فو، كارادي baron carra de vaux "1868 – 1930"مستشرق فرنسي معروف من المعهد الكاثوليكي بباريس، درس العربية ودرّسها في المعهد المذكور، وألف في الرياضيات والفلسفة كما حقق عددًا من المصادر. ومن أشهر مؤلفاته ما كتبه عن ابن سينا (1900) والغزالي (1902) و(مفكرو الإسلام) في خمسة أجزاء (1921-19269. الرسول سمع وتعلم من أفواه بعض الفلاسفة أو الباحثين في الأديان أو من أحد الحنفية جاء تحت مادة "جبريل" قول المستشرق كارادي فو "وقد اصطنع النبي القصة التي تقول بأَن الرسول السماوي يتحدث إلى الأنبياء واعتقد أنه تلقّى رسالته ووحيه منه ... والظاهر أن النبي عرف جبريل من خبر البشارة الوارد في الإنجيل ولكنه لم يكن في مقدوره أن يعرف الإنجيل من غير وساطة، ولعلّه سمع ذلك الخبر من أفواه بعض الفلاسفة أو الباحثين في الأديان أو من أحد الحنفية وقد وصلهم الخبر مشوّهاً. وفي رأي النبي أن الله بعث بروحه إلى مريم فتمثّل لها بشراً سوياً (سورة مريم/ الآية 19)". وتحت مادة "سحر" يقول المستشرق هيك "... أن أصول الإسلام نفسها قد تأثرت تأثراً عميقاً بمعتقدات أناس غرباء عن الإسلام كلية". الرد يرد الدكتور فؤاد كاظم القداديإِِن قول "كارادي فو" تحت مادة "جبريل" فيه انسياق واضح مع إنكار الوحي الإلهي للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويشهد لذلك أيضاً تعبيره عن الآية 19 من سورة مريم في آخر قوله المذكور أعلاه بأنه رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس قول الله في قرآنه الكريم، وهو في هذا لم يأت لنا بدليلٍ أو حتى شاهدٍ أو قرينة على استظهاره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرف جبريل من خبر البشارة الوارد في الإنجيل، ولا على احتماله سماعه ذلك الخبر من أفواه بعض الفلاسفة أو الباحثين في الأديان، وغير ذلك من الاحتمالات، فأي قيمة لهذا الاستظهار وتلك الاحتمالات؟! قول (كارادي فوكس b.carrade vaux) في دائرة المعارف الاسلامية تحت مادة (جهنم): (الظاهر ان القرآن قد تردد بعض التردد في مسألة خلود العذاب في جهنم، فالآيات التي تشير إلى ذلك لا تتفق تمام الاتفاق، ولعل هذا التردد إنما يرجع إلى أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن من الفلاسفة المتفكرين...الخ) فيه ما يلي: أ ـ ان المقطع الأول الذي يشير إلى دعوى تردد بعض آيات القرآن الكريم في مسألة خلود العذاب في جهنم جاء ناقصاً لا يتضمن دليلاً أو مثالاً على التردد المدعى فهو قول جزافي لا قيمة علمية له. ب ـ ان العذاب الالهي في الآخرة له درجات تتناسب ومستوى الجريمة التي ارتكبها الانسان في الدنيا، فهي تتدرج من المعاصي والمفاسد على اختلاف خطرها وعظمها، إلى الشرك والكفر والطغيان جحوداً بالله وانكاراً لاُلوهيته والاستكبار والعلو في الأرض دونه سبحانه وتعالى ، ولهذا جاءت آيات القرآن الكريم لتؤكد الخلود والشدّة في العذاب لدرجات القسم الثاني ودون ذلك في القسم الأول، وهنا يأتي دور تفسير بعض الآيات للبعض الآخر تخصيصاً لعمومتها وتقييداً لاطلاقها إن كان هناك مخصص أو مقيّد لموردها، فيمتاز بعضها بالقول بالخلود في العذاب وبعضها الآخر بما دون ذلك، فلا تردد ولا تناقض عند اولي الألباب. ج ـ ان تعليل (كارادي فو) دعواه بتردد القرآن في مسألة خلود العذاب في جهنم بأنه يرجع إلى أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن من الفلاسفة المتفكرين، فيه: أولاً: غمزٌ بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا ما أجلنا الحديث فيه إلى فصل مستقل إن شاء الله. وثانياً: لما قلنا سابقاً من أن القرآن الكريم ليس كتاباً مدرسياً ولا مؤلفاً أكاديمياً يعرض المسائل بطريقة تحليلية متسلسلة وبلغة مدرسية ومنهج أكاديمي مقرر، إنما هو كتاب دعوة وتربية للانسان والاُمة وارشاد وقيادة لحركة الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـالميدانية عند بعثته وطيلة حياته الرسالية وفهم القرآن واستنباط الحقائق والأحكام والتعليمات منه يحتاج إلى الاحاطة بجملة مقدمات وقواعد تسمى بعلم تفسير القرآن الكريم، الذي يتناول علوماً فرعية متعددة تحقق القدرة على التفسير والتأويل للقرآن، منها علوم اللغة وعلوم القرآن، وعلم الحديث، وأمثال ذلك، وإنما اضطررنا لهذه العلوم لابتعادنا عن زمن التنزيل، حيث أن وجود الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ وأهل بيته الطاهرين ـ عليهم السلام ـ كان يغني المسلمين آنذاك عن الاحاطة التفصيلية بهذه العلوم; فقد كان الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ وأهل بيته ـ عليهم السلام ـ تراجمة القرآن وعلماء حقائقه ودقائقه، ثم أن بلاغة القرآن وبيانه كانت واضحة لدى المسلمين في عصر الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ لتذوّقهم الفطري لها، كما أن معاصرتهم للحوادث والوقائع التي تشكل شأن وأسباب النزول كانت تغنيهم عن البحث والاستقصاء عنها لمعرفة مدلول الآيات النازلة بشأنها، وهذا أمرٌ يدركه العقلاء ويلتزمون بلوازمه. فيبطل التعليل كما تبطل الدعوى.