وأردفت: وإني لأعجب أيها الأب ستيفانو، كيف توصلتَ إلى هذا واقتنعتَ به، وأنت رجل دين نصراني؟!
قال: صحيح أنني رجل دين نصراني، لكنني أحترم وأُجلُّ الأنبياء جميعاً ، لأنهم لم يحملوا إلينا سوى الخير والمحبة، ولأن المسيح ذاته لم يأمرنا بالغضِّ من أيٍّ منهم أو إنكار رسالته، فإنْ فَعلْنا فقد خالفْنا تعاليم المسيح.. ثم من قال لك إن محمداً عدوٌّ للمسيح؟
قلت: إن بعض الغربيين يظنون هذا.
قال: إن من يقول هذا يجهل محمداً والمسيح معاً، ولو درس حياة محمد وعرف حقيقته، لما أمكنه أن يقول إلا كما قال برناردشو عنه.
قلت: وماذا قال برناردشو؟
قال: بعد أن عرف شو محمداً ودرس حياته وسيرته قال: «لقد درستُ محمداً وأُعجبتُ به، وفي رأيي أنه أبعد ما يكون عن وصفه بأنه ضد المسيح. يجب أن يُدعى (منقذ الإنسانية)»[1].
وأردف الأب ستيفانو قائلاً:
- وأعود إلى مجرى حديثي فأؤكد لك، إن الذين اتبعوا الأنبياء، لم يتبعوهم لأنهم كانوا رجالاً عظماء، ولا لأنهم كانوا رجالاً عباقرة، بل اتبعوهم لأنهم كانوا رجالاً أنبياء.
قلت: إذاً هل تكون نتيجة هذا أن صفات العظمة التي تحلَّى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما مرجعها إلى نبوته ورسالته التي أرسله الله بها إلى الناس جميعاً؟
قال: أجل، وإن دارس شخصية محمد، لن تكون دراسته ذات جدوى إن هو فصل بين هذه الشخصية وبين النبوة، كما أن دارس نبوة محمد لن تكون دراسته ذات جدوى إن هو فصل بين القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة وما صحَّ من أخبار السيرة النبوية، لأنها عناصر متكاملة في موضوع واحد.
وأضاف: وبما أنني أرتضي هذه النتيجة، فإن عليَّ أن أدرس (مظاهر الرحمة[2] للبشر في شخصية محمد) على أنه نبي ورسول. ولهذا فقد عزمت على أن لا أقتنع بصحة مظهرٍ من مظاهر هذه الرحمة إلا إذا كان مؤيداً بنص من النصوص الأصلية الثلاثة التي اتفقنا على الاحتكام إليها.
وأردف قائلاً: وهذه هي الفائدة التي أتوقعها منك، حتى يكون بحثي مدعَّماً بالحجج الموثوقة.
قلت: على بركة الله، من أين تريد أن تبدأ؟
قال: قبل أن أبدأ، أودُّ أن أعرض عليك أمراً.
قلت: ما هو؟
قال: لقد عنَّ لي وأنا أُرتِّب أفكاري قبل البدء بالكتابة، أن أقدِّم لبحثي بمقدمة تتحدث عن مظاهر الرحمة للبشر في شخصية محمد قبل البعثة.
قلت: هذا حسن.
قال: لكن اعترضتني هنا مشكلة.
قلت: ما هي؟
--------------------------------------------------------------------------------
[1] عن كتاب (ماذا يقول الغرب عن محمد) لأحمد ديدات ص10. – وانظر كتاب شو (الإسلام الصادق).
[2] الرحمة: هي والعطف والحنان والرفق والشفقة واللين كلمات متحدة المعاني، أو متقاربة جد التقارب، ونقيضها: القسوة والشدة والفظاظة والغلظة والحدَّة.