روى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ:" أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ»
أَهْلُ الدُّثُورِ: أصحاب الأموال الكثيرة.
فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ: أموالهم التي تزيد على حاجتهم.
تَهْلِيلَةٍ: قول لا إله إلا الله.
بُضْعِ أَحَدِكُمْ: الجماع أو هو الفرج نفسه.
فلو كنت تحب المال أو الراحة أو العلم أو الطعام أو وقتك القليل أو أي نوع من الممتلكات المادية أو المعنوية، فإنفاقك من النوع الذي تحبه وتشح نفسك به ويبقى عندك منه بقية وإن كانت قليلة، يجعله من أفضل الصدقات التي توصلك إلى تحقيق مرتبة البر إن شاء الله.
وعليه، فلا يمكن أن نقول أن نوعا ما دون آخر هو أفضل الصدقات بالمطلق، فقد تسبق كلمة في العلم والنصح آلاف الأموال، وقد تسبق مساعدة لإنسان متعب في تجاوز الطريق محاضرات علمية وسلاسل الشروح، وقد تسبق لحظة ملاطفة ولعب مع طفل في وقتك الضيق ونفسك غير المؤهلة جهاد مجاهد أو إنفاق منفق.
والأمور على ما عند الله لا على ما عند الناس، والله أعلم.
1. فضل التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل.. وهن الباقيات الصالحات كما جاء في الحديث.
2. التنافس على غنائم الآخرة رغم الفقر.
3. المسلم أياً كان حاله في هذه الحياة الدنيا، في سعة وغنى أم في ضيق وفقر ومهما وقع عليه من الهموم والابتلاءات، فلابد أن يضع الآخرة نصب عينيه، ويعلم أن وجوده في دار الاختبار هو وجود مؤقت مهما طال به العمر.
4. المسلم ينبغي عليه ألا يشغل نفسه بالتفاصيل التي لا تفيد، ولا يسأل عن أمور لا ينبني عليها شيئ في أمر دينه ودنياه، فأبو ذر ذكر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا، ولم يهتم بنقل أسماءهم لراوي الحديث.
5. في قوله صلى الله عليه وسلم (في بُضع أحدكم صدقة) توجيه عام للأمة بأسرها سواء الموسر والفقير والمعدم منهم باستحباب الزواج، فمن كان تزوج فليستحضر النية، ومن لم يتزوج فليسع لتحصيل أسباب الزواج ليدرك الثواب.
6. كل عضو من أعضاء الإنسان يضعه في حله ويستخدمه في الحلال فله بذلك أجر، لأن القاعدة النبوية تقول:(أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ ؛ كَانَ لَهُ أَجْرٌ) .
7. الثواب على الأمر المباح وإن لم تنعقد له نية التعبد بالأمر ذاته، ويكفيه نية الخير العام والمتابعة لأمر الشارع بلزوم الحلال.
8. الحرص على أن تكون النية صالحة حتى في فعل المباحات وجميع الأعمال اليومية.
9. عدل الله عز وجل مع عباده، فلو أنه قضى شهوته بالحرام وفي غير السبيل الذي شرعه الله كان عليه وزر، ولو قضاها بالحلال وبما شرعه له كان له أجر.
10. شمولية معنى العبادة لكل ما يقع من العبد من قول أو فعل مما يحبه الله ويرضاه من عبده، حتى لو كان قضاء الشهوة في الحلال بما يُعفُّ نفسه وزوجه.
11. اطمئنان نفوس الصحابة الفقراء وسلامة صدورهم تجاه إخوانهم الأغنياء وعلمهم أن الآخرة هي ميدان التنافس الحقيقي.
12. مشروعية جمع المال ولو كان فاضلا عن الحاجة.
13. نفي النظرة الكنسية الدونية للجنس، حيث ذكر الجنس هنا في مصاف الأعمال الصالحة كالذكر والصدقة والصلاة، وهذه النظرة الطهورية الإنسانية الواقعية تساعد الإنسان على قبول احتياجاته، فلا يصارع الإنسان طبيعته ولا يستحي منها وهذا الشعور نفسه يساعد على إرواء الغريزة مع الشعور بالعزة والكرامة.
14. العرض المبسط لمعالم حُسن الشريعة وتقريبها من الأذهان في أيسر لفظ.
15. كثرة طرق الخير التي يتقرب بها العبد إلى مولاه، فإن عجز عن طريق سهَّل الله له طريقاّ آخر.
16. التأدب بعدم ذكر الألفاظ الصريحة فيما يخص العلاقة الزوجية (وفي بُضع) أو ما يخص أمر العورات، فالمؤمن الأصل فيه أن يبتعد عن الفحش من القول إلا إذا دعت المصلحة خلاف ذلك.
17. شمول شريعة الإسلام لجميع مناحي الحياة، فأرشدت الخلق إلى ما ينفعهم في كل شيئ، حتى في أدق وأخص الأمور كالعلاقة الزوجية وقضاء الحاجة وغيرها.
18. فضل الغني الشاكر.
19. عمل الصالحات أمر يسير لا يحتاج لكثير مشقة.
20. تيسير الوصول إلى الجنة بتعدد الطرق الموصلة إليها، حسب استطاعة كل إنسان.
21. جبر خاطر من لا يقدر على الصدقة المالية والتطييب النبوي لقلبه.
22. تقرير وتطبيق عملي لمعنى الغبطة، والتي لا تكون إلا في اثنتين، المال أو العلم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا حسدَ إلاَّ في اثنتَينِ: رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فهو يقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، ورجلٌ آتاهُ اللهُ مالاً فهو يُنْفِقُهُ آناءَ الليلِ والنهارِ".