضعفاء الإيمان على مفارقته، ويؤدي إلى إحراج ذوي الحاجات من المرضى وكبار السن، ومن في حكمهم؛ لهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأئمة بأن يوجزوا في الصلاة بحيث يؤدونها بأركانها وشروطها وآدابها من غير تكلف ولا تطويل ممل. والدين كما نعلم يسر لا عسر فيه ولا حرج، وقد جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْبِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْفَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ". ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل الصلاة إذا كان يصلي بنفسه، أو يصلي بجماعة يعلم أنهم يحبون التطويل، أما إذا كان يصلي بجمع كبير يعلم أن فيهم من لا يصبر على التطويل فإنه يوجز في صلانته رحمة بالضعفاء، والمرضى، والصبيان الذين تصحبهم أمهاتهم إلى المسجد لعدم وجود من يعولهم. روى البخاري ومسلم عن أنس – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُمِنْشِدَّةِ وَجْدِأُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ" وروى كلاهما عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: "ما صليت وراء إمام ق أخف صلاة ولا أتم من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه". وروى أن عمر – رضي الله عنه – قال: "لا تُبغضوا الله إلى عباده، يطول أحدكم في صلاته حتى يشق على من خلفه". والمراد بالتطويل: الزائد عن الحد المعتاد في القراءة، فلا ينبغي أن يتخذ الإمام هذه الأحاديث ذريعة لقصر الصلاة، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالاطمئنان فيها. فالمطلوب أن يصلي الإمام بالناس صلاة وسطاً، وخير الأمور أوساطها. ونحن في هذا العصر أشد حاجة إلى التخفيف ممن كان قبلنا؛ لكثرة الضعفاء، والمرضى، وكثرة الحاجات التي تلح على الإنسان أن يقضيها، ولأن الناس في هذا العصر لَيسوا على المستوى الإيماني الذي كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فالتخفيف لهم أولى، على أني يكون الإمام مؤدياً للصلاة على النحو الذي ليس فيه تفريط في السنن والمستحبات. والنهي عن التطويل إنما هو في القراءة، لا في الركوع والسجود، كما هو ظاهر النصوص، على أن التطويل في الركوع والسجود إذا زاد عن حده كره قياساً على القراءة. ويقاس على التطويل في الصلاة التطويل في خطبة الجمعة، فإنه من جهل الخطيب أن يطيل الخطبة ويقصر في الصلاة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فيوجز، روى أبو داود في سننه عن جابر بن سمرة – رضي الله عنه – قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هي كلمات يسيرات". كذلك يستجب التقصير في الموعظة التي اعتاد الوعاظ أن يلقوها في المحافل، والمساجد، والمنتديات، حتى لا يملها الناس، وليقتدوا في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا وبالله التوفيق. * * *