مدخـل

تحت قسم: هل كان محمد صلى الله عليه وسلم رحيما؟ الفصل الأول

 

منذ سنوات، سكن إلى جواري رجل دين نصراني يدعى (الأب نقولا)، فسارعتُ آنذاك إلى الترحيب به، وتقديم يد العون والمساعدة له... ريثما تطمئنُّ نفسه، وتقرُّ عينه، وتنتظم شؤون حياته في مسكنه الجديد. ولم يكن تصرفي هذا سوى التزامٍ مني بتعاليم الإسلام التي توجب على كل مسلم رعاية حُسن الجوار، تجاه أي جار، من أي عِرق كان، ومن أي لون، ومن أي دين.. انطلاقاً من قول رسول الله ص: «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورِّثه».1

 

 

ومضت شهور وأعوام... وصار بيني وبين جاري (الأب نقولا) مَودَّة عمادُها الآية الكريمة: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى﴾2، وصرنا نتبادل الزيارات في المناسبات والأعياد... ولم نكن نُميتُ تلك الزيارات باللغو والغِيبة والمِراء... بل كنا نحييها بالحديث عن الأديان.. فهو يحدثني عن دينه، وأنا أحدثه عن ديني، فيفيد كلٌّ منا الآخر.. ودام الأمر على هذا المنوال حتى تاريخ 12/9/2006 م، حيث ذاع كلام بابا الفاتيكان (بينيدكت السادس عشر) الذي أساء فيه إلى دين الإسلام، وإلى نبي المسلمين! واستشهد فيه بنصوص من العصور الوسطى، أيام كانت الحروب الدينية تشتعل بين النصارى والمسلمين بفعل مثل هذا الكلام الذي جاء فيه ما مُلخصه: «إن الإسلام انتشر بالسيف، ونبي المسلمين لم يأت بغير السيف». وهي نغمة قديمة كان يروِّج لها مدبّرو الحروب الصليبية، كلما عزموا على إشعال نار حرب جديدة3.وضجَّت وسائل الإعلام بنقل كلام بابا الفاتيكان، وردود الفعل عليه...

 

 

وصادف أن التقيتُ جاري (الأب نقولا) أمام الباب الخارجي للبناء الذي نقطنه، بعد ذيوع كلام البابا بأيام، فبادر كلّ منا الآخر بالتحية، وتصافحنا على عادتنا، وسأل كلّ منا الآخر عن صحته وأحواله... كما هو دأبنا كلما التقينا... لكنه زاد هذه المرة أن سألني قائلاً:

 

- متى سيبدأ صومكم هذا العام؟.

قلت: بعد ثلاثة أو أربعة أيام، بحسب ظهور هلال أول شهر رمضان القمري.

قال: إذاً سأزورك في أول يوم من أيام رمضان، لأهنّئك ببدء الصوم.

قلت: مرحباً بك.

قال: ألديك برنامج محدد مساء يوم الصيام، حتى أتجنب الزيارة في وقت غير مناسب؟

 

قلت: برنامجي مساء يوم الصيام هو التالي: أستمع إلى المؤذن وهو يؤذن لصلاة المغرب معلناً بدء الإفطار ذلك اليوم، ثم أتناول تمراتٍ أو شربة ماء بِنيَّة إنهاء صومي وبدء فطري ذلك اليوم، ثم أصلي المغرب، ثم أتناول طعام الإفطار... ثم أنتظر حتى يؤذَّن لصلاة العشاء، ثم أصلّي العشاء، ثم أصلي بعدها صلاة التراويح، وصلاتي كلها في المسجد. ثم أجلس في منـزلي للراحة، حيث تكون الساعة قد قاربت التاسعة مساءً بالتوقيت الشتوي.

قال: إذاً موعدنا أول يوم من رمضان، الساعة التاسعة مساءً.

قلت: إن شاء الله.

فاستدرك قائلاً: لكن سيصحبني في زيارتي رجل لا تعرفه، يودُّ التعرف عليك، والحديثَ إليك.

قلت: على الرُّحب والسَّعة، أنت وصاحبك.

ثم ودَّع كلٌّ منا الآخر... وانطلقت أنا إلى وجهتي التي كنت أنتويها، وتابع هو صاعداً درج السلَّم إلى منـزله.

 

 

 

 

______________________________________________

 

 1-صحيح البخاري: الحديث رقم /5668-5669 – سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني الحديث رقم /356.


 2-المائدة /82.

 

 

3-يقول المستشرق الإنكليزي الصهيوني (برنارد لويس) في كتابه (العرب في التاريخ): «وهناك سمة لافتة بصفة خاصة لأنظار المراقب الأوربي، هي تسامح المجتمع الإسلامي بالمقارنة بالمجتمعات الأخرى. فعلى النقيض من معاصريه الغربيين نادراً ما شعر المسلم في العصور الوسطى بالحاجة لفرض عقيدته بالقوة على كل الخاضعين لحكمه».

ويقول المستشرق (دولاسي أوليري) في كتاب (الإسلام في مفترق الطرق): «لقد أوضح التاريخ أن الأسطورة القائلة باجتياح المسلمين المتعصبين العالم، وفرضهم الإسلام على الأجناس المقهورة تحت تهديد السلاح، هي إحدى أكبر الأساطير أو الخرافات الخيالية، التي رددها المؤرخون في أي وقت، سخافةً ومنافاةً للعقل» ص8 ط. لندن /1923م/.

وتقول المستشرقة البولونية (بوجينا غيانا) في كتابها (تاريخ التشريع الإسلامي): «القول أن الإسلام انتشر بالسيف، كلام يكذِّبه التاريخ، ويكذِّبه الواقع» ص17 منشورات دار الآفاق الجديدة – بيروت – ط/1980م.

هذا في الوقت الذي يقول فيه المستشرق توماس كارليل في كتابه (الأبطال وعبادة البطل) مشيراً إلى استخدام المسيحيين السيفَ في نشر المسيحية: «عندما حوَّل (شارلمان) السكسونيين إلى المسيحية فإن ذلك لم يكن بالوعظ» ص80.