(22) ويخصهم بدعاء وهو يصلي عليهم صلى الله عليه وسلم : قال سعيد بن المسيب رحمه الله : صليت وراء أبي هريرة على صبي لم يعمل خطيئة قط، فسمعته يقول : " اللهم أعذه من عذاب القبر " . وكان الحسن أن يقرأ على الطفل فاتحة الكتاب ويقول : " اللهم اجعله لنا فرطاً وسلفاً وأجراً " . وإن قال: اللهم اجعله فرطاً وذخراً لوالديه ، وشفيعاً مجاباً اللهم ثقل به موازينهما ، وأعظم به أجورهما ، وألحقه بصالح المؤمنين ، واجعله في كفالة إبراهيم ، وقه برحمتك عذاب الحجيم ، وأبدله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله ، اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ومن سبقونا بالإيمان فحسن . (23) ويبشر صلى الله عليه وسلم بشفاعتهم لأبويهم إذا صبروا على فقدهم : عن أبي حسان قال : قلت لأبي هريرة : إنه قد مات لي ابنان ، فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا ؟ قال : نعم ، صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فيأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا ، فلا يتناهى أو قال : فلا ينتهي حتى يدخله الله وإياه الجنة " . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلمَين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث ، إلا أدخلهما الله وإياهم الجنة بفضل رحمته ، وقال : يقال لهم : أدخلوا الجنة ، قال : فيقولون : حتى يجيئ أبوانا ، قال : ثلاثة مرات فيقولون مثل ذلك ، فيقال لهم : أدخلوا الجنة أنتم وأبواكم " (24) وكان صلى الله عليه وسلم يرحم بكاء الطفل في الصلاة فيخففها : عن أنس رضي الله عنه قال : ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف عنه مخافة أن تفتن أمه . ويؤكد صلى الله عليه وسلم ذلك بنفسه فيقول : " إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجاوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه " . (25) ويناديهم صلى الله عليه وسلم بكنيتهم تكريماً لهم : وهذا من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم. يقول أنس رضي الله عنه: كان رسول الله أحسن الناس خلقاً ، وكان لي أخ يقال له أبو عمير ، قال : أحسبه فطيماً ، وكان إذا جاء ـ أي النبي ـ قال : يا أبا عمير ... " . وكان أنس رضي الله عنه يجتني بقله وكانت حامضة فيها لذع وحموضه ، والشيء الحامض يقال له : حامز، والبقلة الحامضة التي جناها أنس سميت حمزة بفعل طعمها اللاذع ، فكنى الرسول صلى الله عليه وسلم أنساً ببقلته أبا حمزة يقول رضي الله عنه: كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقله كنت أجتنيها . (26) ويحسن النداء صلى الله عليه وسلم للصغار حتى من الخدم : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقولن أحدكم : عبدي ، وأمتي ، كلكم عبيد الله ، وكل نسائكم إماء الله ، وليقل : غلامي ، وجارتي ، وفتاي ، وفتاتي " . والله لو التزم أكثرنا التواضع ؛ لصلحت أمور وأمور . (27) ويحمله صلى الله عليه وسلم في صلاته : عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي . فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ، فرجعت إلى سجودي ، فلما سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر وأنه يوحى إليه ، قال : " كل ذلك لم يكن, ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته " وعن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل لأمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس رضي الله عنه فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها. وللنسائي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وهو حامل أمامة بنت أبي العاص على عاتقه ، فإذا ركع وضعها ، وإذا رفع من سجوده أعادها . وتوضح رواية النسائي أن حمله لأمامة كان في صلاة الفريضة . (28) ويأمر صلى الله عليه وسلم بتلقين الطفل كلمة التوحيد: فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " افتحوا على صبيانكم أول كلمة لا إله إلا الله ، ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله . " والمقصود أن هذا إنما يكون أول ما يفصح الطفل ، ويبدأ في تعلم الكلام . ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام .. ) [ الأنعام : 125] . ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ ق : 18]. (29) ويقطع صلى الله عليه وسلم خطبته ويترك منبره ليرحم عثرتهم : عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا, إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما وضعهما بين يديه ، ثم قال : " صدق الله ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) ، فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما " . (30) ويمازحهم صلى الله عليه وسلم مزاحاً لطيفاً بالقول والفعل : يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير : " يا أبا عمير !ما فعل النغير ؟ " . وكان صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره ، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما . وهذا من سماحة الإسلام ، ويسر هذا الدين الذي يهتم بالأطفال هذا الاهتمام العظيم مراعاة لنفسية الطفل ومجاراة لميوله ورغباته . (31) ويهتم صلى الله عليه وسلم بتهذيب مظهرهم وحلاقتهم : عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياً قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال : " احلقوه كله أو اتركوه كله ". إن رسولنا صلى الله عليه وسلم لا يحب تشويه منظر الطفل ، ولا تشبيه مظهره بمظهر أبناء الكفار ، ولا أن يكون حبناً لأطفالنا دافعاً لنا أن نفعل فيهم الأفاعيل ،وإنما أراد لأبناء المسلمين أن يكون لهم مظهراً مميزاً وشخصية مستقلة ، غير مقلدةأو محاكية لشخصيات غير مسلمة كما يرى في واقع كثير من الناس اليوم إلا من عافاه الله . ( 32) ويشرف بنفسه صلى الله عليه وسلم على حلاقتهم : عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم ثم أتاهم فقال : " لا تبكوا على أخي بعد اليوم " يريد إنهاء الحداد عليه ، ثم قال " " ادعوا لي بني أخي " فجيئ بنا كأنا أفرخ ، فقال : أدوا لي الحلاق " فأمره فحلق رؤوسنا .وهذا فيه هدي وإرشاد للآباء أن يشرفوا بأنفسهم على حلاقة أبنائهم ، ويقرروا متى يحلقونه ومتى يتركونه ، ولا يتركون للأبناء الحرية في ذلك ، فربما قلدوا أصحاب القصة وصنعوا مثل أرباب الشوشة !! وتركوا هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم . (33) ويحملهم على عاتقه وعلى دابته : وعن عبد الله بن جعفر أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذا قدم من سفر تلقي بصبيات أهل بيته ، قال : وإنه جاء من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه ، ثم جيء بأحد ابني فاطمة الحسن والحسين رضي الله عنهما فأردفه خلفه ، قال : فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابة . وحمل صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين على عاتقيه وقال : " نعم الراكبان هما ، وأبوهما خير منهما " . وعن عمر رضي الله عنه قال : رأيت الحسن والحسين على عاتقي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : نعم الفرس تحتكما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ونعم الفارسان " . وعن جابر قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربع وعلى ظهره الحسن والحسين رضي الله عنهما وهو يقول : " نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما " . وعن البراء بن عازب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فجاء الحسن والحسين أو أحدهما فركب على ظهره فكان إلا رفع رأسه قال بيده فأمسكه أو أمسكهما قال: " نعم المطية مطيتكما " . إنه التواضع من سيد الخلق ، والاهتمام بالنشء لبناء شخصيتهم وربطهم بمعلمهم الأعظم وقدوتهم الأكرم ؛ محمد صلى الله عليه وسلم (34) ويسرع في البحث عنهم إذا فقدهم : عن سلمان رضي الله عنه قال : كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت أم أيمن رضي الله عنها ، فقالت : يارسول الله ، لقد ضل الحسن والحسين رضي الله عنهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قوموا فاطلبوا بني " وأخذ كل رجل وجهة ، وأخذت نحو النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل حتى أتيى سفح جبل ، وإذا شجاع قائم على ذنبه ، يخرج من فيه شرر النار ، فأسرع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت مخاطباً ثم أنساب فدخل في بعض الأجحار ، ثم أتاهما فأفرق بينهما ثم مسح وجوههما وقال : " بأبي وأمي أنتما ما أكرمكما على الله ، ثم حمل أحدهما على عاتقه الأيمن والآخر على عاتقه الأيسر " .. الحديث . (35) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم أدب اللباس : عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال : " أمك أمرتك بهذا ؟" قلت : اغسلهما ، قال : " بل احرقهما " ، وفي رواية قال : " إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها " . فكيف لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم من يلبسون أطفالهم ملابس عليها شعارات الكفر وراياته ، كعلم اليهود ، أو عليها صورة داعرة ، أو أمرأة كافرة ، أو وثنى لاعب كره ، وغير ذلك مما حرمته الملة الآخرة ؛ أو وثني لاعب كرة ، وغير ذلك مما حرمته الملة الآخرة ؛ الإسلام . . وقد قال عمر لعتبة : إياكم والتنعم وذي أهل الشرك ، ولبوس الحرير ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبوس الحرير . وقال علي بن أبي صالح السواق : كنا في وليمة فجاء أحمد بن حنبل ، فلما نظر إلى كرسي في الدار عليه فضة ؛ فخرج فلحقه صاحب الدار فنفض يده في وجهه وقال رحمه الله : زي المجوس . وكذلك حذيفة بن اليمان ، لما دعي إلى وليمةفرأى شيئاً من زي العجم خرج وقال : من تشبه بقوم فهو منهم . ( 26) ويرحمهم صلى الله عليه وسلم بالبشاشة والقبلة ويرغب الآباء في رحمتهم : عن أبي هريرة قال : قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنه وعنده الأقرع بن حابس جالساً ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : "من لا يرحم لا يرحم " ، وقال ثابت عن أنس : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه . ومن ترغيبه صلى الله عليه وسلم للآباء في رحمة الأبناء ما قاله أنس : أن امرأة جاءت إلى عائشة رضي الله عنها فأعطتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل صبي لها تمرة ، وأمسكت لنفسها تمرة ، فأكل الصبيان التمرتين ونظرا إلى أمهما ، فعمدت الأم إلى التمرة فشقتها فأعطت كل صبي نصف تمرة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته عائشة رضي الله عنها :" وما يعجبك من ذلك ، لقد رحمها الله برحمتها صبييها " . وفي الصحيح أن المرأة كان معها بنتان ، إلى نهاية القصة فلما أخبرته عائشة قال: " من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له ستراً من النار " . (37) ويداعبهم صلى الله عليه وسلم بشتى الأساليب اللطيفة : أخي المربي ، هل تتخيل أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر كان يتواضع للأطفال عامة ولأولاده خاصة ؟ فكان يحمل الحسن صلى الله عليه وسلم على كتفه كما تقدم ، ويضاحكه ويفتح فمه ويقبله ، ويريه أنه يريد أن يمسك به وهو يلعب فيفر الحسن هنا وهناك ، ثم يمسكه النبي صلى الله عليه وسلم. وكان يضطجع فيأتي الحسن والحسين فيلعبان على بطنه، وكانا يركبان على ظهره وهو يصلي ، بل كان صلى الله عليه وسلم ـ كما قال جابر ـ يمشي على أربع، وعلى ظهره الحسن والحسين وهو يقول : " نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما " . وعنه أنه عليه الصلاة وأفضل السلام كان يرقص الحسن والحسين ويقول : حزقه حزقهترق عين بقه فترقى الغلام حتى وضع قدميه على صدره صلى الله عليه وسلم، والحزقة : هو الصغير الضعيف . وقيل : القصير العظيم البطن، فذكرها له على سبيل المداعبة والتأنيس له ، وترق : بمعنى اصعدا ، وعين بقة : كناية عن صغر العين . والمعنى : أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلاعب الحسن بيديه الشريفتين ليرفعه على صدره ويقول له الذي معناه : أصعد يا صغيري على صدري، أصعد يا صغير العين مثل البقة . لكنه في ذلك الوقت ينهي صلى الله عليه وسلم عن الألفاظ غير اللائقة عند ممازحة الطفل ومداعبته ، فقد مر عليه الصلاة والسلام بامرأة سوداء ترقص صبياً وتقول : ذؤاك يا بن القرم ذؤاله يمشي الثطا ويجلس الهبنقعه فقال لها صلى الله عليه وسلم " لا تقولي ذؤاك فإنه شر السباع " . والمعنى أنها تقول لصبيها : يا ذئب يا بن سيد القوم ، مشيتك حمقاء وجلستك حمقاء لصغره ، وعدم قدرته على السير . بهذه المداعبة والملاطفة للطفل والتصابي معه ومحاكاته ومجاراته ؛ كان يفيض صلى الله عليه وسلم حناناً وعطفاً وعاطفة صادقة يغذي بها نفوس الأطفال ، بعيداً عن الجفاء والقسوة ، والشدة والغلظة . وصدق الله فيه : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) [ القلم : 4] . (38) ويهاديهم بالهدايا ويعطيهم ويمسح رؤوسهم : عن أبي هريرة قال : كان الناس إذا رأوا الثمر ، جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه قال :" اللهم بارك لنا في ثمارنا ، وبارك لنا في مدينتنا ، وبارك لنا في صاعنا ومدنا " ... إلى أن قال : " بركة مع بركة " ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك التمر . وعن جابر بن عبد الله قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر فلما سلم قال لنا : " على أماكنكم " قال : جرة فيها حلوى ، فجعل يأتي على رجل رجل فيلعقه لعقة لعقة ، حتى أتى علي< وأنا غلام فألعقني لعقة ، ثم قال : " أزيدك ؟ " قلت : نعم ، فألعقني لعقة ثم قال : " أزيدك ؟ " قلت : نعم ، فألعقني أخرى لصغري ، فلم يزل كذلك حتى أتى على آخر القوم . وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلنا عليه أنا وغلمة معي فوجدناه يأكل تمراً في قناع ومعه ناس من أصحابه فقبض لنا من ذلك التمر قبضة قبضة ومسح على رؤوسنا . (39) ويؤكد صلى الله عليه وسلم على الصدق معه وعدم الكذب عليهم : عن عبد الله بن عامر قال : دعتني أمي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا ، فقالت : ها تعال أعطيك ، فقال لها صلى الله عليه وسلم: " ما أردت أن تعطيه ؟" قالت : أعطيه تمراً ، فقال لها : " أما إنك لو لم تعطه شيئاً ، كتبت عليك كذبة " . إن الأطفال يراقبون سلوك الكبار ويقتدون بهم ، فلا يجوز للوالدين خداع الطفل بأية وسيلة . (40) ويترك للصغير فرصة يتلهى معه صلى الله عليه وسلم : ربما يمزح الطفل الصغير مع الرجل الكبير ، وربما يعبث في ثوبه أو في لحيته ، وزجره في هذه الحالة كسر لنفسه وجرح لشعوره ، وتعويد له على الانطواء والوحدة ، لكن مقابلة ذلك بالابتسامة والإعجاب ؛ يدخل السرور على الطفل ، ويشجعه على مخالطة الكبار والاستفادة منهم ، كما يربي فيه الشجاعة الأدبية . وقد حدث مثل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم فعن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص قالت : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال : " من ترون أن نكسو هذه ؟ " فسكت القوم ، قال : " ائتوني بأم خالد " ، فأتي بها تحمل فأخذ الخميصة بيده فألبسها . وفي الرواية الأخري : ثم قال صلى الله عليه وسلم : " سنة سنة " ، وهي بالحبشية بمعنى حسنة ، قالت : فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزيرني أبي ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" دعها " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أبلي وأخلقي ، ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي " قال عبد الله : فبقيت حتى ذكر ، يعني من بقائها . يعني : طال عمرها بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم أبلي وأخلقي ، والثوب الخلق : هو البالي . وكانت الطفلة الصغيرة أم خالد مع أهلها في هجرة الحبشة ، فلذلك داعيها النبي صلى الله عليه وسلم بلهجة أهل الحبشة التي تفهمها : " سنة سنة " .