روى لنا الأستاذ إمتياز أحمد قصة إسلام عبدالله قائلاً: كان عبدالله شاباً قد أتمَّ تعليمه الثانوي، وأمضى بضع سنوات في الخدمة الفعالة في الجيش الأمريكي، حيث تعلم بعض المهارات الفنية، وهو يعمل الآن مصلحاً لأجهزة الإستنساخ والفاكس، يكسب من ذلك رزقه...
إن قصة إسلامه قصةٌ ممتعة، وإنه من المثيرأن نعرف كيف كان إسلامه. في أثناء حرب الخليج بين قوات التحالف الدولي والعراق أُرسل إلى السعودية، وكان يتسوَّق في أحد المتاجر، فاختارشيئاً ما، ووافق على السِّعر الذي طلبه البائع... وعندما كان في وشك دفع ثمن ما اشتراه، جاء صوت المؤذن من مسجد مجاور، فقال التاجر: " نتوقف عن هذا " ورفض القيام بأي عمل بعد سماع الأذان، ثم أغلق متجره، ومضى مسرعاً إلى المسجد...! ذهل عبدالله ودهش لهذه الحادثة... لماذا رفض البائع أخذ الثمن وقد اتفقنا على السِّعر؟!
لمْ يرَعبدالله في حياته شخصاً يرفض أخذ المال، ففي التجارة يتسابق الجميع للحصول على المال بأية وسيلة، تُرى أي نوعٍ من الناس هذا البائع
وأي دين هذا الذي له هذه الأولوية في نفْسِ هذا البائع؟
كان عبدالله شديد التَّطلُّع، وأراد معرفة المزيد عن هذا الدين، فقرأ الكثير عنه، وأخيراً قرر أن يسلم بعد عودته إلى أمريكا...
في نيويورك تعلَّم مبادىء الإسلام، وكيفية قراءة القران الكريم على يد بعض المدرسين الجيدين، وأخذ عبدالله الدين بقوة، والزم نفسه أوامره...
وبعد عدة أسابيع طلب الإذن بأن أسمح لضيفه المبيت في المسجد، فرفضت وسالته: ولماذا لا تأخذه إلى منزلك؟
فقال: لأنني متزوج
فقلت: وسآخذ ضيفك إلى منزلي..
فقال: والست متزوجاً؟!
فقلت: بلى، ولكني سأجد مكاناً لضيفك، وإن لم أجد فسآخذه إلى الفندق، وأدفع ثمن مبيته..
فذهب الأخ عبدالله مغاضباً، لأنه أراد أن َيتمَّ الأمرُ بطريقته هو، واشتكى لكثير من المسلمين مني، بالرغم من مشاعره الغاضبة هذه، كان يحافظ على صلاة الجماعة في المسجد...
حفظ الأخ عبدالله الكثيرمن القرآن، ولتلاوته سِحرٌ وتأثيرٌ بالغان، فطلبتُ منه أن يؤُمَّ المصلين في صلاة العشاء يومياً...
كان يحفظ كل يوم المزيد من القرآن، ويحب كل سورة يحفظها، ويفضل قراءتها في الصلاة، ولكن حفظه الجديد كان لا يخلو من أخطاء، جعلت الكثير من المصلين غير مرتاحين...
فتكلمتُ معه في الأمر واقترحت عليه أن يقرأ السورالتي أتقنها فقط، وأن يتلوا حفظه الجديد أمامي عدة مرات في اليوم الذي يسبق الصلاة، فَرَاق به الإقتراح..
وبهذا تطور، وأدرك وجهة نظري وبدأت أخطاؤه تختفي تماماً، وساعد عملنا الجماعي والموقف المتعاون في الصلح بيننا...
ثم واجهتنا مشكلة أُخرى معه، فقد اعتاد أن يقرأ في كل ركعة سورة طويلة، بعدها سورة الإخلاص وكانت الصلاة تستغرق وقتاً طويلاً، قد يصل إلى عشرين دقيقة أحياناً، والناس ليس لديهم هذا الالتزام وهذا الصبر فأبلغت الأخ عبدالله مشاعر الناس، فأجابني: بأنه يجب أن يقرأ على طريقة أصحاب محمد r، كان يقرأ سورة الإخلاص في كل صلاة...
قلت: ولكن على ما أعرف كان يقرأ سورة الإخلاص في الركعة الثانية فقط
فقال: وقد قرأت في الحديث أنها في الركعتين[1].
ومع ذلك لم يستطع أحد أن يثني عبدالله عن تلاوته لسورة طويلة متبوعة بسورة الإخلاص...
في أحد الأيام رأيته مستلقياً على أرض المسجد على شقه الأيمن[2] ، ويده تحت رأسه بين سنة الفجر والفريضة، فانتابني القلق واقتربت منه وسالته مابك ياعبدالله؟
فأجاب: أنا بخير، والوضع الذي أنا عليه من سنن الرسول r، وأنه كان يفعل ذلك...
عبدالله كان يحب عمل أي شيء يقرأه في القران الكريم والسنة النبوية بلا تردد... حياته العائلية رائعة، زوجته وأُختها أسلمتا على يديه، وأقرباء زوجته دخلوالإسلام، لديه الكثير من الأطفال، وكلهم يجيدون حفظ القران يبلغ أكبرهم حوالي سبع سنوات، يحفظ جزءاً كبيراً من القران بإشراف والده، ويحضر بانتظام صلاة الجماعة في المسجد، حتى في صلاة الفجر...
فقلتُ له: الا تخطب خطبة الجمعة؟ فقبل مع التردد أن يخطب مرة واحدة ليجرب نفسه... ولكنه ولله الحمد نجح في أداء الخطبة، لذا اختير لمهمة القاء خطبة الجمعة في مسجد التوحيد في مركز (دترويت) Detroit ومسجد التوحيد مركزفارمنجتون هلز – ميشلغيان – Farmington Hills Michigan. كل اسبوع، وكان يؤدي مهمته بشكل جيد تطوعاً في السنوات الماضية، ولا أبالغ إذا قلت: ان كثيراً من الناس جاءوني من المسجدين وطلبوا مني بقاءه خطيباً ثابتاً، وكانوا يحبون تلاوته للقران الكريم...
كنا نحصل على تبرعات أكبر من المسجدين كلما كان يخطب عبدالله. وفي يوم من الأيام دخل الأخ عبدالله مسجد التوحيد في مركز (دترويت) Detroit مع أخ مسلم بعد صلاة الفجر، وتفرق المصلون، وكنت أقرأ القرآن، فأتما صلاتهما، وكانا قد عادا من الحج لتوِّهما، فسلمت عليهما، والححت عليهما لتناول الإفطار عندي، ولكن الأخ عبدالله رفض لأنه لم يذهب لمنزله بعد، فقد جاء مباشرة إلى المسجد من رحلته، وقال بأن الرسول r كان يقصد المسجد بعد عودته من سفره، وقبل ذهابه لمنزله ولقائه بأهله، فتسائلت: مَْن مِنَِ المسلمين من يفعل ذلك؟
عبدالله الماضي، وعبدالله الحاضر
يضحك عبدالله الآن من تصرفاته الصارمة في الماضي، ويتقبل الإختلاف في الرأي، لذا بدأ يؤذن داخل المسجد
وبعد أول خطبة له بعد عودته من الحج، قدمته للمسلمين الحاضرين، وتحدثت عن إسلامه، وعن ولده الذي يفتخر بحضوره لصلاة الفجر يومياً وكان الأخ عبدالله متلهفاً لمعرفة مستواه الخطابي بعد أنْ خاض تجربته الجديدة، فأخبرته بأنها كانت ممتازة، لا سيما أنه نجح في إنهاء خطبته في حدود الوقت المقرر له: أي دون إطالة مملة.. فغادرالمسجد مرتاحاً وبعد صلاة العشاء، أراد الأخ هاني التحدث معي فقال: الأخ عبدالله متضايق، فثناؤك عليه أمام الحضور كان بمثابة قطع عنقه، كما جاء في الحديث فأجبته: بأنه يجب عليه ملاحظة الحديث الآخرالذي يعلمنا أن نعطي كل ذي فضل فضله، كما أن النبي شعيباً عليه السلام يركزعلى الأ يقلل أتباعه من الثناء حين يجب ذلك، وذكرذلك في القران في غير موضع. وبعض الناس يبني أحكامه على حديث واحد يقرؤه، ووالحمد لله أني لم أُبالغ حين قدمته للجمهور، ثم من حق الناس أن يعرفوا شيئاً عن خطيبهم الجديد. وفي اليوم الثاني شرحت رأيي لعبدالله فبدأ مرتاحاً من حديثي بالأمس، بعد أن علم مشروعية الثناء أحياناً.
وبعد شهر قدمته للجمهورمرة أُخرى، وفيهم قد جاءوا إلى المسجد حديثاً وهم لا يعرفونه، لأنفعهم بعد خطبته الثانية...
فقلت: أنا لا أمتدح الأخ عبدالله، ولكني أرى أنه من العدل أن أُبين الحقائق، والمميزات الحقيقية لخطيبنا الجديد، وبعد تقديمي أضفت، بأن السلطة والمسؤلية تسيران جنباً إلى جنب، الأخ عبدالله والأخ هاني مسؤلان الآن في غيابي عن المسجد، ما شاء الله، وكلاهما يؤديان مسؤليتهما ويمارسان السلطة بشكل ممتاز.
وكان الإخ عبدالله يحضر درس اللغة العربية في كلية الطائفة المحلية، يقدمها الدكتور الشيخ علي سليمان، ويتكلم العربية، ويفهم بعض قواعد النحو، ويتلو ويحفظ سوراً من القران، وكما يتعلم أحاديث نبوية جديدة ويخطب الجمعة، وعلى يديه يهتدي الكثيرون ….
شاب ليس لديه الأشهادة الدراسة الإعدادية، ولكن لديه الإخلاص والالتزام يستطيع أن يقوم بكل هذه الأشياء الرائعة، فيقدم الإسلام لغير المسلمين، ويدعو إليه بينهم …. الأخ عبدالله نتيجة لحرب الخليج، وقد أسلم كثيرغيره من العسكريين بعد عودتهم من المملكة العربية السعودية[3].
كما يروي لنا صاحب الكتاب.
قصص واقعية عن مسلمي أمريكا الجدد، للشباب والشابات إمتياز أحمد... أشكر جزيل الشكر للأُخت الفاضلة دجانة عبد الغني سعدالدين التي قامت بترجمة هذه الرسالة الصغيرة بحجمها والرائعة بمضمونها، وكما أشكر الدكتور كاظم الجوادي لمراجعته لها[4]...
[1] ولعله قرأ حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله r بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم (بقل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله r فقال: ((سلوه لأي شيء فعل ذلك؟)) فسالوه فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجل، فأنا أحب أن أقرأ بها. قال رسول الله r: ((أخبروه أن الله عز وجل يحبه)). سنن النسائي (المجتنى) في كتاب الإيمان وشرائعه، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي المتوفى سنة 303ه- بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب ط2 140-ه- – 1986م 2 / 170 لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي r إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن)). رواه البخاري في كاب التهجد باب الضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر 1 / 389
[3] TRUE STORIES OF AMERICAN NEW MUSLIMS (For Yoth and Ladies)Imtiaz Ahmad M. S.، M phil(London)..
[4] المصدر نفسه