3- أثر البيئة والوراثة في عَظَمة النبي

تحت قسم: هل كان محمد صلى الله عليه وسلم رحيما؟ الفصل الأول

 

وتابع قائلاً: من الشائع لدى الباحثين والدارسين، أن أهم ما يتحكم في طبيعة الإنسان - وبخاصة العبقري المتميز - عاملان رئيسان هما: عامل البيئة - و عامل الوراثة.

     

 أما عامل البيئة: فمن المتفق عليه أن البيئة التي ينشأ ويتربّى فيها الإنسان، ذات أثر خطير في سجل حياته، وفي إكسابه الكثير من الصفات التي يُطل بها على مجتمعه. فالفيلسوف العبقري، يجب أن يعيش في بيئة فلسفية.. ولم يتهيأ هذا لمحمد في بيئته البدوية الأمّية التجارية. والمصلح الديني العبقري، يجب أن يطالع المذاهب والأديان وحياة المجتمعات.. ضمن بيئة ثقافية تهتم بمثل هذا.. ولم يتهيأ هذا لمحمد في بيئته البدوية الأمّية التجارية. والقائد العسكري العبقري، يجب أن يعيش في بيئة عسكرية محاربة.. ولم يتهيأ هذا لمحمد، ولم نعلَمه يشارك في المعارك والحروب إلا بعد الخمسين من عمره.. بل هو وجد نفسه لأول مرة يقود معركة حربية - هي معركة بدر - وهو يقارب الخامسة والخمسين من عمره، بل هو أخذ بمشورة بعض أصحابه قبل بدء المعركة[1].

والمشرِّع العبقري، يجب أن يكون دارساً للقوانين، مطَّلعاً على نظم الحكم في أيامه وقبل أيامه.. ولم يتهيأ هذا لمحمد في بيئته البدوية الأمّية التجارية.إلى آخر ما هنالك من صنوف العبقرية والعظمة..

     

فهل كان للبيئة التي عاشها محمد دور في كونه أعظم العظماء؟ والجواب حتماً: لا، لأن جميع من كانوا حول محمد عاشوا في بيئته، لكن لم يكن فيهم واحد مثله! مع أن منهم - بحسب ما عرفتُه عنهم - من لا يقل كفاءة بشرية عنه.. لكنّ الجميع كانوا يشعرون بأن محمداً الذي كان يعيش بينهم، يتميز عنهم بأمر لا يستطيعونه.. أمرٍ خصه الله سبحانه به دون سائرهم.. ولولا هذا الأمر لأمكن للكثيرين منهم أن ينافسوا محمداً في بعض مظاهر العظمة، منافسة أبناء البيئة الواحدة.

*               *               *

 

     

وأردف قائلاً: وأما عامل الوراثة: فمن المتفق عليه أن للصفات الوراثية أثر خطير في سجل حياة الإنسان، وفي إكسابه الكثير من الصفات التي يُطل بها على مجتمعه.

ولو درسنا شخصيات أجداد محمد وآبائه، من خلال ما حفظته الروايات من أخبارهم، لوجدنا صفاتِ عظمةٍ متناثرةً بينهم.. فقد كانوا من خيرة الناس في مجتمعهم[2]، لكن لن نجد فيهم واحداً مثل محمد[3]، وكذلك لن نجد مثله في ذريته..

*               *               *

 

وأردف الأب ستيفانو متسائلاً:

-  لماذا لم يَرقَ واحد من بني البشر إلى رتبة محمد؟!

-  لماذا يقول عنه الشاعر الفرنسي الشهير (لامارتين): «إن محمداً هو أعظم رجل»[4].

- ولماذا يقول (لامارتين) أيضاً في كتابه (تاريخ الأتراك): «بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد؟»[5].

- ولماذا يقول المستشرق (جون دريبر) في كتابه (تاريخ التطور الفكري الأوربي): «الرجل الذي كان له من دون الرجال جميعاً ، أعظمُ تأثيرٍ على الجنس البشري.. هو محمد»[6].

-  ولماذا يقول عنه المستشرق الآسوجي (سينرستن): «هو فوق عظماء التاريخ»[7].

-  ولماذا يجعله المستشرق (توماس كارليل): «بطل الأبطال»[8].

-  ولماذا يؤلف الباحث الأمريكي (مايكل هارت) كتاباً عنوانه «الخالدون المئة» ويجعل أعظمهم محمداً[9].

- ولماذا تؤلف مجموعة من الباحثين الغربيين كتاباً بعنوان: (الخمسون الذين كانوا أعظم شأناً في التاريخ) فيكون محمد هو الأول من بين هؤلاء الخمسين[10]!.

وأردف متسائلاً بتصميم: ما سرُّ محمد؟!.

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] مشورة الحباب بن منذر في اختيار مكان المعركة، في (السيرة النبوية) لابن هشام ص 523 ط. دار ابن كثير.

[2] انظر في صحيح مسلم الحديث رقم/4221. وفي الصحيحة للألباني الحديث /302: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم».

[3] انظر في سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني الحديث رقم /3607/ الذي يسأل فيه هرقل أبا سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم : «هل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا.. قال: لو كان أحد قال هذا القول قبله، لقلت: رجل يأتسي بقول قيل قبله».

[4] عن كتاب (مقارنة الأديان - قسم الإسلام) ص 292 د. أحمد شلبي. – ولهذا الشاعر الفرنسي (لامارتين) /1790-1869م/ قصيدة يمتدح بها النبي صلى الله عليه وسلم عنوانها: «مَن أعظم منك يا محمد؟» نشرتها جريدة (الشرق الأوسط) في عددها/9991 بتاريخ 6/4/2006م. ترجمها عن الفرنسية د. محمد المختار ولد أباه.

[5] الجزء /11/ص277.

[6] 1/229-230 ط. لندن/1875

[7] في كتابه (تاريخ حياة محمد) ص  18. – ويقول (فارس الخوري) أحد أعلام النصارى والسياسيين السوريين: «إن محمداً أعظم عظماء العالم لم يَجُد الدهر بمثله». انظر (هذا ديننا) لمحمد الغزالي ص250-251.

[8] في كتابه (الأبطال وعبادة البطل).

[9] يقول هارت عن سبب اختياره النبي صلى الله عليه وسلم أعظم العظماء في التاريخ: «الامتزاج بين الدين والدنيا - في شخصية محمد - الذي ليس له نظير، هو الذي جعلني أؤمن بأن محمداً هو أعظم الشخصيات أثراً في التاريخ الإنساني كله». عن كتاب (ماذا يقول الغرب عن محمد) لأحمد ديدات ص 9- وانظر ترجمة الكتاب ذاته إلى العربية بعنوان (المئة الأوائل) ترجمة خالد عيسى - أحمد غسان سبانو - ط. دار قتيبة ص25 -30.

[10] صدر هذا الكتاب /عام 1989م/باسم المؤلف (أولف نيلسون) وقد أوضح أنه تمَّ اختيار هؤلاء الخمسين من بين عدد قدره /11/مليار إنسان – وكان الاختيار على أساس من هو أكثر الناس تأثيراً على التاريخ البشري؟ فكان محمد r هو الأول بين البشر.

  هذا وقد أوردت مجلة التايم الأمريكية في عددها الصادر بتاريخ 15/7/1974 مقالاً بعنوان (من هم أعظم قادة التاريخ؟) أجرت فيه استفتاءً بين نخبة من أساتذة الجامعات، كان منهم المحلل النفسي (جولز ماسيرمان) الأستاذ في جامعة شيكاغو، الذي وضع شروطاً ثلاثة يجب توفرها في القائد العظيم هي:

يجب أن يتوفر في القائد التكوين السليم للقيادة.

يجب على القائد أن يوفر لشعبه مجموعة واحدة من المعتقدات.

يجب أن يوفر القائد نظاماً اجتماعياً يشعر فيه الناس بالأمن والطمأنينية.

وبعد أن قام بالتحليل والتمحيص لبعض الشخصيات مثل: بوذا – كونفوشيوس – المسيح – الإسكندر الأكبر – قيصر – لويس باستور – غاندي – هتلر... وصل أخيراً إلى النتيجة التالية فقال:

«لعل أعظم قائد كان على مر العصور هو محمد الذي جمع الشروط الثلاثة».