الحديث الثامن والعشرون: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم وعن معاوية -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس أخرجه أحمد والشيخان. قوله لا تزال: اللام نافية، نفي الزوال يدل على دوام البقاء، وآخر الحديث يؤكد أوله، حتى يأتي أمر الله، وقوله: طائفة تشمل الواحد فأكثر، يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في كتاب جامع بيان العلم وفضله، وقبله أهل اللغة وبعض أهل اللغة، الطائفة في لسان العرب تطلق على الواحد فأكثر وَإِنْ طَائِفَتَانِ من المؤمنين لو تقاتل رجلان من المؤمنين ولو تقاتل رجلان من المؤمنين يصدق عليهم أن كل واحد منهم طائفة، فيصلح بينهم. وفيه أيضا في قوله طائفة أن دعاة الحق ليس لهم عدد معين ولا مكان معين ولا زمان معين، بل هم على الدوام موجودون، يقلون تارة في بلد ويكثرون، جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك -رحمه الله تعالى- فقال يا أبا عبد الرحمن الإمام ابن المبارك من أشهر علماء السنة في القرن المتقدم الثاني، وكان إماما في الديانة والسنة والعلم والورع، ولقب بشيخ الإسلام من مرو، يقول فيه الشاعر: إذا سـار عبد الله من مرو ليلة فقـد سار منها نجمها وهلالها إذا ذكـر الأحبـار فـي كل بلدة فهـم أنجم فيهـا وأنت هلالها ولابن حجر في التقريب يقول عنه: ابن المبارك إمام مجاهد جواد جمعت فيه خصال الخير، والذهبي يقول: والله إني لأحبه وأتقرب إلى الله بحبه، هذا الإمام العلم، كان من آيات الله في الديانة والعلم، جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن إن الناس اختلفوا عندنا فمع من أكون، قال: كن مع الجماعة، قال ليس هناك ثم جماعة، فرق، اختلافات، قال: عندكم أبو حمزة السكري؟ قال نعم، قال: الزمه فإنه جماعة وحده، على السنة والديانة. وقوله قائمة فيه أن دعوة الحق ظاهرة، قال قائمة، وقال ظاهرون، فيه أن دعوة الحق ظاهرة دائما، وفيه أن دعوة الحق بظهورها ووضوحها تخالف تلك الدعوات السرية في السراديب والخنادق وغيرها، فدعوة السنة واضحة كالشمس في النهار ليس دونها سحاب، أما الدعوات السرية الخفية فهذه لا تأتي بالخير وخلاف منهج أهل السنة والجماعة، ورد فيه أثر عن عمر بن عبد العزيز وإن كان فيه ضعف لكن المعنى صحيح: إذا رأيت القوم يجتمعون في أمر دينهم دون العامة فاعلم أنهم على سوء. دعوة السنة ظاهرة في كل مكان، صاحبها يظهر ما عنده ما يخفي؛ لأن الخير الذي معه ليس له، مأمور بإشاعته ونشره على كل أحد، مع كل أحد في كل مجتمع، وقوله: لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس فيه أن لدعاة الحق مخذلين، ومضارّين ومخالفين، وفيه تثبيت الله تعالى لدعاة الحق، ودفع ضرر المخذلين والمخالفين، والمضارين لهم، وفيه أيضا: دوام المخالفة لهذه الدعوة، داعي الحق والسنة دائما مخالف؛ لأنه يخالف الهوى وشهوة النفس، والدعوات الأخرى توافق الهوى وشهوة النفس. وفيه أيضا دوام حفظ الله لهذه الدعوة وأهلها، فليفرح صاحب الحق، فليفرح صاحب السنة، بحفظ الله لدعوته وحفظ الله له، وفيه دوام نفع هذه الطائفة لأنفسهم وللناس بتوفيق الله، وفيه أن أصحاب هذه الدعوة، دعوة الحق أدرى الناس بالبدع، وهم أشد الناس ابتعادا عنها، وأشد الناس تحذيرا من البدع ومن أهلها، والفائدة الأخيرة في علمي القاصر البشارة لأهل دعوة الحق، بأنهم هم المنصورون في الدنيا والمنصورون في الآخرة، وأن هذه الطائفة هي الطائفة المنصورة الخيِّرة الثابتة على الحق، الله نسأل أن يجعلنا وإياكم منها