الجمال والتجمل الرسول صلى الله عليه وسلم هو أخر الأنبياء وحتى قيام الساعة، من المهم أن ندرك هذا الأمر ونفهمه أيضا، ونشعر بقيمته، الأشياء تأتي أحيانا وتذهب فلا نشعر بقيمتها لأننا ولدنا وجدناها، فإذا ذهبت فقدناها، وإذا غابت ندمنا على عدم تقديرنا لقيمتها، أشعر أننا كمسلمين لا نقيم تلك الفرصة التي أتتنا فأهملناها، فى العصور التي قدروا فيها تلك القيمة العظمى والهدية الكبرى صعدوا و ارتفعت رايتهم، وازدهرت حضارتهم، أما فى أزمنة الانهيار كزماننا تهمل فيها تلك القيمة فنهبط، تنهار قيمنا، وتنحط حضارتنا، فاذا كان الله أكرمنا وجعلنا من أمة النبي، وجاء به سبحانه من أجلنا، فكيف نتركه، نفرط في هذا الكنز الرائع، كم جميل بالفعل أن نستمتع بتلك النعمة ونشعر بها، فأنا من أمة الحبيب محمد، أنت أيضا،أرسله لنا يعلمنا ويعرفنا، يضئ لنا مصباح النور، فكم رائع هو هذا الشعور بأنني من أحباب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من أتباعه وأمته، ممن يسمعوا له فيطيعوا، ممن أسلموا على يديه بهديه، هو أخر رسول على الأرض وأحب الناس إلى الفؤاد، عرفني من أين أتيت، وإلى أين المصير. فلك الحمد ياربنا على تلك النعمة، نعمة أنك أرسلت رسول الله لى، وللناس أيضا. كان الرسول الكريم حسن الاعتناء بجسمه، بهيئته، جميل المظهر، حلو الملامح، روى الشيخان عن براء ابن عازب رضى الله عنهما قال: لم أرى شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم([1]). وقال رجل من الصحابة رضى الله عنهم: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا رجل حسن الجسم([2]). وقد وصفت أم معبد - وكانت من أفضل من وصف النبي الكريم – الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب ([3]) وقال جابر ابن سمرة رضى الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة اضحيان (ليلة مقمرة من أولها لأخرها) وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو أحسن في عيني من القمر([4])، ووصفت امراة حجت في نفس العام الذي حج فيه رسول الله فقالت كالقمر ليلة البدر ولم أرى قبله ولا بعده مثله([5]) الجمال كان صفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الشباب يحبون الجمال أيضا، والله جميل يحبه كذلك، هيئة المسلمين الجمال، وصفتهم النظافة، وطلعتهم تسر النفوس عند اللقاء، تبهجهم في الحديث، أو هكذا يجب أن يكونوا، لا تصدقوا من يطلق القبح شعارا، ويطلبه من المسلم أيضا، المسلم جميل يقتدي بالنبي في هيئته، لا تفهموا أيضا أن الجمال يعني لبس زي الخيلاء والتعالي على الأخرين، الناس لا يحبون هذا، ولا الرسول أوصى به، ولا قلته في كلامي، قصدت بالجمال جمال الهيئة، النظافة، حسن اختيار الملابس وألوانها وتنسيقها، العطر جميل الرائحة منعش النفس للرجال، وللنساء في بيوتهن، ولم أقصد تعدي تلك الأمور إلى زينة غير محببة من النساء للرجال، زينة المرأة فى تأدبها بأدب الإسلام، زينة لا تفتن الرجال ولا تغريهم، فيها احترام لها وللآخرين. الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان جميلا، أجمل من كان في عصره، وكلنا نحب هذا، فالتجمل أسوة بالنبي. ومنهج النبي لا يمكن أن يجزأ، في تجزئته ضياع، لا تأخذ بعضه وتترك البعض، لأنك ولا أنا أيضا نعلم أين الخير فيه وفي أجزاءه، في صلاة الفجر مثلا نور للوجه لمن يريد التجمل، وقد قرأت عن نتيجة بحث أن غاز الأوزون ينزل إلى الأرض وقت صلاة الفجر، هذا الغاز ينقي البشرة ويقتل الميكروبات في الجسم لمن يستنشقه، المسألة لها أصل إذن عند القيام في هذا الوقت للصلاة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو يعلم الناس ما في صلاة العشاء وصلاة الفجر، لأتوهما ولو حبوا)، مقتنع أنا أن الإسلام يسر كما بلغنا النبي، والمشقة التي نجدها في الاستيقاظ لابد أن فيها فوائد بقدر حديث النبي، فوائد كثيرة هى لا تحصى، هكذا أظن أنا، انظر إلى من يصلى الفجر باستمرار تجد النور في وجهه، والصحة في بدنه، والنشاط ظاهر عليه، العديد من الأبحاث أكدت بعضا من الجوانب، لكننا لا نعتمد على الأبحاث بل نطيع الرسول، ونعلم أن الخير فيما يقول ويأمر، ونتبعه ثم تؤكد الأبحاث لاحقا ما يمكن الوصول إليه، أما أنا كمسلم فقد سبقت الأبحاث وأطعت ربي ورسولي لأحصل على الخير في الدنيا، وفي الآخرة أكثر، هكذا المسلم، أنت وأنا وغيرنا، فالجمال قد يأتي من صلاة الفجر، وقد يأتي من الوضوء والغسل، وقد يأتي من تأدبي بأدب النبي في الحوار مع الناس، الذين إن تأدبت معهم رأوك جميلا وما تفعله أيضا، وإن لم تتأدب معهم رأوك قبيحا بهيئتك وخلقك، لا تدري من أين يمكن أن يأتيك الجمال إذن إن أنت أطعت الرسول، له جوانب متعددة قد ندرك بعضها ولا ندرك الأخر، وفي منهج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم المتكامل كل جوانب الخير المعروفة لنا وغير المعروفة، الكثيرون يلبسون على الموضة، ملابس جميلة ورائعة، لكننا لا نرى الجمال فيهم، ولا نشعره أيضا! العكس صحيح أحيانا، فكم من زي بسيط نرى صاحبه جميل الملامح والملابس! فمن أين يأتي الجمال؟ هل تعرف! افعل كما كان يفعل النبي تكن جميلا، فقد تحصل على جمال الهيئة والجسم، وقد تحصل على جمال الروح والطلعة، وقد تحصل على محبة الناس الذين قد يحبوك ويرونك جميلا لمجرد محبتهم لك، وقد تحصل عليها جميعا إن أنت اتبعت النبي فتفعل بعضا مما فعل أو أمر وتحوز بعضا من الجمال المتكامل. من ملامح الجمال الغير مرئية بالنسبة لنا أن تحب الله، فانك لو أحببته لأحبك، وأرسل ملكا ينادي في الملائكة أن الله يحب فلانا فيحبوك، وما أعظم أن يأمر الله لك بهذا، ويذكر اسمك بين الملائكة، ثم ينادي ملك في أهل الأرض أن الله يحب فلانا فأحبوه، فتمشي في الأرض ولك القبول ومنك الجمال ولك الحب من الآخرين. ومن ملامح الجمال أنني أرى في النبي من ملامح الجمال ما قد أقلده فيه كقصة شعره، أو لحيته، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا وفرة ([6]) لديه شعر كثير، حسن الشعر، شديد سواد الرأس واللحية ([7])، وكان شعره صلى الله عليه وسلم بين أذنيه وعاتقه([8])، وروى عبد المجيد ابن جعفر أن خالد ابن الوليد فقد قلنسوة (غطاء الرأس) يوم اليرموك فطلبها حتى وجدها، وقال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في القلنسوة، فلم أشهد قتالا إلا وهى معي إلا رزقت النصر. من الممكن أن أقلده في قصة شعره صلى الله عليه وسلم، يقول الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي في كتاب سبيل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد: أن شعره صلى الله عليه وسلم كان جمة وفرة لمة، فالوفرة ما بلغ شحمة الأذن، واللمة ما نزل عن شحمة الأذن، والجمة هى مجتمع شعر الرأس وهى أكثر من الوفرة ما نزل عن ذلك إلى المنكبين. من الجميل والممتع أن أعرف من خلال الرسول ما لا يمكن لى معرفته إلا من خلال حواسه هو صلى الله عليه وسلم، لا يمكنني تقليده ولا التشبه به في هذا، يمكنني فقط الاستمتاع بحواسه الخارقة فأعرف منها ما لا تدركه حواسي، من هذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لبعضا من أصحابه: تسمعون ما أسمع؟ قالوا ما نسمع من شئ، قال إني لأرى ما لاترون، وأسمع مالا تسمعون، إني أسمع أطيط السماء وما تلام أن تأط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم([9]). وكان النبي يري من خلفه كما يرى من أمامه، وكان يسمع صوت الموتى وهم يعذبون أو ينعمون في قبورهم، هذا كله يطلعني على مشاهد لا يمكنني الوصول إليها بحواسي، في الأمر متعة أن أدرك هذا بحواس النبي، كم جميل هذا الأمر بالفعل. ومن ملامح الجمال النفسية والمعنوية عند النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، حوادث شق الصدر التي تعرض لها، أربعة مرات شق فيها عن قلبه، وغسل، فقد روى الأمام أحمد ومسلم عن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه واستخرج القلب ثم شق القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه (خاطه) فأعاده مكانه وجعل الغلمان يسعون إلى أمه فقالوا إن محمدا قد قتل، فجاءوه وهو منتقع اللون، قال أنس: فقد كنت أرى أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم. تلك الحوادث التي حدثت له صلى الله عليه وسلم جعلت قلبه نقيا، لا يحمل الكره لأحد، حتى لأعدائه، من أغرب ما سمعت في حياتي كلها موقفه صلى الله عليه وسلم عندما ذهب للطائف، سخر منه رجالها، سلطوا الأطفال والسفهاء عليه يرمونه بالحجارة، وأرسلوا لأهل مكة يعلموهم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم يستنصرهم عليهم لكي يسدوا عليه باب الرجعة إلى مكة، تخيل نفسك في هذا الموقف وأنت رجل كبير، وحيد، مسافر في تلك الصحراء، منهوك والدم يسيل منك، تخاف العودة إلى ديارك ولا تعرف إلى أين المصير، ثم جاءتك فرصة الانتقام كما حدث له فنزل عليه الملك يقول له أأمرني فأطبق عليهم الجبلين! لا أظن أحدا يمكنه رفض تلك الدعوة الرائعة التي تشفي الغليل وتريح النفس وتزيل الغمة، وتشبع الرغبة في الانتقام، من عجيب ما سمعت أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل، بل وتمنى لهم ولذريته الخير، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله، حتى الأنبياء أزعم أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا مثلما فعل، فقد دعا نوح على قومه، وموسى، غيرهم أيضا كثيرون، أما النبي فقد شق الله عن صدره فغسله فكان رحمة للناس أجمعين كما أخبر الله في القرآن. تلك الرحمة من ملامح الجمال الرائعة التي تضفى على النفس متعة لا يشعرها إلا من يفعلها، وإن كانت في بدايتها مرة المذاق مؤلمة الوقع، لهذا قال الله عنها أنها الصبر الجميل! الجمال له مواطن عدة تبدأ بالنظافة ولا تنتهي عندها، فالنظافة تضمن لك الراحة النفسية، والصحية أيضا، تشعرك بأنك سعيد، وأنك تقضى أوقاتا حلوة، وقد حث الرسول على النظافة وأمر بها مرارا، بالاغتسال، والوضوء، والتسوك، ونظافة الثوب والمسكن، كان الرجل يعرفون دخوله للإسلام بمجرد تغير هيئته ورائحته، فمن الإهمال إلى النظافة، ومن النجاسة إلى الطهارة، ومن العفن إلى التعطر، في خبر قرأته أن صاحب مغسلة فى الولايات المتحدة الأمريكية عمل بحثا حول الميكروبات في الملابس التي تأتيه للمغسلة، نوعياتها وأعدادها، فوجئ بأنواع من الملابس تتميز بقلة الميكروبات فيها، حاول معرفة السبب فوجدها كلها تأتي من منطقة واحدة، سأل عن سكانها وجدهم مسلمون، وهنا كان السبب، بحث وراء تعريف النظافة ومفهومها وتطبيقها فى الإسلام، وجد الأمر مختلف! فهم يتوضئون خمسة مرات في اليوم والليلة، ويتطهرون بشكل مستمر، يستخدمون الماء فى التطهر من البول والغائط، يحلقون ويقصون أظافرهم بشكل مستمر! الواقع يقول أن الأمر مختلف في الإسلام، بقدر اقترابك منه، وتطبيقك لتعليمات النبي صلى الله عليه وسلم بقدر ما يمكن أن تحصد من ملامح الجمال، في هيئتك، وصحتك النفسية والبدنية، لا تأخذ بعضا من تعليماته صلى الله عليه وسلم لأنك تعتقد أنها مصدرا للجمال وتترك البعض، فلا أنت ولا أنا ندري أين موضع الجمال، هو منهج كامل للحياه، خذه تكن جميلا، وناجحا أيضا. -------------------------------------------------------------------------------- [1] صحيح البخاري 2/219 (الطبعة الأميرية) [2] دلائل النبوة البيهقي 1/97 [3] دلائل النبوة البيهقي 1/230 [4] رواه الترمذي والنسائي في شرحشمائل الترمذي للقاري 1 65 [5] شمائل الرسول لابن كثير ص 8 [6] تهذيب ابن عساكر، 1/317 [7] تهذيب ابن عساكر،1/316 [8] حديث مسلم، كتاب الفضائل 94 [9] صحيح الترمذي كتاب الزهد باب 9